ريّـان : لمـاذا تأخـرتـم ؟؟!!..
حبيب بن مبارك الحبسي
ريّـان : لمـاذا تأخـرتـم ؟؟!!..
تخيل لو أنك نسيت ابنك في مكان وتأخرت عليه، وإذا سألك ماذا ستجيبه ؟ وتخيل لو أنك فقدت ابنك في مكان وبحثت عنه حتى تقطعت بك السبل ووجدته بعد فترة؛ كم من التساؤلات ستُصْدم بها ؟، وإذا لم تُحْضِر له هديه في مناسبة؛ سيتأثر وسيصلك العتب منه عن طريق باقي أفراد الأسرة.
لن نستطيع وصف شعور حبيبنا ريان وهو في ظلمات البئر، لماذا تأخر أبي عن إنقاذي ؟ ولماذا إخواني وأصحابي نسوني ؟ ولو بقى ريان حيّاً سيسأل : لماذا كل هذا التأخير يا أبي ؟.
حالي كحال كل الآباء والأمهات الذين يضعون أياديهم على قلوبهم حينما يمر أولادنا بمرحلة خطرة، تلهج قلوبنا وألسنتنا بالدعاء والتضرع إلى الله العلي القدير بأن يلطف بهم؛ فالأمر إليه من قبلُ ومن بعد .. ونحن لا نملك من الأمر شيئا .. ولكنها عاطفتنا التي تجعلنا قلقين رغم إيماننا بالقضاء والقدر، أحيانا نضعف ونكون عندها بلا إرادة؛ لهذا فنحن ضعفاء حتى في المصيبة؛ ننهار سريعا؛ ثم نفيق من سبات سكرة الغفلة.
لا غرابة بهذا الشعور فهم فلذات أكبادنا وهم زينة الحياة الدنيا؛ فوجودهم من نعم الرحمن علينا؛ ما يسعدهم يسعدنا وما يحزنهم يحزننا؛ كلنا ندعو الله تعالى بأن يكون أبناؤنا أفضل منا ولهذا لا نتوانى عن توفير أي شيء من أجلهم، ولا ندخر جهداً ولا وقتاً ولا مالاً ولا وسيلة من أجل إسعادهم، ومن أجل أن يكونوا صالحين.
ونحن نتابع تغطية أزمة الطفل المغربي ريّان كانت تمطرنا تساؤلات كثيرة أمام الجهود المبذولة؛ إلا أنه بحجم الحدث لا يرقى شيء؛ فالمصاب عضو من جسد هذه الأمة التي تداعت له سائر أعضاء الجسد بالحمى والسهر؛ كلنا كنا ندعو الله تعالى أن يربط على قلب ريّان في قعر البئر، وأن يعين أهله على هذا الحدث العارض؛ وأن يجنب أبناءنا كل سوء ومكروه وبلاء.
مهما كانت تضاريس المنطقة التي وقع فيها ريّان كان لا بد من أن نسابق الزمن لإنقاذه خلال أسرع وقت ممكن ومن دون إضرار بالطاقم؛ يبقى التساؤل هل يعقل أن يستمر استخراج ريّان أياماً ولياليَ؟! التقنية والأدوات والوسائل اختلفت عما كانت؛ ألم تَعُد علينا بأفضل الطرق والنتائج ؟!.
أغلبنا سهروا حتى ساعات متأخرة من الليل يترقبون إنقاذ ريّان… أطفالنا بمشاعرهم وعواطفهم، وفضولهم الكبير، وأسئلتهم لا تتوقف، وأفكارهم التي تراودهم تعانق عنان السماء فيما يقدمونه لريّان تسمروا مع الحدث، يتابعون ويدعون الله تعالى بأن يكون ريّان على قيد الحياة ليتفاجأوا بعد ذلك بأن ريب المنون حل بريّان!!.
نحن في الدول العربية عجزنا عن إنقاذ طفل؛ فما بالنا بالأفراد والأطفال الآخرين الذين هم بلا مأوى، والأوطان التي أنهكها الفقر والحروب والتآمر، عجزنا أيضاً عن إنقاذهم وإنقاذها؛ ففعلاً عجزت آلياتنا عن إنقاذ طفل علق في قعر البئر .. لمدة خمسة أيام، وقلنا مهما كانت تضاريس المنطقة كان لا بد من إدارة حكيمة لأزمة لا تتعدى الساعات؛ فالحياة تنعدم في البئر ومن يقع فيها كل الأفكار تراوده؛ فما بالك بطفل لا حول له ولا قوة؛ وإذا زادت المدة عن ساعات يقترب الخطر أكثر فأكثر رغم ما نشاهده من الطاقم الفني والعملي من جهد..
علينا كدول وأفراد وجمعيات مجتمع مدني أن نأخذ العبر والدروس، ونعمل محاكاة لنفس بئر ريان .. ونضع المختصين لإنقاذ مجهول، ونحسب الوقت بالثواني وليس بالأيام، ونضع أنفسنا لظروف أشد وأقسى مما وقع فيها ريّان .. لا نريد أن نشاهد مآسٍيَ أخرى ضحيتها أطفال، ونريد أن نعمل على تنظيم حفر وآليات الآبار حتى الموجودة في المزارع الخاصة؛ لا بد من وضع الاشتراطات الآمنة بعد التنفيذ؛ وأن تكون هنالك دوريات متابعة.
عذراً ابني ريّان تأخرنا عليك كثيراً .. كان الله تعالى معك في ظلمات البئر فما ننفعك نحن، وما دام الله معك فلا خوف عليك .. عذراً ريّان كلنا تجمعنا حول البئر؛ لكننا لم نستطع تقديم يد العون لك على كثرة تجمهرنا، عذراً ريّان ربما تضاريس المنطقة ليس أشد وعورة من قلوبنا المتفرقة والصَّدِئَة، عذراً ريّان نحن نعيش بلا روح؛ فقد عجزنا عن إنقاذ ملايين من أطفالنا؛ كثيرون منهم كانت نهايته برصاص العدو، وكثيرون منهم كانت نهايته بأيدينا.
عذراً ريّان فعلاً قد تأخرنا عن إنقاذك .. عذراً ابني، عذراً ريّان لم نستطيع أن نقرأ ما كان يدور في خُلْدِك وأنت وحيد في غيابة الجب .. إبني ريّان لا تَشْكُنا إلى الله على التقصير والتأخير؛ فلم نكن نحن من يحاول إنقاذك، نحن كنا نرقب ما حدث ويحدث من بعيد ، وأقصى ما كنا نملك الدعاء والبكاء .. لقد رحلت ولكن لم ترحل برحيلك الهواجس التي أدت إلى وقوعك في تلك البئر المشؤومة..
رحل ريّان إلى الله .. ولكنه لم ولن يرحل من ذاكرتنا؛ يا رب اجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنان.
أبدعت .. رحم الله ابننا ريان وجعله طيرا من طيور الجنة
شكراً على مرورك العاطر