بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

عبق سطور الكتب .. وجماليات حروف الأشخرة بها..

سالـم غـنّـام الجعـفـري

 

عبق سطور الكتب .. وجماليات حروف الأشخرة بها..

شرعت بالبحث عن مدينتكم الجميلة نيابة الأشخرة في كتب التاريخ والسياحة والكتب التي تحدثت صفحاتها عن عمان قديما وفي عصر النهضة لأجد الكثير وهذا الذي أسعدني كمواطن ولد فيها وكطالب معرفة أراد الاطلاع على ماضيها وحاضرها ، إضافة الى ما كنت أجهله عنها وخبته الأيام.

وحقيقةً؛ شكري للذين يكتبون عن مناطقهم وولاياتهم كانوا دافع لي للبحث، وأنا مثلكم ربما بسبب حبي لترابها ظننت أنني أبالغ في الكتابة عنها وفي مدحها، ولكن اكتشفت أنها تستحق أكثر من ذلك؛ فقد كان يصيبني أحيانا إحباط وأنا أقلب صفحات الكتب الصغيرة الحديثة التي يتم تأليفها وتولد من موسوعات قديمة شاهدة لأحداث الزمن الماضي؛ فأجد أن هذه الكتب كما يقال عنها تكتب سطراً وتترك سطوراً فكانت لا تذكر الأشخرة إلا في هامش المقالات الطويلة التي تتحدث عن التاريخ والسياحة، بينما جعلوا المشاهد التاريخية والاقتصادية والسياحية بين قوسين (أماكنهم) بالرغم من ادعاءات الشفافية والنقل الصادق وتحليل الأحداث.

كان لي الحظ في تصفح موسوعة عمان وثائق سرية والتي تجاوزت ستة مجلدات من إعداد وترجمة عبدالله الحارثي، وهي الآن متاحة للقراءة، وموسوعة دليل الخليج التاريخي والجغرافي للكاتب الانجليزي لوريمر، وكتاب الخليج بلدانه وقبائله لـ س. ب. ماليز، وإمارات الساحل وعمان للكاتب محمد مرسي عبدالله، وصناع السفن للكاتب بن جويد، والفتح المبين، وغزاة باسم الإنسانية، وقائمة طويلة حوت عشرات الصفحات عن الاشخرة، وكذلك أبيات القصائد القديمة التي ذكرت الأشاخر وقصاصات من جرائد عمانية منذ السبعينيات، ومقالات استنبطها الدكتور محمد العريمي ما بين ورق الكتب الأجنبية والعربية، ومن ألسنه الكبار، وغيرها الكثير
خُتِمَت إحداها 1819م (كان ميناء صور الى الشمال من ذلك الإقليم في حين يقع ميناء الاشخرة إلى الجنوب بكثير عن رأس الحد؛ فكان (الاشخرة) هي حاضرة الإقليم.

سيكون هناك تفصيل في يوم من الأيام لكل شيء وأسال الله التوفيق، وسيظل بيت بهوان شاهداً، وتجارة الجوّي، وأبناء خميوسي، ووثائق اليماني عبدالله الخولاني والعيدروس، واستمارات محمد بن صالح العبيداني (معشر) محفوظة.

السجلات والذاكرة وجدران مبنى الجمارك، وإطارات سيارات الستينات وموقعة الوشار ما زال أزميل الوستاد تسمعه الخيصة، والتقاطات الإنجليزي تشارلز بات لعشرات السفن القديمة تحكي ليس تاريخاً بل حضارة.

كانت أسواق الجوصرة العراقية، وأغنام الصومال، وأخشاب الهند، وحمولات سمن البنادري، وأسماك المالح لأسواق الداخل، وكأنني أسمع ضجيج التجار بين بائع ومشتري، وأطيط الإبل وهي تحمل أثقال المؤن وسيارات الجيب القديمة، و(الصلبوخية) وهي ترسم شوارعها على الشاطئ الطويل، وشريط يمر بذاكرة أجدادنا، وحكايا يسردها الكبار على مندف الساحل، وكلما هبت نسائم الكوس وحدا (أكبرهم) يسوبل بكلمات الماضي حينها تهتز المشاعر، ولصوته تتوالى قصص المحيط، وتتمايل أشجار النارجيل في ممباسا، وخيرات قفزان، وتسمع مآذن مسجد ابن ناجم الجعفري في ضبوت وسيحوت، وينشد الشط ما حفظه من نهام شاب ناره واليفاف والحرف .. هي باقية تلك الذكريات. أتصورها أمام ناظري أردية البريسم لشقائق الرجال وهن ممسكات حبال التيحيب و زغردات التحفيز.

وتلك الحضارة وأفراح الصغار بعودة السفارة وخيرات الشغارة، وأشرعة البغلة والبدن تقبل بعنفوان الإبحار على صوت أووووه يامال؛ لترقص فوق الأمواج.

يقبل السمح والطارش وغدير بعزة نواخذتيها وقدر بحارتها لتعانق الشاطئ بعد الترحال الطويل تحمل معها عبق الموانيء التي زارتها؛ فقد ارقمت أسماءها على خليج صيرة بعدن، وحملت القوصرة من ميناء البصرة وبهارات ممباسا وخيرات الهند.

حديث قد تطول سطوره ويستمتع القارئ لسرد أحداثه، جميل ما تركه الأجداد من مواقف النشامة والكرم والرجولة، وأن ظلمتها أقلام البعض وحورتها خارج إطارها فكشفتها اليوم وثائق المخلصين.

فأيٌّ منا إذا ترك القراءة جعل من نفسه موطن لتصديق كل الاخبار والروايات والقصص التي لم توفق لصواب، بل جعلت من الشجاع المنقذ قرصاناً، ومن سيرة الأبطال اتهاماتٍ باطلةً إجحافاً في حقهم؛ من الرائع أن نخصص وقتاً للقراءة، ومن مصادر نثق بها في نقل الحقيقة، فتاريخنا جميل يزرع في قلوبنا المعاني العالية والسير على خطى الأولين من أجدادنا؛ ممن كانوا يحملون مع خيوط الصيد مصاحف التلاوة لتسمع الحيتان قراءتهم في أعماق البحار والمحيط فتذللت لهم مصاعب السفر، وعادوا وفي بطون سفنهم الخير كله، وتركوا إشادة كل من عايشهم وعرفهم و تعامل معهم.

أدرك تماما أن المقدمات التى أكتبها لا توفي سنوات العزة التى خطتها سفنهم حقها؛ بل هي محاولة بسيطة تفتح المجال الواسع لاستنشاق الفخر والإرث الذي أبقوه خلفهم فنشعر أن ما نصنعه نحن يتقزم أمام سيرتهم الطيبة .. وسيجد القارىء يوماُ مدى تقصيري في اختيار الالفاظ وهم يستحقون أفضل من ذلك، وسيدرك ما أقوله عن أحداث مضت كتمت بسبب قلة اطلاعنا، لتنشرها اليوم مواقع النت والوسائل الرقمية وتهديها لنا في طبق من ذهب، ونحن في مكاتب منازلنا لنتصفحها .. ونعتز بها.

‫15 تعليقات

  1. أيها الانيق العزيز غنام..
    صاغ قلمك تبراً من عبق الماضي..وألق التاريخ..وحضارة الماضي.. كلنا شوقاً ولهفة لشرح ما بين السطور.. وفك طلاسم المفردات العمانية عامة.. والساحلية منها خاصة..بإنتظار موسوعتك المرصعة بجواهر ودانات العزيزة على قلوبنا..درة الشرق الاشخرة!!

  2. ابن غنام ،،
    سطرت أحرف من ذهب عن عروس الشرق وبوابة الخليج على المحيط الهندي ، الأشخره التي زينتها مراكب ( البدن ) على شواطئها الجميله ومينائها الطبيعي حتى التسعينات وهي خير شاهد على تاريخها البحري ونواخذتها الذين عبرو بها حتى شواطئ أفريقيا مستدلين بأضواء النجوم وحركة الرياح متحملين أهوال البحر وأعاصيره ،، وما ذكره الأجداد من قصص البحر وأهواله لخير دليل على عراقة وتاريخ هذه النيابة العريقه ،
    وفقكم الله لهذا الطرح والبحث والذي يسهم ف التعريف عن الأشخره وتاريخها للأجيال التي لم تشهد زمن الأجداد .

  3. عندما أقرأ لهذا الكاتب أتقمص الزمن واعيش فيه فينقلني من حارة الى حاره ويلبسني ثوب اللحظة ويفتح لي صفحة الزمن ويرحل بي الى ماض جميل .
    سالم كاتب مبدع وتظهر علامات الابداع حين ينحت لك في ذاكرتك مايجعلك تتسائل أي مهارة لديه كشفت لي عن حجب الزمن .
    لعلني ادركت الان أن ما كنت ابحث عنه قد ظهر
    شخص يزيل غبار الجهالة عن تاريخ كاد أن ينسى .

  4. جزاك الله خيرا يا ا. سالم علي جهودك الحثيثة في إبراز دور الاشخرة َومكانتها وتاريخها الضارب في أعماق الماضي العماني المجيد. نيابة الاشخرة تستحق المزيد من الدعم والرعاية في كافة المجالات..

  5. لدي قناعة أن الكتابة في الاصاله والمحليه؛ (كأن تكتب عن مدينتك أو قريتك أو عن جيرانك وعن التفاصيل اليومية لهذا المكان أو البحث في التاريخ) هو طريق متاح للوصول للعالمية كما فعل نجيب محفوظ وغيرهم من الكتاب …
    ابومحمد انت صاحب قلم الجميل والذوق الرفيع والكتابات الهادفة لك مني كل التوفيق❤️💚

  6. أخي سالم لا أبالغ إن قلت إن أسلوبك في الكتابة عموما وفي هذا المقال خصوصا جعلني استمتع بالقراءة ووددت أن لا ينتهي هذا المقال ولكن كما يقال لكل بداية نهاية والالشخرة تستاهل من ابناءها النبش عن تاريخها البحري خصوصا التليد فهي حاضرة بحر العرب وإحدى بواباتها البحرية عبر التاريخ وحينما تنفض غبار الزمن عن الماضي يعود مشرقا أمام الأجيال الحاضرة

  7. سلمت يداك اخي الكريم
    والاشخره تاااريخ عظيم قد خطه الاباء بعرقهم وتعبهم عبر رحلاتهم المستمره ولا يمكن ان يغفل او يتغافل عنه احد وانتم الامتداد لهذا التاريخ بارك الله فيكم

  8. جميل ما كتبت استاذ سالم غنام
    فالغوص في اعماق تاريخ الكتب تحتاج الى مهارة غواص وأنت لها .فالاشخرة لها تاريخ قديم على مر العصور ولها صولات وجولات فى عباب بحار العالم فالتاريخ البحري للأشخرة زاخر بالاحداث.
    بوركت جهودكم ووفقكم رب العزة لما تصبون اليه.

  9. ماذا يقال في حق ديرة العز وعالين الرسوم الاشخرة مهما كتب فلن يوفيها حقها هي مصنع السفن ومينا التجاره هي شريان الحياه كرم وطيبة قاطنيها جعل منها ملاذ للبشر والطيور صباحها مع اشراقة الشمس تعكس على صفحات الماء الوان الحياه المختلفه منها خرج البحارة يجوبون سواحل العالم من الهند شرقا إلى البصرة شمالا ومنها إلى سواحل أفريقيا كرم وجود وتجاره

  10. الاستاذ سالم أنت مبدعٌ كما عهدتك ، عاشقٌ ومتيم لتاريخ مدينتك العريقة بأهلها وبحارها وسفنها ، وصفٌ راقٍ ورقيق يرسم الواقع بكل حبٍ وفخر وعزة ، أدام الله يراعك المتميز مع هذا السمو والوفاء .

اترك رداً على سعود إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى