
روايـة : شـقـة الحـريـة..
فـهـد الجهـوري
almnsi2020@gmail.com
روايـة : شـقـة الحـريـة..
لا شك أن أي روائي أصعب ما يواجهه في أي رواية يكتبها ، والتي تتحدث عن الصراعات الفكرية السياسية هو حياده .
وهذا ما نجح به إلى حد بعيد الراحل الدكتور غازي القصيبي في روايته (شقة الحرية) ، تلكم الشقة في قلب القاهرة وفي زمن جمال عبد الناصر، والتي جمعت أربعة طلاب بحرينيين لكل منهم فكره السياسي المنبثق من بيئته في البحرين ، وما رافق هؤلاء الطلبة من تقلبات فكرية طاحنة عايشوها مع بداية الانقلاب على الملكية في مصر ، مروراً بـ “الجمهورية العربية” في الوحدة مع سوريا وفشلها .
كثيرة هي الحوارات الساخنة التي نستطيع أن نقول عنها بالعامية (فيها شغل) و (فيها طنازة عودة) ..
إستطاع القصيبي من خلال جمال الحوارات ، جعل القارئ ينسى أن الكاتب يقدم سلبيات وإيجابيات كل أيدلوجيا كانت تُناقش في شقة الحرية ، ورغم أن القصيبي يشدد في بداية الرواية على أنها من نسج خيال المؤلف ، إلا أن إبنه سهيل يؤكد في مقابلة تلفزيونية ، أن أحداث رواية شقة الحرية مستلهمة من حياة أبيه ورفاقه في القاهرة ، ولم يغفل القصيبي عن تصوير المغامرات النسائية لفرسان شقة الحرية على نحو غير ، ولنأخذ كمثال الحوار التالي المتعلق بالوحدة العربية والصراعات الفكرية السياسية التي كانت تموج بها أرض الكنانة :
البعث يا ماجد حزب أقليات ، أنشأه مسيحي .. أنظر إلى أعضاء مجموعتنا ، هل لاحظت إصرار فيكتوريا في كل اجتماع على علمانية الحزب ؟ على فصل الدين عن الدولة ؟ وموافقة بسام ومحمد ؟
الدوافع معروفة يا ماجد ، علمانية لبنان تعني انتهاء السيطرة المارونية ، وعلمانية العراق تعني انتهاء السيطرة الاسلامية .
وماذا عن بقية العالم العربي حيث لا يوجد سوى المسلمين ؟ هل تتصور دولة علمانية في السعودية ؟
أو في عمان ؟ أو في اليمن ؟
ترك ماجد حزب البعث في الشهر نفسه الذي تركه فيه فؤاد ، وجاء القراران من غير تخطيط مُسبق . وكانت دهشتهما عظيمة لتوارد الخواطر هذا ، كان ماجد في صالون شقة الحرية ينفث دخان سيجارته ويفكر بصوت عال :
ولكن هذه ليست نهاية المشوار ، إذا كان البعث لا يصلح فلا بد أن هناك طريقاً آخر للعمل العربي ، لا بد أن يكون هناك تنظيم أقرب إلى الواقع العربي ، تنظيم يعرف الأمة العربية على نحو أفضل .
يقاطعه قاسم منفعلاً :
أنت وفؤاد من السُذج ! ما هذا الكلام الفارغ ؟! أحزاب ! تنظيمات ! قومية عربية ! وحدة عربية ! مصالح ! المسألة كلها مصالح ! مصلحة ميشيل عفلق تتطلب الحديث عن القومية العربية ، فهو يتحدث عنها . ومصلحة جمال عبد الناصر تتطلب الكلام عن الوحدة العربية ، فهو يتكلم عنها .. وأنتم تصدقون كل شيء .
ينظر إليه ماجد باستغراب شديد :
ولكن العرب أمة واحدة يا قاسم .. هل تنكر ذلك ؟
كلام فارغ ! أسألك بالله يا ماجد هل السعوديون كالمصريين ؟ لا بل أسالك بالله هل السعوديون كالبحرينيين ؟
بالتأكيد لا .. هل تعرف ماذا نسمى المملكة في البحرين ؟
ماذا ؟
المهلكة !
سامحكم الله ..
وأزيدك من الشعر بيتاً ، حتى في البحرين الصغيرة هناك سنة وشيعة ، وسنة منامة وسنة محرق ، وشيعة مدن وشيعة قرى ، وشيوخ أصل وبياسر .
ألا يوجد لديك أدنى شعور بالعروبة ؟
العروبة ؟! طبعاً كلنا عرب .. ولكننا عرب من أشكال مختلفة لا نكوٌن أمٌة واحدة .. هل تفهم اللهجة الجزائرية ؟! أنا لا أفهم نصف كلامك عندما ترطن بالنجدي .
لأنك لست عربياً قُحٌاً.
وأنتم لا تفهمون كلامنا .. هل تعرف معنى (طماشة) ؟ أو (غشمرة) ؟ أو (جكيٌة) ؟
وأنت أيها الأعجمي المستعرب هل تعرف (المطازيز) أو (القرصان) أو (النجر) ؟
أحسنت ! لا أنت تفهمني ولا أنا أفهمك .. كُفٌوا عن هذا الكلام السخيف عن أمة عربية واحدة .. تذكروا الطالب السوداني الذي نُشلت محفظته وهو يهتف لوحدة وادي النيل فغيٌر رأيه وهتف : (مصر والسودان عشرين حتٌة !!) .. هذه حالنا .. عشرين حتٌة !!
كنت أعرف أنك رجعي ، واكتشفت الآن أنك أيضاً إقليمي انعزالي .
طز فيك ! وطز في المطازيز !