ضـيق الثـقافة لا ضـيق الشـوارع !!..
حمـد بن سالـم العـلـوي*
ضـيق الثـقافة لا ضـيق الشـوارع !!..
تنتشر دعوات هذه الأيام مطالبة بحل مشكلة الإختناقات المرورية في مسقط “العاصمة”، وهذا شيء جميل، وإن كان الوقت أصبح متأخر جداً على إيجاد الحلول الناجعة؛ لأن التخطيط السيء للمدن والطرق، وإقامة المباني في فضاءات ليست ضمن المخططات، لم يتركا مجالاً سهلاً للتصحيح والمعالجة، فقوالب الأسمنت التي غطت كل البقاع في مدن مسقط، قد ضيّقت المجال على أية معالجة مستقبلية، ثم إن نهج التخطيط للطرق لم يعط بالاً للفلسفة المرورية القائمة على إفراغ الحركة في أقرب مكان، فيلزمك المسار أن تقطع كيلومترات طويلة حتى تجد مخرج تغادر فيه الشارع، ثم تنتقل لتشغل شارعاً آخر، حتى تصل إلى هدفك، وهذه معضلة كبيرة، عندما تنقل الزحمة من طريق إلى طريق آخر في الرحلة الواحدة، هذا من حيث التخطيط قصير المدى.
أما من حيث المعضلة الثانية والتي لا تقل أهمية من الأولى، وقد تسحب معها ما نسبته 40% من أصل الإشكالية، ألا وهي الثقافة المرورية لدى السائقين، ففي بداية النهضة كانت أخلاق العُمانيين، وسمتهم وسمعتهم واحترامهم لبعضهم البعض تعطي المميز، وقد ساعدت على دعم السلامة المرورية، بالقيم والملازيم بين الناس، ولكن بعدما اختلط الحابل بالنابل، وصار كل من يحمل رخصة أجنبية من حقه استبدالها له برخصة عُمانية بمجرد أن يكون عمرها عام واحد، وبدون فرض أدنى ضوابط تلزمهم بتعلم قانون المرور العُماني ولائحته التنفيذية، فصارت السياقة تحكمها مهارات فنية في تحريك السيارة وايقافها وحسب، وتكاد تكون الثقافة المرورية منعدمة، وخاصة جهة الوافدين الذين أصبحوا يمثلون نسبة كبيرة في الشارع العام، ويتّبعون قاعدة “من سبق لبق”، ولا يعرفون أدنى إلتزام بنظام المسارات على الطريق، فتصرفاتهم لا يحدها قانون ولا أعراف محلية، وإنما حكم القوي على الضعيف، والجريء على المحترم .. وهكذا دواليك، ولن يتأتى هذا الوضع إلا عندما تنشأ معاهد مرورية بمختلف اللغات، تعلم السوّاقين قواعد وآداب المرور كما هو الحال في كل الدول المتحضرة حول العالم.
إن الضعف في الثقافة المرورية، لم يتوقف على السائقين وحدهم، وإنما شمل الرقباء عليهم، بحيث لا يكفي انتسابهم إلى الجهة الرقابية حتى يكونوا ملمين بقواعد المرور وانظمته، وذلك إن لم يخضعوا لتدريب وتثقيف مكثف قبل أن توكل إليهم مهمة الرقابة، ويمكن تقييم ذلك من خلال ممارسة السياقة على الطريق، فلا إشارات جانبية تعطى في وقتها، ولا مسك للمسارات بطريقة قانونية، وهنا تنعدم القدوة الحسنة التي ستكون أسوة للآخرين، أضف إلى ذلك؛ أن الكثير من المخالفات المرورية الواردة في اللائحة التنفيذية غريبة عليهم، لذلك يجب أن تخصص معاهد السلامة المرورية الحالية لأصحاب البيت، فهم أولى بها من غيرهم.
إذن؛ نحتاج إلى تضافر جهود الجميع من أجل استعادة نظام مرورنا القديم، الذي كان مضربَ المًثل في المنطقة بل والكثير من دول العالم، عدا بعض الدول كاليابان وبعض الدول الأخرى التي صار فيها نظام المرور من الروائع التي يعتز بها الإنسان المتحضر، وعُمان صاحبة التاريخ المروري المتميز، أمسى من السهل عليها استعادة ماضيها المروري المُشَرِّف، إن نحن أردنا وقررنا ذلك بصدق وإخلاص وإيمان.
– إعلم أخي السائق :
{إن السياقة : “فن، وذوق، وأخلاق”، وأنت تعلم أن المركبة لا عقل لها ولا إرادة، بل عقلها بيد سائقها، وعليك أخي السائق أن تتجنب أخطاء الآخرين، فاثخذ حاجتك من الطريق، واتركه آمناً لغيرك كونه ملك الجميع}.
* خبير في تخطيط حوادث المرور – مؤسس مركز طريق الأمانة لخدمة السلامة المرورية.