بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

آفاق وتطلعات نحو الاستدامة المالية..

الدكتور/ محمـود بن عـلي الوهـيـبي

أستاذ مساعـد بقسـم إدارة الأعـمال

الجامعـة العـربية المفـتـوحة – سلطنة عُـمان

 

آفاق وتطلعات نحو الاستدامة المالية..

 

الاستدامة المالية (Financial Sustainability) هي قدرة المنظمة على الحصول على قدر من الإيرادات يواكب قيمة العمليات الإنتاجية لأجل المحافظة عليها بمعدل ثابت أو متزايد تحقيقاً للنتائج المستهدفة والحصول على فائض في آن واحد. لذلك يمثل هذا المصطلح هدف لكافة القيادات على إختلاف مستوياتها في الهرم المؤسسي، الأمر الذي يجعلها تعمل نحو تطوير تخطيط مالي سليم بُغية الوصول إلى مراحل الإستدامة المالية بشكل مدروس ومتسلسل.

وفي هذا الصدد إستقبل المختصين في المجال المالي والاقتصادي بكل سرور خبر التوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – المتعلقة بإطلاق برنامج جديد بمسمى البرنامج الوطني للاستدامة المالية وتطوير القطاع المالي، وبحسب المصادر يُعنى هذا البرنامج بتطوير القطاع المالي عبر إستحداث مبادرات ومشاريع تهدف إلى: تطوير وتعزيز دور القطاع المصرفي والحلول التمويلية، وكذلك تعزيز دور سوق المال في التمويل والاستثمار، وذلك لتحقيق التكامل بين أفرع السياسة الإقتصادية.

ونستنتج من إطلاق هذا البرنامج بدء الانتقال لمرحلة الإستدامة المالية بعد مرحلة التوازن المالي التي نُفذت عبر برنامج التوازن المالي، وهو البرنامج الذي خلق وعي مؤسسي ومجتمعي عن ضرورة التعامل مع الملفات المالية والإقتصادية بشكل منهجي تعاوني بين عدد من الأطراف (الحكومة والشركات وموظفيهما)، وقد حقق هذا البرنامج عدد من النتائج الملموسة تتمثل في ضبط المصروفات العامة، وتنمية الإيرادات غير النفطية التي بدورها كانت محل نقاش المجتمع. أما فيما يتعلق بخفض المديونية ومشاريع الشراكة مع القطاع الخاص (PPP) المعول عليها استقطاب استثمارات ورؤوس أموال أجنبية فإن النتائج تظهر بوتيرة متفاوتة.

وتأكيداً على استنتاجنا فقد تم الإعلان عن برنامج الإستدامة المالية بعد تحقيق فائض مالي تعدى المليار ريال عُماني كما هو في 31 أغسطس 2022م، وتزامن مع إطلاق هذا البرنامج بفترة قصيرة رفع مؤسسة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني للسلطنة إلى مستوى “BB” مع نظرة مستقبلية مستقرة نتيجة لعاملين أساسين، وهما: إستمرار تنفيذ إجراءات الضبط المالي وارتفاع أسعار النفط.

ولما تقدم، فإن التطلعات إلى هذه البرنامج تتلخص في أن يتضمن مبادرات من شأنها أن تخفف وطأة الإصلاحات المالية التي نفذت خلال الأعوام المنصرمة، وكذلك الضغط الكبير الذي يولده التضخم المستورد على القوة الشرائية للمواطنين والمقيمين، حيث عملت الحكومة فعلياً على التخفيف من هذه التأثيرات خلال الفترات الماضية من خلال عدد من الإجراءات أبرزها إلغاء وخفض ودمج عدد من الرسوم الحكومية بُغية دعم أنشطة القطاعات الاقتصادية، وتعزيز تنافسية الإقتصاد الوطني، وتسهيل إنجاز الإجراءات الحكومية. بالإضافة إلى منح الترقيات للموظفين من أقدمية العام2011م وحالياً أقدمية 2012م، وإعفاء فئة من المواطنين من بقية مستحقات القروض السكنية المترتبة عليهم، ومع ذلك فإن التطلع لما سينتج من هذا البرنامج لهو محل إهتمام بالغ نحو تحقيق مزيد من الازدهار والرفاه لهذا البلد المعطاء.

وتنبُع هذه التطلعات من هدف البرنامج الواضح والواعد، حيث يهدف إلى جعل القطاع المالي ممكناً رئيساً لنمو الإستثمارات والإقتصاد بما يضمن الاستمرارية لكافة البرامج التنموية، ومن أهم محاور البرنامج في نظري هي : رفع الوعي المجتمعي، وتعزيز الثقافة المالية، وتأهيل الكفاءات الوطنية في القطاع المالي، ومن هذه المحاور نرى بأنه من الضرورة تضمين عدد من الكادر الأكاديمي المتخصص بمختلف مؤسسات التعليم العالي هنا بسلطنة عُمان سواء الحكومية أو الخاصة في مراحل تنفيذ البرنامج – تحديداً – المرحلة الأولى المتمثلة في دراسة الوضع الراهن للقطاع المالي وتشخيص أبرز التحديات المرتبطة به، والتحضير لحلقات العمل والمختبرات التخصّصية لوضع الأهداف الإستراتيجية، واقتراح الحلول والمبادرات والمشاريع المطلوب تنفيذها.

الأخذ بهذا المقترح سوف يخلق منفعة متبادلة لدى كافة الأطراف ويحقق أحد المطالب الأساسية في سوق العمل، وهو الحصول على مخرجات تعليمية تواكب متطلبات مختلف القطاعات. بالإضافة إلى الاعتماد على هذه الفئة لخلق الوعي المطلوب بما أنها قائمة على تطوير برامج أكاديمية لإعداد الكوادر المستقبلية لسوق العمل، وكذلك قدرت هذه الفئة على التواصل المستمر مع كافة شرائح المجتمع من طلبة ومختصين في مختلف القطاعات، ولديها من الإمكانيات لنشر المعرفة عبر المحاضرات والورش والمؤتمرات بمختلف مستوياتها.

وأخيراً نقول بأن التطلعات لنتائج هذا البرنامج الإيجابية لهي سُنة يبتغى بها الخير والرفاه، أخذاً بقوله سُبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) – الآية رقم 30، سورة الكهف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى