بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الذَّكَاء الْاِجْتِمَاعِيُّ بِنَكْهَة أخْلَاقِيَّة عَمَّانِيَّة

عـصـام بن محـمـود الرئيـسـي
كاتب ومؤلف سلسلة كتاب مختارات من البروتوكول والإتيكيت

عزيزي القارئ الكريم:
كما نعلم، فإن لكل شعبٍ أصيلٍ هويةً ونهجًا وموروثًا يميّزه عن غيره من الشعوب، وهذه خصوصية يشترك فيها جميع أفراد المجتمع، لأنهم ينشؤون في وسطٍ ثقافي…” لا يختلف في ذلك المتعلم عن غير المتعلم. فحتى غير المتعلمين يتشربون القيم الأخلاقية، لأنهم ينشؤون في وسطٍ ثقافي تتحدد فيه هويتهم، ويُصاغون ضمن نسقٍ ذهنيٍ ينبع من أصالة شعبٍ تربى على الخلق القويم، الضارب جذوره في أعماق التاريخ على مرّ العصور، ويقول الطبيب الأمريكي “بول هاريسون”، الذي عاش في عُمان بين عامي (1928–1938م) ومؤلف كتاب رحلة طبيب في الجزيرة العربية:
“عُمان أرض التسامح والكرم.”

هكذا برزت الشخصية العمانية بكل معانيها، وأطلت على العالم بإطلالة رائعة، وحددت معالمها من خلال ثقافتها الموروثة التي تشكّل خريطتها في الحياة، وتحدد أوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية والتقنية. وعندما نتحدث عن الشخصية العمانية وما تحمله من معانٍ خلقيةٍ وأدبٍ جم، فإنك تقف أمامها إعجابًا واحترامًا وتقديرًا. فمن هذا المنطلق، تمتعت الشخصية العمانية – من أعالي مسندم إلى ظفار – بالعديد من الصفات الأخلاقية، وهذا ليس تحيزًا كوني أنتمي وبكل فخر لهذا البلد العزيز، بل هي شهادات من زوار العالم الذين تعاملوا مع هذا البلد الراقي، وكان الود هو الفيصل في ذلك، مما يجعل الشخصية العمانية تبرز بين الآخرين بكل وضوح وفخر.

لقد تميزت الشخصية العمانية بعديد من الصفات التي تؤهلها، وبكل تأكيد، لأن تكون من الشخصيات ذات ذكاء اجتماعي فطري، اكتسبته من تجارب طويلة عبر السنين في التعايش الراقي مع مختلف الذوقيات الإنسانية. وقد ساعدتها هذه الخصائص في التواصل مع الآخرين بكفاءة واقتدار، حتى أصبحت الشخصية العمانية نموذجًا يُشار إليه بالبنان.

ومن أبرز هذه الصفات:
·      احترام الرأي والرأي الآخر.
·      الصدق والعدل.
·      الهدوء والاتزان.
·      التعاطف مع الآخرين.
·      التعامل بحكمة مع النزاعات.
·      التعايش مع الجميع بمحبة وتعاون.
·      مهارات الاستماع.
·      قلة الجدال.
·      إدارة السمعة.
·      الكفاءة الاجتماعية.
·      رحابة الصدر.
·      ترك الأثر الطيب في الآخرين.
هذه الصفات تنطبق تمامًا على الشخصية التي تتميز بذكاء اجتماعي، كما عرّفها العالم النفسي الأمريكي إدوارد ثورندايك بأنها: “القدرة على الفهم والتعامل مع البشر، والتصرف بحكمة في العلاقات الإنسانية.” وهذا ما يميز الشخصية العمانية بمفهومها العام.

لقد كان للتنشئة الاجتماعية السليمة دورٌ بارزٌ في رسم ملامح الشخصية العمانية عبر الأجيال، مما جعلها مؤهلة للتواصل مع مختلف فئات المجتمع داخليًا وخارجيًا، بما تملكه من آداب، وعادات، وتقاليد يتفرد بها المجتمع العماني، وتُعد رموزًا وطنية تمثل هوية المواطن العماني.

وقد أثبتت الدراسات أن الذكاء الاجتماعي ينشأ من تنشئة اجتماعية متواصلة تشمل مختلف مجالات الحياة، وينتج عن مجموعة من العلاقات العائلية والقيمية التي تقوم على التعاون والتبادل والإيثار. وتُغرس هذه القيم في الإنسان منذ طفولته، لتُكوّن كائنًا اجتماعيًا محمّلاً بمنظومة فكرية وأخلاقية. وقد أثبتت الأسرة العمانية، في المقام الأول، جدارتها في هذه العملية، إلى جانب مؤسسات التنشئة الأخرى كالمدرسة والمسجد وسائر المؤسسات الثقافية والتعليمية. للذكاء الاجتماعي أهمية كبيرة، خصوصًا على الصعيد الشخصي، إذ يساعد على بناء صداقات حقيقية، والتعرف إلى ثقافات جديدة، واكتساب خبرات حياتية قيّمة.

كما يبرز أثره على الصعيد العملي، خاصة عندما يتّسم الذكاء الاجتماعي بنكهة عمانية أخلاقية مميزة، تُفضي إلى الإبداع والتميّز في مختلف المجالات. إن مشاهد الألفة والمحبة بين العمانيين والمقيمين والزائرين من مختلف دول العالم تتجلى يوميًا في تفاصيل الحياة، من خلال التعامل الإنساني الراقي والبشاشة والكلمة الطيبة، دون تفرقة بين أحد، وهي صفات متجذرة في الشخصية العمانية منذ القدم.

ورغم ما مرّ به العالم من تحولات ومنعطفات تاريخية، أثبتت الشخصية العمانية أن الحقد، والكره، والتعصب، والاستخفاف بالشعوب والأديان، لا تجرّ سوى النزاعات والفوضى، في عالمٍ نحن أحوج ما نكون إلى استقراره وسلامه من أجل سعادة الإنسانية جمعاء.
وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي.

‫2 تعليقات

اترك رداً على محمد الشكيلي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى