بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

همسةُ في أذن أسرة متقاعد حديثاً والمقبل على التقاعد..

الكاتب/ أ. عصام بن محمود الرئيسي

مدرب ومحاضر في البروتوكول والإتيكيت الوظيفي

 

همسةُ في أذن أسرة متقاعد حديثاً والمقبل على التقاعد..

 

من ضمن إحدى المداخلات التي تفاعل معها المتابعون في مقالٍ كتبته سابقاً بعنوان : “التقاعد عالم جميل” .. (تجربتي الشخصية مع التقاعد)..

/التقاعد-عالم-جميل-تجربتي-الشخصية-مع-ا/https://asdaaoman.com

كانت من أحد القراء الذي أوضح وضعية والده المتقاعد حديثاً، حيث يقول : بأن والده بعد تقاعده، وتفرّغه، نادراً ما يخرج من البيت، وأصبح يتابع كل شيء في المنزل، ويتدخل في أمور لم يكن يتدخل فيها إبان خدمته، وفي الفترة الأخيرة بدأ يدخل المطبخ، ومستودع الأغذية الصغير، ويصطدم مع الأخوات في مسألة استخدام مستحضرات التجميل «المكياج»، ويدقق في لباسهن أثناء خروجهن، وكثرة استخدامهن للهاتف النقال، وينتقد كل شيء حتى في المواقف البسيطة التي تحدث في المنزل يصنع منها مشكلة، وأحدث لنا ربكة كبيرة، ولأول مرة ترتفع الأصوات في المنزل بينه وبين الوالدة؛ حيث كنا لا نسمع هذا الضجيج من قبل.

لقد طلب مني القارئ الكريم أن أكتب عن دور أسرة المتقاعد تجاه هذا الأمر، وكيف نتعامل مع هذه المواقف الصادرة من المتقاعد حديثاً، تجنباً من أن يكون عِبئاً على عائلته، وأسرته الصغيرة في المستقبل، وأيضاً كرسالة تُوجه للأسر بشكل عام للتعامل الصحيح لمثل هذه المواقف، من هذا المنطلق جاءت فكرة كتابة هذا المقال تحت عنوان (همسة في أذن أسرة متقاعد حديثاً ، والمقبل على التقاعد).. والذي يتناول أهمية دور الأسرة في تعزيز الإيجابية للمتقاعد، والمقبلين على التقاعد، ومساعدتهم على تخطّي الفراغ، والقلق من التقاعد للبَدْءِ في حياة جديدة هادئة، ومُنَظّمة، بعون وتكاتف من أسرته وبدون أي ضجيج.

بالطبع ليس كل الأشخاص على هذه الصورة من الإزعاج بعد التقاعد وهم قليلون ، ويتفاوت الأفراد في حدة سلوكهم فهناك السلوك المقبول، والمرفوض، وعادة ما يحدث هذا السلوك من قبل أصحاب الوظائف التي تتصف بكثير من الصرامة، والنظام الدقيق، وهم أكثر عرضة لظهور هذه السلوكيات بعد التقاعد عن غيرهم، وهذا يتوقف أيضا على طبيعة الشخصية ونوع العمل الذي كان يشغله المتقاعد حيث له دور كبير في تحديد السلوكيات، ويمكن أن تظهر هذه السلوكيات أيضا في نمط الشخصيات التصادمية، وكذلك الانتقادية التي تميل الى التصحيح، والتوجيه لأفراد الأسرة حتى في أبسط الأمور؛ حيث تتفاجأ الأسرة بهذا التغيير في السلوك لظهوره بشدة في هذه الفترة لعدم تعودهم بذلك.

من الطبيعي جدا أن الفرد بعد التقاعد يبدأ في البحث عن ما يشغله حتى تستقر أحواله النفسية، والاجتماعية، ويستقر أيضاً في أنشطة معيّنه، وسوف يبدأ بالمنزل مع أسرته بصفتهم الأقرب إليه وتحديداً ربة البيت، وسيبدأ بانتقاد كل ما هو غير مقبول من وجهة نظره في المنزل، وهذا الأمر بطبيعة الحال يُضايق أفراد الأسرة، لأن من خلاله قد تحدث الخلافات، وترتفع الأصوات في المنزل خاصةً مع ربة، وبقية الأشخاص الذين لم يعتادوا على مثل هذا السلوك من الأب، الذي بدأ يتدخّل في كل كبيرةٍ وصغيرة، وهنا يأتي دور الأسرة في الوقوف مع رب الأسرة المتقاعد في مساعدته لتجاوز هذه الفترة بكل أريحية.

ومن النقاط المهمة التي يجب أن تعي بها الأسرة ما يلي:

  • يجب الاعتراف بأن مرحلة التقاعد وما يصاحبها من افرازات نفسية واجتماعية على أنها مُتغيرات طبيعية يجب تقبلها من قبل الأسرة فذلك يوفر جوّاً من الاستعداد يسهل التعامل معه.
  • لابد من إقناع المتقاعد بأن التقاعد ما هو إلا مرحلة جديدة من العطاء – وهو كذلك بالفعل – وليست نهاية المطاف.
  • لابد من إشراك المتقاعد في كل ما يتعلق بأمور الأسرة، والأخذ بمشورته، والأهم من هذا وذاك أن نشعره بدوره كشخص عاصر معترك الحياة، وأن لديه مخزوناً من الخبرات والأفكار بالإمكان الاستفادة منها للأسرة والمجتمع.
  • كل أسرة هي الأقرب والأدرى بطبيعة الشخصية للمتقاعد؛ لهذا لابد أن تتعامل معه بكل أريحية كونها المستجيب الأول بردود فعل رب الأسرة لأثر التقاعد، وبدون انفعال وتحسّس من تصرفات تبدر منه.
  • على الأسرة الاحتفاء بتقاعد رب الأسرة، وتقديره على الجهود التي خدمها كل هذه السنوات، وشكره أيضاً على رعايته لهم، وقد حان الوقت بأن يكون قرب الأسرة بعد هذا العناء والجهد وأن يرتاح، هذا الأمر يجعل من المتقاعد قريباً من أسرته ومحباً لها.
  • للأبناء الراشدين دور كبير في موضوع تهدئة الأم وبقية أفراد الأسرة، وحثهم على تجاوز بعض السلوكيات الصادرة من قبل رب الأسرة؛ بصفتها أمر طبيعي بعد التقاعد يريد من ورائها إثبات دوره كأب، وبأنه لا يزال قادراً على العطاء.
  • على جميع أفراد الأسرة عدم ترك المتقاعد حديثاً وحيداً في أيامه الأولى من التقاعد؛ بل على الجميع أن يكون قريباً منه وخاصة الزوجة، وتطلب منه بعض المهام التي لا تسبب للأسرة أي تناقض في الأدوار الأسرية مثل إصلاح بعض الأعطال، أو تقليم بعض الأشجار في حديقة المنزل، ويترك له المجال للتحدث عن إنجازاته ومواقفه التي يعتز بها إبان خدمته.
  • البحث عن حلول وكيفية إشغال وقت الفراغ الكبير الذي أصبح يُعاني من كيفية إشغاله؛ حتى لا يتدخل عشوائياً في أعمال المنزل، وتشجيعه على التقليل من تواجده في المنزل وحثه على المشاركة في مراكز يتجمّع فيها المتقاعدون، وكذلك أن يبحث له عن نشاط يدر له دخلاً إضافياً إذا كان له اهتمام ورغبة في ذلك؛ حتى لا تُصبح فترة تقاعده مُزعجة لجميع أفراد الأسرة.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

تعليق واحد

اترك رداً على Prof. Mac Ebrahim إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى