أيُّها الطّين .. كُنْ قريباً من الماء..
زايـد بن خلـيـفـه الشـكـيـلـي
أيُّها الطّين .. كُنْ قريباً من الماء..
إن أعظم مخلوق على الأرض هو الإنسان كرمه الله عز وجل أعظم تكريم فخلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء ، وخلق الكون كله من أجله وسخره له للاستفادة منه ، وصدق الله العظيم في محكم كتابه الكريم في سورة السجدة: “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)” ، من هنا نستنتج بأن الطين لا يمكنه أن يبقى طين دون الماء ، وإلا لتجمد وجف وتصلب وتكسر وسيتناثر غبراً بعده ، ومن هم حولنا من الأسرة والعائلة والأصحاب والأصدقاء وعباد الله أجمعين ما هم إلا “ماء” يفيض علينا بخيراته وإحسانه ويمنحنا الرطوبة المستمرة ويزهر بأعماقنا ورود المحبة والوئام.
عزيزي القارئ لعلّي هنا أحاول تسليط الضوء على ما أنتجته التكنولوجيا فيما يخص أساليب التواصل فيما بين الفرد ومن حوله من أفراد ، ولعل من مقومات المجتمع الإسلامي وما أوصانا به ديننا الحنيف من خلال كتاب الله عز وجل وسنة نبيه المرسل صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً هو أهمية المحافظة على التواصل فيما بين أفراد المجتمع وأهمية التعاون والتلاحم فيما بينهم ؛ لما له من أثر إيجابي عميق في توثيق أواصر المحبة والسلام والتعاون ، وفي حديث رسولنا الكريم ، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”.
عزيزي القارئ لعلك تشاركني الرأي حول ما يعاني منه المجتمع في حاضرنا من شتات اجتماعي حتى طال الأسرة الصغيرة فتجد الأبناء يفرون من آبائهم ، ويتخذون زوايا الغرف ملتهين بمختلف التطبيقات الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي ، وهنا لا ألوم الأبناء بقدر ما ألوم الآباء ؛ فهم مسؤولون أولاً وأخيراً عن تربيتهم ورعايتهم والحرص على تنشئتهم النشأة الصالحة ، ولعلي ومن خلال عملي بقطاع الموارد البشرية فإن ما تلاحظ وأغلب المسؤولين يعانون منه وكان له ومازال انتكاسة حتى على مستوى أداء الأعمال التي توكل للجيل الجديد – وهنا لا نعمّم – بل إن اغلبية هذا الجيل تستمتع باللامبالاة للأسف الشديد ، وهذا يشير إلى عدم وجود الاستقرار النفسي والفكري لدى الفرد ، ناهيك عن مستويات الإهمال في مواعيد الحضور والانصراف ، والإلتزام بتأدية العمل بكل إخلاص ، وقد تلاحظ لدينا بأن مجموعة من المؤسسات أعلنت إفلاسها وزادت وتيرة التسريح وخاصة بالقطاع الخاص ، وكل هذا وذاك يثقل كاهل الحكومات رضينا بهذا الوضع أم أبينا.
ولا ننسى عزيزي القارئ بأن من أكثر وأخطر السلوكيات التي طرأت وظهرت وتباينت في مستوياتها في حال غياب التواصل المنطقي والصريح بين مختلف أفراد المجتمع هو تفكك وزعزعة النسيج الإجتماعي ومستوى الإخلاص فيما بين أفراد المجتمع ، وتأكيدا على ذلك نرى التنوع في المشاكل والجرائم التي باتت تسيطر على بعض فئات الشباب خاصة ، وأصبح الجار لا يعرف عن ألم جاره ، والزميل لا يبالي بالتحديات التي يواجهها زميله الآخر ، وأصبح مفهوم التعاون والتكافل معدوماً إلا من رحم الله ، وكذا الحال فالأبناء في الأسرة الواحدة تجد منهم من يعاني من التَّنَمُّر ، والآخر من يعاني من التَّوَحُّد ، ومنهم من ينجرف بأفكاره الشيطانية التي استفاقت بحكم تأثير التكنولوجيا واستخدامها الإستخدام السيِّء ، فالمُعْرِضين والمُحَرِّضين منتشرين كالأوكسجين ، ويذهب ذاك الطفل البريء والشاب الحليم ضحية لإهمال والديه ، وغياب توجيههم التوجيه الصحيح ، ولعل ما تفضل به جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – في لقاءاته الأخيرة مع الشيوخ والرشداء في عدة ولايات ، وتسليط جلالته الضوء على أهمية التربية ؛ حيث قال : (إن تربية الأبناء لا تتم عبر شبكات التواصل الإجتماعي ، تربية الأبناء هي جزء من أصل المجتمع العماني ، عندما يتشرب أبناؤنا بعاداتنا وتقاليدنا والتمسك بالأسرة والمجتمع هي تكون سبيل نجاح المجتمع ، وهذه التقنية أصلها لخدمة البشرية ، ولكن للأسف استغلت بطريقة سلبية جداً ، وأثرت على النشء ليس بمجتمعنا فحسب ، ولكن على مستوى العالم) ، وقد شدّد جلالته حفظه الله على ما يخص أبناء المجتمع ، ووجوب رعاية الأبناء وتربيتهم حسب ما يميز المجتمع العماني من خصائص وعادات وتقاليد وقيم تميّزه عن غيره كثيراً ، وما هذا الحرص السامي من لدن جلالته إلا أمانة وجب التطرق إليها ، ويجب علينا كأفراد في هذا المجتمع الإستماع والعمل بها حتى يبقى مجتمعنا ناصعاً متكاملاً متكافلاً متعاونا متحاباً متماسكاً ، ولنعد ترتيب أوراق حياتنا وعلاقاتنا ببعضنا البعض ، ولا نسمح لأي من المؤثرات الخارجية التي تستهدف هذا المجتمع الراقي والرائع ؛ فالاتحاد قوة وفيه سلامة وعافية للجميع ؛ فكن أيها الطين قريباً من الماء حتى تبقى على إنسانيتك التي كرمك الله بها وأكرمك بخصوصيتها وسموها على باقي مخلوقاته.