بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

اللسان الدبلوماسي المهذب

عـصـام بن محـمـود الرئيـسـي
كاتب ومؤلف سلسلة كتاب مختارات من البروتوكول والإتيكيت

 

عزيزي القارئ: تطالعنا وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى بمقطع لحديث وحوار لشخص ما مع طرف آخر في مختلف تطبيقاتها وأدواتها، ولطالما أعجبنا بمهارة شخصية دبلوماسية، أو برلمانية في حسن اختيار ألفاظهم أثناء طرحهم وحوارهم لموضوع معين في مختلف المجالس البرلمانية أو من رجال السياسة في مؤتمر صحفي، حيث إن البعض منهم يدهشوننا بمفردات ذكية وعميقة لتوصيل معلومة ما إلى الطرف الآخر بأسلوب مهذب بليغ وسرعة بديهة مدعومة بأمثلة وأرقام دقيقة مما يجعلنا نستمع إليهم بإعجاب وبصيرة ودهشة، وهذا ما يسمى عزيزي القارئ بفن الحديث وهو ما سوف نتحدث عنه  في هذا المقال.

يعتبر فن الحديث بشكل عام من أساسيات الشخصية الإنسانية فهي وسيلة اتصال لفظية رائعة ومؤثرة إذا ما صيغت بطريقة مثالية وما يبرز جماليات هذا الفن نبرة الصوت واختيار المفردات والألفاظ وبالتالي الحصول على لسان أنيق مهذب. ويمكن أن نطلق على هذا النوع من الحديث باللغة الدبلوماسية أو اللسان الدبلوماسي وهي نوع من أنواع لغات العالم في الأعمال البرلمانية والسياسية بالتحديد. وتتميز بمفرداتها ودقتها وبلاغتها في الصياغة والتحدث.

ومن المعلوم لدينا من سيرتي الأنبياء والرسل عليهم السلام أن الله سبحانه وتعالى أرسل موسى وهارون إلى قوم فرعون وقد كانت رسالة الله تعالى لهما أن يقولا له قولا لينا لعله يتذكر ويخشى. فسيدُنا موسى كان إذا ضاقَ صدرُه انعقد لسانُه فلا يكاد السامع يتبين شيئاً مما يقول وهذا هو بعضٌ مما كان قد تسبب له به فرعونُ الطاغية عندما كان طفلاً. ولذلك سأل سيدُنا موسى اللهَ تعالى أن يجعل أخاه هارونَ وزيرا ومتحدثا له في صحبتِهِ حتى يتكلمَ نيابةً عنه إذا ما انعقدَ لسانُه إذا ما غضب وضاق صدرُه. وأيضا كان هارون فصيح اللسان ويجيد اللغة العبرية التي يتكلم بها بنو إسرائيل.

ويعدّ فن الحديث موهبة من الله تعالى والموهبة هي مهارة يتقنها الشخص بناء على ميول ورغبة واهتمامات؛ والجميل في الأمر وهذا ما أكده العديد من الأكاديميين أن حسن التحدث مسألة قابلة للتعلم وهو من المواهب التي يستطيع الإنسان تنميتها وتطويرها بدون شك. ولذلك لا يكاد يخلو معهد دبلوماسي أو إعلامي تدريبي وأكاديمي من تلك البرامج. ويعتمد إتقان الشخص على فن التحدث والتواصل مع الآخرين على مُراعاة أمور معينة، وعليه إدراك أن طريقةَ كلامه تُعبّر عن مدى ثقافته كما تعبّر عن شخصيته.

 إن الاستعداد المبكر لحضور أي مؤتمر أو جلسة برلمانية أو دعوة قدمت لأية شخصية للتحدث في أمر ما مهم للغاية لكي يتمتع بلسان دبلوماسي. لهذا عليه أن يُجهز نفسه جيّداً، وأن يلمَّ بالموضوع المام تاما ويمكن أن نذكر أبرز النقاط التي يتمتع بها اللسان الدبلوماسي ويراعيها أثناء الحديث:
·      أن يكون بليغا في التحدث وهي إتقان اللغة، وضبط الحديث، والتعبير السليم؛ من خلال استخدام أسلوب سلس يسهل فهمه من الجميع.
·      فهم الموضوع المراد مناقشته وأن يكون ملما وعلى ثقة مما يطرح ويقال عن الموضوع؛ حتّى لا يُسيء إلى نفسه أو الفكرة التي يدافع عنها.
·      الحديث بصوت معتدل ومفهوم.
·      السيطرة على لغة الجسد اثناء الحديث.
·      استخدام المُتكلّم للأمثلة ولغة الأرقام الدقيقة أثناء الحديث، حيث إن من شأنها أن تبقى في الذهن وأكثر إقناعا للمستمع. وكما قيل فإنه (عندما تتحدث لغة الأرقام بلسان البيانات والإحصائيات الدقيقة فإن اللغة التي نعرفها تصمت تماماً).
·      عدم الإطالة في الحديث بل علينا أن نوجز ونختصر بدقة ويجب مراعاة الوقت ولا نستأثر بالكلام لأنفسنا وعلى حساب المتحدثين الآخرين حتى لا يصاب المستمع بالملل ويمتعض من ينتظر دوره في الحديث.
·      الحذر من فقدان السيطرة على النّفس والأنفعال أثناء الحديث، فهناك أشخاص يرغبون بالجدال ويهدفون إلى إحراج الطّرف المقابل فقط.
·      مراقبة الحديث جيدا من قبل المتحدث والحرص على العودة إلى مسار الحديث بسرعة في حال ظهور أي انحراف عن مساره.

وأخيرا عزيزي القارئ يعدّ الحديث وإجادته بكل مفرداته الراقية من ضروريات الحياة في المجتمع حتى نبتعد عن سوء الفهم أثناء تواصلنا مع الآخرين ولتسود المحبة والخير بين البشر ولنمتثل لقوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ (سورة الأحزاب).
ومن مواقف الحوار النبوي لرسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام مع أصحابه في غزوة حنين حيث رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتألف البعض بالغنائم تأليفا لقلوبهم، وذلك لحداثة عهدهم بالإسلام، فأجزل العطاء لزعماء قريش وغطفان وتميم، إذ كانت عطية الواحد منهم مائة من الإبل، وقد تأثر بعض الأنصار بحكم الطبيعة البشرية، وظهر بينهم نوع من الاعتراض على ذلك، فراعى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الاعتراض وعمل على إزالته بحوار نبوي وحديث رقيق، يتسم بالحكمة والرفق، والود والحب.
وعلى الخير نلتقي وبكم نرتقي …

‫2 تعليقات

اترك رداً على سيف علي الشكيلي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى