حماية العامل هدف اجتماعي وغاية تشريعية .. الجزء (6)..
الدكتور/ سعيد بن عبدالله المعشري
محامي ومستشار قانوني
حماية العامل هدف اجتماعي وغاية تشريعية .. الجزء (6)..
إن خطر الإصابة بسبب أو أثناء العمل التي مثلت الركيزة الأساسية في بناء نظام للتأمينات الاجتماعية على المستوى العالمي، والذي بموجبه أُرسيت مبادئ وقواعد قانونية يحدد من خلالها مفهوم الإصابة ومسؤولية صاحب العمل عنها وأُسس ضمان حق العامل في التعويض عنها، وهذا يأتي من منطلق توفير الحماية اللازمة للعامل من المخاطر المهنية التي يتعرض لها نتيجة ممارسته لمهنة أو حرفة معينة سواء تولد عنها عجز أو عاهة جسدية مستديمة أو مرض مهني تجعل منه متعطلاً عن العمل لتهدد مصدر رزقه وعيشه، لذلك توسع هذا النظام في توفير الحماية اللازمة عنها للعامل على المستوى الشخصي كضمان حقه في التعويض عن عجزه بفقد الكسب أو الاجتماعي كضمان حق أسرته في الاعالة بعد وفاته بسبب أو أثناء العمل.
ويأتي كل ذلك نتيجة عجز المبادئ التقليدية في المسؤولية المدنية حينها عن توفير الحماية اللازمة للعامل، وما كان إلا بإيجاد حل لهذه المعضلة التشريعية من خلال التفكير نحو نظام للتأمينات الاجتماعية، الذي تحولت به الأسس التي كانت تبنى عليها مسؤولية صاحب العمل لتكون على أساس تحمل تبعية خطر العمل، فأن هذا التحول بدأ مع ثورة إرساء قواعد تشريعية (بأروبا وخاصة بفرنسا) بشأن تعويض إصابات العمل للتخفيف على العامل من عبء إثبات مسئولية صاحب العمل، وفي المقابل للتقليل من وطء ما يتحمله أصحاب الأعمال من دفع تعويضات باهظة وفق القواعد العامة للمسؤولية المدنية، ويرى إن قبول أصحاب الأعمال لهذه المسؤولية من خلال قبول اشتراطهم عدم الزامهم بمبدأ التعويض الكامل للضرر، والاستعاضة عنه بالتعويض الجزافي والجزئي.
وايضاً لا يقتصر ضمان توفير الحماية اللازمة للعامل نتيجة الإصابة بسبب أو أثناء العمل على تعيين قاعدة مسؤولية صاحب العمل عنها فحسب، إنما أيضا من خلال وضع أطر تحدد مفهوم وطبيعة هذه الإصابة من الناحية المكانية والزمانية، ولذلك فأن مفهومها لا ينحصر في تحديد سببية وقوعها وفق المفهوم الفعلي بالسببية المباشرة بين الإصابة والعمل بحسب المفهوم القانوني الضيق، فقد يمتد إلى فرضيات أخرى تعتبر حكماً أن الإصابة بسبب أو أثناء العمل، كحوادث الطريق في رحلة الذهاب والعودة من العمل أو الإصابة بمرض مهني بسبب استخدام الأدوات أثناء ممارسة العمل، وايضاً حتى تنال الإصابة وصف إصابة عمل لا بد من وجود رابطة قانونية بين صاحب العمل والعامل المصاب تدخل في إطار علاقة العمل التي ينظمها قانون العمل.
ولذلك تعرف الإصابة بموجب القوانين والفقه على أنها الإصابة بمرض مهني أو بحادث أثناء أو بسبب العمل، وإذ يلاحظ أن كافة التشريعات لم تبين المقصود بحادث العمل، وانما تركت أمر تحديده لاجتهاد الفقه والقضاء، الذي تطرق منه إلى بيان المقصود بحادث العمل، أن يقع أثناء العمل، أي خلال أوقات العمل وفي المكان المحدد له، فالعامل الموجود في مكان وزمان العمل يعتبر تحت تصرف وإشراف رب العمل، وأن يكون هذا الحادث ماساً بجسم العامل ويحدث به ضرراً جسماني نتيجة وقوعه بشكل فجائي، وأن يكون وقوعه طارئاً يتسم بالمباغتة والعنف وأن يكون مصدره خارجياً، بحيث يتعذر الأنسان أن بتجنب التعرض لأثاره الضارة غير المتوقعة.
وهذا على عكس الإصابة بالمرض المهني الذي يتميز بالبطء والتطور التدريجي لظهوره، الذي من الصعب تحديد تاريخ بدء الإصابة به على النقيض من حادث العمل، إذ يصاب به العامل نتيجة ممارسة الكثير من المهن التي تحيط بها المخاطر بسبب استخدام المواد المضرة على صحة جسده، والتي ينتج عنها الكثير من الأمراض من أثر تلامس هذه المواد بالجسد أو استنشاقها أو التعامل مع المواد المشعة المضرة بصحته.
وهناك من الحقوق والمزايا التأمينية العينية والنقدية التي يستحقها العامل بعد ثبوت العجز الدائم لديه أو وفاته بسبب إصابته بسبب أو أثناء العمل، فالعينية منها كالعلاج والتأهيل (Rehabilitation)، والنقدية كتعويض أجر يوم الإصابة وصرف معونة مالية بما يسمى بالبدل اليومي أثناء فترة علاجه بسبب توقفه عن العمل متضمنة نفقات الإسعافات الأولية وتكلفة نقله إلى المركز الطبي أو المستشفى المختص والانتقال إلى جهة العلاج، ومن ثم إخضاعه للعلاج وفق ما يقرره الطبيب المعالج، ويستمر تلقيه العلاج إلى حين استقرار حالته أما بالشفاء أو الوفاة أو العجز، وبعدها يتقرر الحق في التعويض النهائي له سواء عن الوفاة أو العجز.
وكذلك حـق العامل المصـاب الرجـوع عـلى المسئـول عــن الإصـابة الناتجـة عن الخـطـأ الشخـصـي سواء كان صاحب العمل أو أحد تابعيه أو الغير لاستيفاء التعويض الكامل عن الاصابة، ولئن كان الأصل في إصابة العمل أن يكتفى للعامل المصاب بالتعويض المقرر له جزافاً بموجب القانون ولا يجوز له طلب التعويض عن العناصر الأخرى للضرر، وبهذا تكون المطالبة في هذه الحالة تخرج عن إطار القواعد المحددة لإصابة العمل ويكون للعامل إثبات الخطأ طبقا لقواعد المسؤولية المدنية.
وأيضا أن استحقاق العامل للتعويض عن إصابته بسبب أو اثناء العمل ليس على اطلاقه، وقد يسقط حقه في البدل اليومي والتعويض في حالات معينة، كما أوردها القانون العماني وفق ما نصت عليه المادة/35 من قانون التأمينات الاجتماعية على أنه “لا يستحق البدل اليومي للإصابة والتعويض عن العجز الدائم في الحالات التالية
أ. إذا تعمد المؤمن عليه إصابة نفسه.
ب. إذا حدثت الإصابة بسبب انحراف مقصود في السلوك من جانب المصاب ويعتبر كذلك :
1. كل فعل يأتيه المصاب تحت تأثير الخمر أو المخدر.
2. كل مخالفة صريحة لتعليمات الوقاية المعلقة في مكان ظاهر في محل العمل.
وذلك كله ما لم ينشأ عن الإصابة وفاة المؤمن عليه أو تخلف عجز مستديم تزيد نسبته عن (25%) من العجز الكامل المستديم. ولا يجوز التمسك بالحالات السابقة إلا إذا ثبت ذلك من التحقيق الذي يجرى وفقاً لحكم المادة/48. وبهذا فأن للحديث بقية في الجزء التالي من هذا المقال.
المـراجـع :
– د. ثروت عبد الحميد، قانون التأمينات الاجتماعية “الفلسفة والتطبيق”، دار الإسلام للطباعة والنشر، سنة 2004م.
– د. محمد لبيب شنب، الاتجاهات الحديثة في التفرقة بين حوادث العمل والأمراض المهنية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة عين شمس، العدد1، السنة التاسعة، 1967.
– د. حسن عبد الرحمن قدوس، التعويض عن إصابات العمل بين مبادئ المسؤولية المدنية والتأمين الاجتماعي، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، ط1، سنة 1997م.
– د. سعيد بن عبدالله المعشري، تعويض العامل المصاب في القانون العماني، دار الجامعة الجديدة، الطبعة الأولى.
شكرا الأستاذ سعيد المعشري.. كتابات مفيدة للوعي والتعرف كثب على حقوق العامل.