بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

مَـرِّر الكـرة فـي ملعـبـك..

ياسـمين عـبدالمحسـن إبراهـيم

مدربة في مجال اكتشاف وتطوير الذات

 

مَـرِّر الكـرة فـي ملعـبـك..

 

إن كانت كرة القدم تعد من أهم هوايات واهتمامات العديد من سكان الكرة الأرضية، حتى أنهم أطلقوا عليها الساحرة المستديرة.. فكيف يمكن لأحد عشر لاعباً أن يتحكموا في مزاج و شعور ملايين البشر؟؟!!.

أعتقد عزيزي القارئ أن السر يكمن في الخلطة السرية (خطة مسبقة + مهام محددة + احترافية في الأداء + وأهم شئ يحدث هناك في تلك البقعة الخضراء هو تمرير الكرة…).

تخيل لو أن كل لاعب احتفظ بالكرة عندما حصل عليها؛ أين المتعة؟.
تخيل لو أن كل ماء العالم راكد لا يتحرك؛ أين الحياة؟.

هل بدأت الرؤية تتضح لديك؟.
ماذا رأيت من معانٍ لعنوان هذا المقال؟ كنت أتمنى لو أن هناك مجالاً حقيقياً لأسمع منكم عن هذا الأمر، ولنتبادل جميعاً أطراف الحديث.
ربما في تلك اللحظة سنمرر الكرة في ملاعبنا.

دعونا نتفق أننا كنز ملئ بالمهارات والثروات الفكرية، ولكن طالما هي لا زالت في غيابة الجُب وبواطن الأرض وجوف الجبال فلن نتمكن حينها من تمرير الكرة.

هذه المرة لن نتكلم عن تقدير الذات وتحديد الأولويات وإعداد خطة شخصية .. لا.

هذه المرة سنتكلم عن (تجربة مشاركة أحلامك ومهاراتك وأفكارك المبدئية مع الأشخاص الذين قررت أن تحارب معهم الحياة من أجلك، مع جيشك، مع فريقك، لأنه من البدهي لا يوجد محارب من دون جيش ولا لاعب من دون فريق).
لو كانت الحياة تصلح بالفرد الواحد لما خلقنا الله شعوباً وقبائل، ولما فطرت الحياة على التكامل بين أبنائها…

لا تخف من أن تمرر الكرة؛
لن يسرق أحد لعبتك، حتى وإن سدَّد هدفاً سيحسب للفريق.
ستكون أنت صانع اللعبة وصانع الفوز.

تخيل أن هناك مجموعة من الفنانين الرائعين وسيناريو فريدأً من نوعه؛ لكن لا أحد يلعب دور المخرج هناك، حتما سيصبح عملاً فنياً أسوأ من السوء.

تخيل أن لديك مجموعة من الخضروات ومكونات الطعام في ثلاجتك، ولم تحاول أن تخرجهم لتصنع منهم وجبة شهية تشبع جوعك وتعيد تعبئة جسدك بالفيتامينات اللازمة .. حتماً ستخرب تلك الأشياء وستبقى جائعاً، وربما تلجأ لأكل غير صحي، ومن هنا تدخل دوائر الاعتمادية وعدم تقدير الذات و… و… و…
هكذا كل شئ في الحياة.

الحياة نموذج ثابت بطرق متعددة في الوصف.
عليك أن تمرر الكرة حتى تتعرف على نفسك أفضل، تكتشف مهاراتك، تصقل قدراتك، والأهم من كل ذلك تحفر إسمك في قوائم الإنجازات اليومية للحياة.

الإنجاز ربما هو فقط تمريرة صحيحة وإن لم تصل لشبكة الهدف.
وعلى معلقك الرياضي الداخلي أن يصيح بين فترة وأخرى يا سلااااااااااام هنا سنصمت قليلاً تقديراً واحتراماً لهذا الجميل.

مرر كرتك حتى لا يصيبها العطب.
حتى لا تنسى أنك خلقت متحركاً.
أنت إنسان ولست آلة أو جماداً.
مرر الكرة لتكتشف من يستحق اللعب معك.
مرر الكرة حتى لا تفقد إيمانك بذاتك وقدراتك.
حتى وإن كنت قعيداً ولا يتحرك فيك ساكن؛ أرجوك عليك أن تمرر الكرة.

تكلم عن أحلامك كثيراً وإن كانت سخيفة بالنسبة لأحدهم.
تكلم عن خططك المستقبلية.
إبحث عن سبل لتنفيذ ضرباتك الترجيحية،
وتأكد إن فاتتك واحدة فمازال الدوري مستمراً.

لا تترك ملعبك يتآكل وتسكنه الغربان.
مرر كرتك حتى ولو للحائط، فسترد لك بركلة أقوى تحفزك لحركة مهارية جديدة.
إصنع خطة هجوم حتى ولو كنت ستكون أنت الأحد عشر لاعباً.

ناقش .. حاور .. أكتب
أنصت .. لاحظ .. سجّل
شارك .. تعاون .. تعاون .. تعاون…

وأخيرا إن كان الهدف (الجول) يحتاج إلى حظٍ وفير؛ فأنت تملك كل الحظ.
أنت تملك نفسك.

إقرأ عمّن مرّروا الكرة قبلك؛ كيف حاربهم الكثيرون، وكيف عاندتهم الدنيا، ولكن لم يكن لديهم بديل عن تمرير الكرة، حتى خضع لهم العالم أجمع، وصفَّق لهم.

سنتشارك قصصهم قريباً في المقالات القادمة، حتى لا تكون كتاباتي كلمات في المطلق.

مرر الكرة في ملعبك حتى تبقى أرضيتك صالحة لجذب البطولات الخالدة.

لا تجعل الهدف هدفك؛ عليك الاستمتاع بصناعة لعبة مميزة تخلد بها سيرتك في ذاكرة التاريخ.
أنت تستحق كل ما هو جميل على هذه الأرض، تذكر دائما ذلك.

دمتم مميزين…

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم، عجبني هذا المقال وذكرني في حادثه حصلت معي في تجمع للأطفال في عطلة صيفية كان هناك طالب مشاغب جداً وضخم. كانت معنا مدربة رياضة، وكنت أعتقد أنني أفهم أفضل منها في نفسيات الأطفال والتعامل معهم لكني فشلت في الحد من شغب الطالب الضخم. كان يريد كل شيء لنفسه، أناني متسلط على بقية الأطفال خصوصاً على الصغار منهم. جمعت هي الأطفال وطلبت منهم عمل هرم: يجلس ثلاثة على أربع قوائم، يكونون من الضخام، ويقف فوقهم إثنان من الأصغر حجماً، ويرفعان الأخير، يكون صغيراً، يكون في القمة. أعطت أهمية لذلك الطفل الضخم قائلة له: نجاح الذي سوف يقف في القمة يعتمد على قوتك أنت في التحمل في الأسفل. تحمل مسؤوليته، وحين نجحوا في عمل الهرم فرحوا وتفاجأت أنهم صاروا يتعانقون فرحين وتحسنت علاقتهم حقاً. سكتُ أنا وكنت أتحين الفرصة لأسأل مدربة الرياضة هل كانت تقصد ما فعلت؟ تفاجأت أنها هي التي تقربت مني أخيراً وقالت لي: هل رأيت كيف صار (ذكرت أسم الطفل الضخم) هادئاً ومتعاوناً؟

    1. أشكرك أستاذ سامي على مشاركتك لنا هذه القصة، وحقيقي هي معبرة جدا وملهمة..ومثل هذه القيم يجب أن نعلمها لصغارنا نريد لمستقبلهم الأفضل..والجميل في الموضوع أنك تحملت عبء المسؤولية وكذلك المعلمة جزاكم الله خير الجزاء

اترك رداً على المُدربة /ياسمين عبدالمحسن إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى