
فلسفة التفاخر والمباهاة الاجتماعية في المناسبات المختلفة !!
الكاتب أ. عصام بن محمود الرئيسي
مدرب ومؤلف سلسلة كتاب مختارات من البروتوكول والإتيكيت
من منا لا يبحث عن الجديد من التميز في ظل هذه الحياة المليئة بالصخب والرتابة، فالتميز حق مشروع لمن لديه الرغبة والقدرة ولكن لا بد أن نسعى إليه بطريقة سليمة وأن يتماشى ذلك السعي والتميز مع القيم والثوابت وقدراتنا الشخصية والمادية، وبعيدا عن التفاخر والتباهي بما نملك، والذي يضايق الكثير ممن حولنا من البشر، ويؤلمنا أيضا من القيل والقال، علينا البحث عن التميز المطلوب والمرغوب وعلينا أن نصل إليه بجدارة ونترك الآخرين هم من يتفاخرون بنا وبما أنجزنا، وهذا هو الإنجاز الأكبر في حياتنا.
إن الإسلام لم يأت لقتل أو كبت الغرائز والميول الطبيعية والفطرية للإنسان، وإنما جاء لضبطها ووضعها في مسارها الصحيح، وبدون شك عزيزي المستمع فإن التمتع بما وهب الله الإنسان من نعم هو أمر مشروع غير أن الإسراف والتبذير عند البعض يتجاوز تماما ما هو مشروع.
لقد انتشرت ثقافة هوس التباهي بالمظاهر، وفلسفة التفاخر بالتكلف عند البعض في مختلف المناسبات لتشمل فئة كبيرة من شرائح المجتمع رجالا وإناثا على الرغم من أنهم ينفقون الكثير لتحقيق ذلك وفوق طاقاتهم وقدراتهم المادية فقط ليصلوا إلى مرحلة من المظاهر والتباهي التي يمكن أن يحققوا من خلالها التميز بالمفهوم الخاص بهم ولكي ينالوا الإعجاب ممن حولهم من الناس، ونتيجة لذلك تظهر العديد من الجوانب السلبية في حياة تلك الفئة من البشر، تلك الفئة ما زالت تعيش في المنظومة السطحية والتقدير المادي للأشياء على الرغم من التكاليف الباهظة التي ينفقونها مقارنة بالدخل الذي يتقاضونه، ويقع بعضهم لقمة سهلة لشبح الديون أو الظروف المادية الصعبة بالرغم من ذلك فإنهم مستمرون باقتناء وبشراء كل ما يجول في خاطرهم دون حساب وهم بذلك أيضا دخلوا في الإسراف والإسراف: هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، لقول الله تعالى في سورة الأعراف: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
لقد نهى ديننا الإسلامي الحنيف عن التفاخر والتعالي على الناس بما نملك من أموال أو منصبٍ متقدِّمٍ أو صيتٍ ذائعٍ أو تميزنا بأمر ما، والتفاخر والتعالي على الغير صفاتٌ مذمُومة، ونوعٌ من الضَّعف في شخصية الإنسان، قال الله تعالى في سورة لقمان (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ونحن أعزائي على أبواب عيد الفطر السعيد حيث يبالغ بعض الناس كثيرا في شراء ما يسمونه بمستلزمات العيد وذلك من أجل المباهاة والتفاخر فقط، ويكلفون أنفسهم أكثر من طاقتها ويتهافتون على الأسواق ويتباهى العديد من المواطنين والشباب بأسعار أزياء العيد، وكذلك في شراء المواشي وموائد الطعام المبالغ فيها فينشرون صورها على صفحاتهم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل عند البعض أن يرفق ملصق سعرها المرتفع ليتباهوا بمقدرتهم على شرائها، كما لا يفوّتون الفرصة لذكر ذلك في المجالس والتجمعات، وهذا سلوك مرفوض في زمن الغلاء وفي وقت عجزت الكثير من الأسر عن القيام بشراء مستلزماتها حسب ما يحبون ويشتهون.
وفي المقابل لا بد أن نذكر بأن هنالك الكثير والعديد من الناس بعيدون عن صفة التفاخر والتباهي بما يملكون فهم متواضعون يحبون من حولهم من البشر ويبادلونهم تلك المشاعر بل ويقدمون لهم ما يستطيعون من عون ومساعدة وغير مسرفين، يشترون فقط ما يحتاجون إليه من الضروريات بدون إسراف ولا تبذير وبعيدا عن التفاخر والمباهاة على الرغم من امتلاكهم للمال واضعين نصب أعينهم المحافظة على قيمهم وأخلاقهم وعاداتهم الأصيلة، وفي يوم العيد بالذات تتجلى مشاعرهم النبيلة ويشعروننا بجمال العيد وقيمه الجميلة مبتعدين عن الأحقاد والخصومات والسلوكيات السيئة، ويرسمون الابتسامة على كل الوجوه، الصغير قبل الكبير، ويشيعون السلام والحب والود بين الجميع.
إن الفخر بما يمتلكه الإنسان من إمكانات وقدرات ليس عيبا بل على العكس فهو يدفعه إلى الأمام وإلى مزيد من النجاح والعطاء والتميز وهو حق أصيل من حقوق الإنسان، ولكن العيب في التفاخر والتباهي غير المحمود وهي آفة تسيطر على البعض وتجعله يختال فخرا بما يملك أو لا يملك من إمكانات وتجعله يزهوا بنفسه أمام الآخرين سواء كان هناك ما يدعو لذلك أم لا، وقد يضطر إلى الكذب في بعض الأحيان من أجل التفاخر والادعاء بما لا يملك وكلها مجرد أوهام صنعها في فكره ويتشدق بها.
واخيرا قيل عن التباهي والتفاخر بأنه من يتعالى على الناس ويرفع رأسه تكبرا وتفاخرا بما يملك من مال وجاه حتما سيتعثر في خطواته ويسقط سريعاً بعد أن يفقد حب الله وحب الناس..
وَعَلَى الخَيْرِ نَلْتَقِي وَبِالمَحَبَّةِ وبكم نَرْتَقِي