بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

العيد بين الأمس واليوم

رحمة بنت مبارك السلمانية

نظراً لقُرب عيد الفطر السعيد قررت أن أكتب عن العيد وتفاصيله التي تغيرت مع الوقت وتفاوتت بِتَغيُّر الأزمنة، فالعيد من الأحداث الجميلة واللحظات السعيدة التي لا تُمل بتفاصيلها الكبيرة والصغيرة، ومن الأشياء المُبهجة التي تميل النفس للحديث أو الكتابة عنها باسترسال، العيد في الإسلام هو مناسبة دينية واجتماعية وإنسانية تحمل في طياتها أسمى المعاني والقيم التي تساهم في بناء مجتمع متماسك ومتكافل، كما أن العيد رمزاً لوحدة الأمة الاسلامية حيث يحتفل به المسلمون في جميع انحاء العالم، والعيد مكافئة دنيوية من الله لعباده لاجتهادهم في العبادة، وقد خصنا الله تعالى بِعيدَين خلال العام الهجري، حيث يأتي عيد الفطر بعد إتمام صيام شهر رمضان ويأتي عيد الأضحى بعد انقضاء فريضة الحج، وإن من أهم مظاهر العيد وتعظيم شعائر الله التكبير والتقاء المسلمين لأداء صلاة العيد، وإظهار السرور والبهجة وتبادل التهاني والتبريكات.

في الواقع أن العيد لم يتغير ولكن البشر وعاداتهم وسلوكياتهم هي التي تتغير خلال الأزمنة، قبل عدة سنوات لم تكن هناك عيديات مغلفة أو أظرف مُلونة ومُزينة برَّاقة للعيديات، بل كان الأطفال يقبضون عيديتهم نقداً مجردة من أي كساء أو وعاء أومغلف، وفي الغالب قطع معدنية لا يلتفت لها أطفال اليوم الذين لا يعرفون سوى العملات الورقية، كما لم تكن هناك توزيعات وهدايا منسقة وتشكيلات من الحلوى والشوكولاتة المصغرة تُقدم للعيدية، بل كانت الحلوى العمانية بأصالتها وهيبتها ونكهتها الخاصة تتوسط كل بيت وكل مجلس في كل عيد، كمجمر يعطر الأجواء برائحة طيبة فوّاحة، كما كان الجيران يتعاونون في ذبح الأضاحي وتوزيع اللحوم والصدقات على أهل الحارة، وإعداد الأكلات الشعبية كالعرسية والشواء.

بالأمس لم يكن صباح العيد يُستهل بصوت أغاني العيد الحديثة التي أصبحت بعيدة كل البعد عن الواقع، المحشوة بالأفكار والتقليعات الدخيلة التي لا تمت للواقع ولا للهوية العمانية ولا للعادات والتقاليد الأصيلة بصلة، كالاحتفال بقطع كعكة وتعليق الزينة كالبالونات والقصاصات الورقية الملونة والمصابيح المضيئة، كان صباح العيد يزهو بصوت مدفع العيد وطلقات البنادق والتكبير وصلاة العيد وتهاني المهنئين، وبشاشة الشيوخ والشباب والنساء والأطفال بملابسهم الجميلة الراقية رغم بساطتها ولم تغريهم الماركات، كانت فرحتهم بالعيد تلقائية حقيقية عفوية غير مصطنعة، تزينها البساطة وصفاء النية وصدق المشاعر بلا تصنُّع وبلا تزوير وبلا بث أو تصوير، وإن وُجِد تصوير فإن الصور والمقاطع المصورة تبقى حبيسة أوعيتها للذكرى، ربما قد يطّلع عليها ويتناقلها أفراد العائلة أو الأقارب فقط، أما اليوم فإن الصور وأدق التفاصيل التي تنقلها المقاطع المصورة الحية تصل إلى أبعد بقعة في العالم خلال لحظات.

خلال السنوات القليلة الماضية لم يكن العيد ينتهي قبل انتصاف أول أيام العيد، بل كان الكبار والصغار يعيشون أيام العيد بلهفة وبهجة غامرة تكاد لا تنتهي بانتهاء ثالث أيام العيد، ولم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد سيطرت على العالم، ولم يكن الناس يعرفون واتساب وانستجرام وسناب شاب وتيك توك ومنصة إكس وفيس بوك، ولم تكن تعنيهم التقنيات بمختلف أشكالها، ولم يكونوا يملكون أجهزة لوحية ذكية مزودة بكاميرات رقمية تلتقط كل صغيرة وكبيرة، وتبث المقاطع المرئية والمحادثات الصوتية وكل شاردة وواردة في كل وقت وحين، لم يكن الرجال والنساء يتنافسون في استعراض مفاتنهم وأجسادهم وأزيائهم وحليهم ومقتنياتهم، وعرض تفاصيل حياتهم اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي وجعلها لقمة سائغة للملأ، بل كانوا يعيرون مقاماً كبيراً للخصوصية في حياتهم، ويحملون في رؤوسهم أدمغة تضاهي أدمغة الحكماء ومبادئهم، وكانت الكياسة والرزانة هي مبدأ هويتهم وأصالتهم.

بالإضافة إلى ذلك فإنه لم يكن هناك مشاهير تواصل اجتماعي أو مؤثرون – كما يُطلق عليهم – يتباهون بسفراتهم وجولاتهم خارج بلدانهم وبعيداً عن أوطانهم خلال أيام العيد، بل كان للعيد دور مهم في تعزيز التواصل الاجتماعي الحقيقي، وفرصة ذهبية لتقوية الروابط الأسرية والاجتماعية وهدية لِوَصل المتجافين وقُرب المتباعدين، فكان الجميع يتباهى بقضاء أيام العيد بين عائلاتهم وذويهم ومشاركتهم الفرحة والبهجة، والكثير من الفعاليات والعادات والتقاليد الاجتماعية المتعارف عليها والتي من المستحيل أن تُغني عنها المكالمات المرئية، ولم تكن العلاقات الاجتماعية سطحية وهشة بل كانت أكثر عمقاً وقوة وكانت العائلات أكثر ترابطاً وتماسكاً، فكانت تتنافس في صلة الأرحام وزيارة الأهل والأقارب وتهنئتهم بالعيد، وفي المساء لم يكن الأطفال يزورون الحدائق والمراكز التجارية والملاهي، بل كانوا يشاركون في العيود والأهازيج الشعبية التي تتواصل لمدة ثلاثة أيام كالرزحة والعازي والميدان وغيرها من الفنون التقليدية الأصيلة.

“أعاد الله العيد علينا وعليكم وعلى سائر الأمة الإسلامية في شتى بقاع الأرض أعواماً عديدة وأزمنة مديدة بالخير واليمن والبركات ، وتقبَّل الله منا ومنكم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى