بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الثروات المعدنية في عُمان..

الـكاتـب/ حمـد الناصـري

 

الثروات المعدنية في عُمان..

 

عُمان مِن أقْدم دول العالم التي عَرفت التَنقيب والتعدين ، إذ كانت السَلطنة تَسْتخرج وتُصَدّر النحاس مُنذ اكثر مِن خمسة آلاف سنة ولذلك كانَت تُسَمى مَجان أيْ أرض النحاس وكانَ النحاس يُسْتخرج في ذلك الوقت مِن مَنطقة وادي الجِزي في شمال عُمان. وكان يُصَدّر إلى حضارات بلاد وادي الرافدين ووادي النيل . وبَعد دوران عجلة التَقدّم وتطوّر التكنولوجيا شَهِدت السَلطنة تطوراً مَلْحوظاً في عمليات التنقيب واسْتخراج مُختلف أنواع المعادن ، كالنحاس والكروم والمَنْغَنيز والذهب والرصاص والفضة وغيرها مِن الثروات الدّفِيْنة في أرض عُمان المِعْطاء، ناهيك عَن اكْتشاف مَواقع جديدة ومَعادن وخامات أخْرى لم تكن تُعرف مِن قَبْل كالدولومايت والجبس والاسمنت والحجر الجيري والرخام والكوبالت إضافة الى ثروة الرّمال ومادة السليكون او السَليكا في بَحر عُمان الكبير ولدينا سَواحل بَحرية مُمْتدة على سَبعة بُحور وبَحرنا الكبير يمتدّ إلى أعْماق البحار الكبرى وبعض المواقع الأثرية ومواقع سُقوط النيازك . ومثال على ذلك ، كهف الهُوته ، كهف الجِنْ ، هويّة نَجم.؛ وقِمَم الجبل الأخْضَر وجَبل شَمس ، ومدينة صُور العظيمة وموقع قلهات التاريخي وجزر الديمانيات بولاية بركاء وموقع راس الحمراء في مسقط وموقع مدينة بُهلاء الأثرية وموقع الخطْم والعِيْن وموقع باتْ التاريخي في ولاية عبري ، فـ عبري مدينة تاريخية أثرية عتيقة وقديمة يعود تاريخها إلى القرن الثالث قَبْل الميلاد .. وغيرها مِن المناطق في شرق عُمان ، كحديقة النيازك والبُحيرات الوردية في الجازر.. تَسْتمد البُحيرات الوردية مِن لون الطحالب الموجود في البُحيرة والتي تُغيّر لون الماء والرمال المحيطة إلى اللون الوردي الفاتح.

وقد بذلت الجهات المعنية مُمَثلة بوزارة الطاقة والمعادن جهوداً كبيرة في العُقود الثلاثة الماضية واسْتخدمت الوسائل العلمية والبحثية، والتصوير بالأقمار الصناعية وأعَدّت الخرائط الجيولوجية والجيوفيزيائية المُحدثة وقياسات المغناطيسية الأرضية مِنْها والإشْعاعات الذُريّة السُونار واسْتخدمت الوسائل الحديثة كالطائرات المُجهزة بأجْهزة الرَصْد والتصوير الإشعاعي لتحديد مَواقع المعادن والصخور الاقتصادية والتكوينات الجيولوجية .. وهُنا يأتِي السُؤال المُهم والحيَوي.. أيْنَ واردات تلكَ الثروات ؟ وما مَدى الإسْتفادة مِنْها في خدمة البلد وأهْلَها.؟.

في 28 ابريل 2020 صدر مرسوم سُلطاني بتأسيس الهيئة العامة للتعدين ، وكان أهَم اهْدافها رَفْع مُساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي ، وحدّد المرسوم أنّ قطاع التَعدين ، احد القطاعات الخمسة الأهم ، الغاز والنفط والثروة السمكية والزراعة وقطاع التعدين ، الخطة الخمسية التاسعة ‪‪2016- 2020

وقد تداولت وسائل التواصل الاجتماعي قضيّة التَعدين ، وطرح مُغَردين كُثُر آراؤهم حول مآلات قطاع التعدين وشركاته العُمانية والمشاريع المُختلفة كالمحاجر والكسّارات التي تنشر في السلطنة.

إنّ الثروات الطبيعية في أرض السَلطنة وفي خزائن جبالها الراسِخَة واوديتها السحيقة ورمالها الذهبية وكهوفها العَميقة التي يَعود نشوئها الجيولوجي الى اكثر من ٨٠٠ مليون عام، لمْ تُسْتغل لِحَد الآن بِشَكل مُنظّم ومثالي رَغم كَثْرتها وأَهميّتها للاقْتصاد العُماني كرافد أساسي لإقْتِصاد البلد وأهلها وإنّما انْصَبّ أكثر رِيْعَها لصالح الشركات الاجنبية المُسْتثمرة نفسها بسبب كون عقود الاستثمار تُتم بين شركات اجنبية وافراد عُمانيين يحصلون على حقوق التنقيب من الدولة دونَ تدقيق لمحتوى تلك العُقود  .. فأغْلَب عُقود التَنقيب تُكْتَب بِلُغَة بَلد الشركة ويَحْتكم أي نزاع إلى قوانينها ويُتم وضْع شُروط مُجْحِفة للمالك العُماني وفي حقّ ما يُسْتخرج مِن عمليّة التَنقيب وتضع شُروط مُجْحفة  تَسْتَحوذ الشركة مِن خلالها على كُلّ ما تَكْتَشِفه ونِسْبة قليلة تَذهب للمالك العُماني، وعلى سبيل المثال فالشركة التي نالتْ حقّ التنقيب عَن النحاس قد وجَدت ذهَباً او احْجاراً كريمة،  فقد لا يَحقّ لصاحب حقّ التَنْقيب ( المالك العُماني ) المُطالبة إلاّ بنسبة ضَئيلة مِن النحاس وباقي المُكتشفات تأخُذها الشركة بالكامِل ؛ ولِعَمري ، كيف يُتم التَصْديق على عُقود مُجْحِفَة بهذا الشكل ؟! أم أنّ ما تجده الشركة هو مُكافئة مُسْتحقة بسبب اغْفالنا شروط العقود .. أليسَ في ذلك حِرْمان لأهْل الارض مِن حقّهم في كنوزها.!؟ والسؤال الذي أطرحه هنا .. تُرى مَن هو المُستفيد ..؟!

وفي نشرة تقديرات البنك المركزي العُماني حول قطاع التعدين انه يُمثل0.5% مِن الاقتصاد المحلي .. وهو عائِد ضَئيل جداً جداً مُقارنة بِحَجْم ثروات السلطنة وغير مُرْضِي بالطّبْع .! فالثروات المعدنية في أرض عُمان مُتنوعة وهائِلَة ويُفْتَرض أنْ تكون مُساهَمتها كبيرة في الناتج المحلي والعوائد الاقتصادية أكبر بكثير مِن ذلك .؟ فلو أخذنا قطاع المحاجر ، فسَنجد الحجر الجيري والدولومايت والجبس وصُخور الجابرو والرخام والجبس والكروم والحديد والنحاس والكاولين وغيرها مِن المعادن التي لم تُذْكَر والتي تُعَد غالية الثَمن وعَظيمة القِيْمَة وعالية لعوائِد إقْتِصاد البَلد.. ولا يزال السؤال قائماً ، هَل كُلّ تلكَ الثَروات تُساهِم بنصْف بالمئة مِن اقْتِصاد البلد .؟

في الدورة السابعة 2014 تناول مجلس الشورى عدة قرارات وتوصيات مِن بَينها موضوع الكسارات والمحاجر والمعادن في السلطنة تركّزت اكثرها على الثروة المعدنية والتَحديات التي تُواجه القطاع التَعديني والشركات العاملة به.؛ لكنّ تلك المُناقشة افْضَت إلى نَقْل تبعيّة الإدارة التعدينية إلى وزارة النفط والغاز من وزارة التجارة والصناعة!!! وإنْشاء شركة حكومية في قطاع التعدين!!! وفي 2019 احدث قانون المعادن ثورة مُواد مُحْكَمة .. مِنْها أنْ تكون خامات المناجم وخامات المحاجر وخامات الملاحات (مناطق استخراج الملْح) الواقعة في أراضي السلطنة، وما يُوجد مِنها في المياه الداخلية والإقليمية ومياه المنطقة الاقتصادية الخاصة ومَناطق الجرْف القاري، مُلْكًا للدولة تقوم على حِفْظها وحُسْن اسْتغلالها، ولا يجوز لشخص تملّكها أو حيازتها أو اسْتغلالها أو التَصَرّف فيها إلا وفْق أحكام القانون.

تلك بلا شك خُطوة كبيرة ومُهِمّة في طريق تَأمِيْم تلك الثروات واعادة عملية اسْتغلالها بطريقة تَضْمَن مَنافعها للسلطنة.. وأرى أنْ تَتْبَعها خُطوات أُخْرى تشريعية واقْتصادية وأنْ تَخضع عُقود حقوق التنقيب الحالية والقديمة والمُسْتقبلية لِتَدقيق صارم يَمْنَع هَدْر تلك الثروات ويَجْعَلها تُسْهِم بنسبة كبيرة في نُمو اقْتصاد الوطَن وتَسْريع عَجَلة تطوّره الى الأمام بإذن الله ..

تعليق واحد

اترك رداً على خميس إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى