بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

المـواقـف تصـنع الرجال..

الكاتب/ حبيب بن مبارك الحبسي

habibalhabsi1122@gmail.com

 

المـواقـف تصـنع الرجال..

 

بدلاً من أن تحط طائرات الإغاثة في مطار مسقط الدولي محملة بالمساعدات قادمة من مختلف الدول الشقيقة والصديقة.

تحركت قوافل امدادات الإغاثة من كل قرية ومدينة في عمان مُيَمِّمَةً شطر جزء من الوطن تأثر بإعصار .. وما ادراك ما حجم اضرار الإعصار حينما يضرب بلدا ما.

فبفضل الله ورحمته سارعنا إلى لملمة آثار الإعصار بتلاحم وتكاتف أبناء الوطن وهذه الملحمة ليست بجديد فقد عشنا مع حالات من الأعاصير سابقاً وتكيفنا معها وخرجنا منها أكثر قوة وازدهار .. كأنّ شيئاً لم يحدث!.

وسارعت مؤسسات المجتمع المدني طواعية كدورها المؤمل منها فقد لبى النداء للوطن الصغير والكبير.. وتقاسم الجميع لقمة العيش.. وسقية ماء.. ولم يرضَ أن يبيت الأهل في الباطنة في العراء بلا مأوى.. فأنكرت النفس هواها.. واستجابة لنداء الحس الوطني.. وأبت الشهامة قضاء الإجازة الأسبوعية في ليالي التجمع الأسري المعتاد فقد تضامنوا هناك.

هذا الرهان الكبير على الشعب.. حركته المشاعر والانتماء للوطن.. هذا التجسيد لمعنى المواطنة الصالحة.. فقد كان البنيان أساسه متيناً، لم يطلب من الشعب أن يقدم ما لديه من مساعدات ولم يأمره قانون أو توجيه.. بادر الجميع طواعية إلى الهبة والوقفة، وهذا الذي كان متوقعاً منه.

ليس بغريب على هذا الشعب.. ديدنه منذ القدم.. حالات من الانواء المناخية مرّت وأحدثت خسائر في الأرواح والممتلكات.. ولم يتوانَ الإنسان العماني في البناء من جديد.. وبفضل الله تعالى لم يستكين.. فروحه توّاقه للبناء، فمن يملك الإرادة يملك الصمود.. ومن يملك العزيمة بلا شك سيحدث التعمير ويقيم البناء، نحن في المحن تصنع منا المواقف الشهامة والبطولة والنخوة.. هكذا هو الإنسان العماني والتاريخ يشهد.

إذا ألقينا نظرة على واقع هذا المحن لنجد من وجودها منح تسطر خيراً لهذا الوطن وأبنائه.. لن نلتفت لحجم الخسائر، فهذه بلا تشك لن تكون لدينا المصاب.. ولكن المكسب الكبير هو الشعب حينما يلملم حجراً حجراً وقطعة قطعة.. ويسهر من أجل راحة الأهل في الباطنة، أو في أي جزء من عمان الغالية.

يبقى الإنسان العماني.. هو الجسر الذي يمد المؤن لأخيه في أي بقعه من الوطن، وتحت أي ظرف وفي أي مكان.. هذه الروح بهذه اللغة لم تكن وليدة اليوم؛ فهذا إرث حضاري مكتسب.. تتعاقب عليه الأزمنة.. واضعاً نصب عينيه القيم والمبادئ الإنسانية النبيلة مهما حدثت الطفرات في أدوات وأساليب الحياة.. لأنها هوية وطن.. لا بد أن تكتسب وتورث في الأبناء أجيالاً متعاقبة.

هنا عمان.. فلله الشكر والمنة على عطاياه وحفظه.. هنا الإنسان العماني.. شامخاً بروحه ونجدته ونكران الذات.

حينما نتحدث عن مواقف الإنسان العماني نتجرد من صفته الوظيفية فالكل بعمله ودوره.. قدم ملحمة حب وإخلاص ووفاء وتضحية في الوقوف مع الأهل في الباطنة.

قبل كل هذا عاش كل مواطن على هذه الأرض الطيبة ليلة الإعصار واضعاً يده على قلبه، رافعاً كفّيه للمولى عز وجل بأن يلطف بالذين سيتوقع مرور الإعصار بهم.. فلم يقض ليله في نوم أو سبات.. فالقلب مشغول عليهم.. ولم ينتظر حتى الصباح ليتعرف على حجم آثار الإعصار.. فقد أمضى ليله حتى اليوم التالي الأخبار والقلق ينتابه والخوف يأكل قلبه.

والمقيم على تراب هذا الوطن لم يتوان عن المشاركة في الملحمة الوطنية العمانية.. فقد حمل معداته وترك أسرته وشارك مع أخيه العماني القادم من كل بقعة من عمان إلى جزء من الوطن عصف به إعصار شاهين وسطر وضرب أروع أمثلة حب التضامن والتعاون.

هؤلاء تعايشوا واندمجوا مع إخوانهم في الوطن فكان الشعور واحد، والمصير واحد.. حقاً كلنا نفخر بكم فأنتم في قلوبنا إخوة لنا..

كل هذا النسيج.. وهذا التلاحم من أجلك يا عمان.. هذا الوفاء من أجل عيونك يا وطن.. كل هذا الشعور الوطني العارم.. لأننا كلنا نعشقك يا عمان.. فيارب احفظ لنا عمان وأهلها وسلطانها.

تعليق واحد

اترك رداً على عبدالله الفارسي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى