سلطنة عُـمان تحتضـن اللغة الكمزارية..
أحـمـد صـالـح حـلـبـي
باحـث وكاتـب – السـعـودية
سلطنة عُـمان تحتضـن اللغة الكمزارية..
كلما قرأت عن سلطنة عُمان ، أجد نفسي واقفا أمام تاريخ كبير وعميق ، لا ينحصر في حضارة معمارية ، أو حالات اجتماعية ، أو أوضاع اقتصادية ، فما تحتضنه سلطنة عُمان أعمق من كل هذا.
وأثناء قراءاتي عن عُمان وتاريخها وأصالتها ، توقفت أمام لغة يقال إنها دارجة بين نسبة بسيطة من السكان في إحدى المناطق العمانية ، وتعرف باللغة الكمزارية وهي لغة شفهية لا يوجد لها نظام كتابة ، تكونت من اللغة الأتشومیة وهي ” لغة أهل جنوب فارس، وجميع أنحاء هرمزجان إحدى محافظات إيران الواقعة في جنوب شرق إيران على مضيق هرمز”.
واللغة الكمزارية عبارة عن مزيج من عدة لغات منها الهندية والفارسية والعربية والبرتغالية والبلوشية والإنجليزية والتركية، “وتعتبر اللغة الوحيدة غير السامية المحكية في شبه الجزيرة العربية ، ويتحدث بها حوالي 4000 نسمة”، وهي لغة مينائية لكونها برزت في كمزار الواقعة بين جبال صخرية تلامس البحر على الضفة الجنوبية لمضيق هرمز، وبرزت نتيجة لمرور البحارة البرتغاليين بهذه المنطقة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
وذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان ذلك عندما وصفها بأنها “بليدة صغيرة من نواحي عُمان على ساحل بحرة في وادي بين جبلين شربهم من أعين عذبة جارية”. وسميت بهذا الاسم نسبة لكثرة الزوار، وهو المرجح عند الباحثين لما أورده المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر.. كم زار هذا البلد من بشر؟” حيث تشير “كم” إلى الكثرة “.
ولأن اللغة الكمزارية عبارة خليط لعدة لغات ، فمن الصعوبة كتابة كلماتها ، وتتميز بانها تتكون من فاعل ثم مفعول به ثم فعل ” مع وجود مرونة في بنية الجملة، حيث يمكن تغيير الترتيب في بعض الأحيان، وتنقسم الأفعال في الكمزارية إلى أفعال بسيطة لا يمكن تقسيمها، مثل “أوكدِش” بمعنى “ضرب” والفعل “خيردش” بمعنى “اشترى” وأفعال مركبة تتكون من جزأين يتحدان معا لصياغة الفعل”.
كما تتمز بأنه لا يوجد بها مذكر ومؤنث، ” أما في الجمع فيضاف “أن” آخر الكلمة ومثال على ذلك “زنك” بمعنى امرأة، و”زنكان” أي نساء، و”مورتك” بمعنى رجل و”مورتكان” بمعنى رجال في حالة الجمع. أما التعريف فيتم صياغته بإضافة “و” في آخر الكلمة مثل “زنكو” أي المرأة و “مرتكو” أي الرجل”.
وتعتبر الكمزارية من عائلة اللغات “الإندوإيرانية” التي تنتمي إليها عدة لغات في عُمان مثل اللواتية والبلوشية والزدجالية، ويغلب على هذه اللغة كلمات من الفارسية والعربية الأصيلة واللهجة العُمانية بشكل خاص، مما يدل على عمق عُمان الحضاري والتاريخي، وذلك حسب ما رواه الباحث العُماني سعيد الجهضمي.
وأوضح الجهضمي – في دراسته حول الكمزارية – أن عددا من الحروف لها مقابل في العربية مثل الغين والخاء والقاف، كما يوجد بها حروف لا توجد في العربية كالباء الثقيلة المعروفة بالإنجليزية في كلمة “قلم” (Pen) والزاء المفخمة كما هو الحال في بعض اللهجات العربية”.
وإن كانت اللغة الكمزارية مهددة بالاندثار نتيجة لعدم انتقالها بين الأجيال وتوجه الشباب نحو التعليم الجامعي وعدم النظر نحوها أو التحدث بها ، كما أن السفن والبحارة لم يعودوا يتواجدون بهذه القرية الصغيرة كما كان ذلك في السابق ، غير أن الباحثة مكية الكمزارية ، الحاصلة على الماجستير في طرق التدريس ، ومعلمة أولى للغة العربية في وزارة التربية والتعليم وعضو اللجنة الوطنية للشباب ، وجمعية المرأة العُمانية ، ترى أن هذه اللغة ـ أي اللغة الكمزارية ـ دخلت عليها تغييرات في نظامها وهو عارض صحي وطبيعي يحصل مع لغات أخرى، لكن الكمزارية احتفظت بهيكلتها وبنيتها الأساسية، مشيرة إلى أن القول باندثارها يحتاج إلى برهان علمي خاصة وأن الأطفال يتعلمونها ويتكلمون بها وهو ما يعطيها امتدادا لحياتها “.
ولإنقاذ اللغة الكمزارية يعمل الباحثان الكندي اريك انونبي والهولندية كريستينا فان دير فال ، على تنفيذ مهمة إنقاذ هذه اللغة من خلال وضع معجم لها ليتم تناقلها عبر الأجيال شفهيا فقط.