بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

نظرية السلحفاة : “كلما أبطأت، كلما تقدمت وارتحت وتطورت”

ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف وتطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال

 

في عالمٍ يركض فيه الجميع خلف الوقت، وينادي فيه كل شيء بالسرعة والإنجاز الفوري، تبدو “السلحفاة” رمزًا غريبًا للتفوق والتطور. لكنها، رغم بطئها، واحدة من أكثر الكائنات المعمرة على وجه الأرض. فما السر؟ ولماذا يبدو أن التباطؤ في بعض الأحيان هو الطريق الأسرع للتقدم؟

السلحفاة لا تُسابق الزمن، بل تتناغم معه. خطواتها الهادئة ليست دليلاً على العجز، بل على وعي داخلي عميق بالاتجاه والهدف. هي لا تهدر طاقتها في القفزات المتسرعة، بل تحافظ عليها في steady rhythm يجعلها تقطع المسافات الطويلة بثبات وهدوء.

الهدوء أساس الحكمة..

من أبرز أسرار السلحفاة في نظرية الحياة، أنها لا تسمح للعالم الخارجي بأن يشتت تركيزها.
في كل خطوة، تتقدم نحو هدفها بتأمل.

هذا النمط من العيش يمنحها القدرة على التكيف والبقاء، ويقلل من استنزاف طاقتها. الإنسان كذلك، عندما يتوقف عن الركض العبثي خلف الأهداف المتناثرة، ويبدأ في اختيار خطواته بعناية، يجد راحة داخلية، وتوازنًا حقيقيًا.

العمر المديد ليس صدفة..

السلحفاة تعيش لعقود، وأحيانًا لأكثر من قرن. هذا ليس مجرد صدفة بيولوجية، بل هو نتيجة نمط حياة متزن: حركة مدروسة، طعام بسيط، عيش في بيئة هادئة، وابتعاد عن الصراعات غير الضرورية؛ كم من البشر يهرولون في حياتهم بلا توقف، ليتوقفوا فجأة بسبب الإرهاق أو المرض؟ السلحفاة تُعلّمنا أن السرعة ليست دائمًا السبيل للنجاح.

التطور لا يعني العجلة..

في مفهوم “نظرية السلحفاة”، التطور لا يرتبط بالسرعة، بل بالاستمرارية. التطور الحقيقي يحدث في العمق، لا في الظاهر. السلحفاة تطور درعها ليحميها، ودماغها ليمنحها البصيرة، وجسدها ليقاوم الزمن. هي مثال على أن التقدم البطيء لا يعني التخلف، بل قد يكون السبيل الأذكى نحو نتائج مستدامة.

الخـلاصـة..

“كلما أبطأت، كلما تقدمت وارتحت وتطورت” – هذه ليست مجرد عبارة، بل فلسفة حياة. السلحفاة، برغم بطئها، لا تتراجع، وهي لا تسابق أحدًا، لكنها دائمًا ما تصل، وربما حان الوقت لنا كبشر أن نعيد النظر في سباقنا المستمر، ونتعلّم من هذا الكائن الصغير كيف نعيش حياة أطول، أهدأ، وأكثر وعيًا.

فهل نملك الشجاعة لنعيش على مهل، لنفكر أكثر، وننجز أفضل؟
في عالم الصخب، قد تكون “نظرية السلحفاة” هي المفتاح للحكمة والراحة والتقدم الحقيقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى