بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

ماهي أسباب تغيير السياسات الإيرانية في المنطقة ؟..

سـمـيـر عـبـيـد

كاتـب ومحـلّـل اسـتـراتيـجي – العـراق

 

ماهي أسباب تغيير السياسات الإيرانية في المنطقة ؟..

 

إن المختصين بشأن التحليل الاستراتيجي ينظرون للأحداث والتطورات في المنطقة والعالم نظرة مختلفة عن الآخرين؛ أي نظرة علمية وتشريحية، وهذا ما نفعله بين فترة وأخرى لنُبسِّط الصورة للقراء والمتابعين.

والتحليل الاستراتيجي علم دقيق وشائك وتتدخل فيه “السياسة، والجغرافية السياسية، والرياضات والحسابات، والاستخبار، والتخطيط العسكري، والدبلوماسية … الخ” ولن يفلح فيه أحد إن لم يكن ملم بأدوات التحليل الاستراتيجي، وبشرط أن يكون محايداً ومهنياً بتقديم التحليل العلمي دون عواطف، ودون مجاملات لطرف على حساب الطرف الآخر.

أهم أسباب تغيير السياسات الايرانية أخيراً :

١- بلا شك أن إيران تعيش أفضل مراحلها ما بعد الحصار المركب والقاسي الذي فرضته الولايات المتحدة بدعم إسرائيلي وخليجي ضد إيران، والذي تسبب بانهيار الاقتصاد الإيراني، وتعطيل بيع النفط الإيراني بنسبة كبيرة جداً، ناهيك عن الحصار النفسي والمعنوي والسياسي؛ فلقد بدأت إيران بسياسة مغايرة عن السياسة القديمة وعنوانها : “الانفتاح والتهدئة” بهدف كسر الحصار الأميركي، وتصحير المخططات الأميركية والإسرائيلية لتوجيه ضربات أو حرب ضد إيران، ولقد نجحت بذلك بمديات كبيرة.

٢- ولو جئتم للحقيقة فإن أول سبب جعل إيران تُغيّر من سياساتها القديمة وتنتهج سياسات منفتحة وجديدة؛ هو اللاعب البريطاني الذي دخل على خط المواجهة ضد ايران، وعلى خط المنافسة في العراق والخليج لاقتلاع إيران منهما؛ فإيران وعلى مدى تاريخها لا تخيفها الولايات المتحدة، ولا حتى إسرائيل بل تخيفها بريطانيا فقط، وهذا معروف تاريخياً بالنسبة لإيران؛ فبريطانيا لديها قناعة كاملة أن العراق ودول الخليج واليمن تركة بريطانية، ولا يجوز لإيران وتركيا الهيمنة عليها، وان القاعدة التي سترفع بريطانيا وتعيدها لاعباً دولياً مهماً هي موقع وثروات العراق ودول الخليج و”البصرة”، وهذا يعني إنهاء ماحققته إيران من نفوذ في الخليج والعراق وسوريا ولبنان واليمن منذ عام ٢٠٠٣ وحتى الآن، وهذا بالنسبة لإيران انتحار، لا بل بمنزلة قنبلة نووية ضدها وضد مصالحها في المنطقة.

٣- ناهيك أن إيران استلمت الرسالة البريطانية بوضوح عندما تفجرت الأوضاع داخل إيران، ووصلت لتحريك الشارع بانتفاضات شعبية، وزيادة عمل وتيرة الجواسيس، وصولاً للاغتيالات واختراق مؤسسات عصب وأمن النظام داخل إيران، ومحاولة فتح حرب في خاصرة إيران من جهة أفغانستان، ناهيك عن تحريك أخطر ملف يخافه النظام الإيراني وهو (تفكيك القوميات الإيرانية الكبرى)، وهذا يعني تفكيك النظام، وعندما حاولت إيران الصمود والتكابر حركوا مخطط استهدافها من خاصرتها الأخطر، أي من جهة أذربيجان؛ فتحتم على إيران لجم التيار المحافظ، وتعليق السياسات القديمة، وإبدالها بسياسات جديدة عنوانها : (الانفتاح والتهدئة) وصولاً للتخلي عن بعض الحلفاء في العراق وتخفيف يدها في اليمن … الخ، وهذا ما جعلها تُهَروِل للعراق بزمن حكومة الكاظمي لتفتح حوارات سرية مع السعودية وجس نبض مصر والأردن، وتُوِّجَت بمفاوضات إيرانية سعودية في الصين التي رعت توقيع عودة العلاقات بين البلدين، واستمرت بالانفتاح على دول الخليج ومصر والأردن، وكانت ضربة موجعة لواشنطن وتل أبيب، ولكن بريطانيا راضية مادامت الخطوات في خط عقلنة إيران، وتحقيق مصالح بريطانيا.

٤- إن سرعة انجاز مد خطوط السكك الحديدية من إيران نحو البصرة هي رسالة إيرانية لبريطانيا بأن إيران شريك اقتصادي في المستقبل القادم وليس عدواً، وكذلك لن تنافس بريطانيا في العراق ودول الخليج بل تطرح نفسها شريكاً اقتصادياً؛ أي أنها تريد إقناع بريطانيا بأنها لا تريد الاستمرار في الهيمنة على الأوضاع السياسية في العراق مثلما كانت خلال الــ 20 سنة الماضية، وعندما شاركت الولايات المتحدة في إدارة العراق أي “مشاركة تخادمية” على حساب العراق وشيعة العراق، وهما الطرفان اللذان تعرّضا لأبشع الأضرار ومعهما الشعب العراقي عامة.

٥- بريطانيا باتت تمسك المقود في العراق وصولاً لهندسة التغيير السياسي في العراق كونها لا تريد التعامل مع “شلّة الفاسدين” إطلاقا، وعلى إيران عدم الدفاع عن أي منهم، ولهذا مطلوب من إيران رفع يدها عن حلفائها، وبدأت توافق، والقضية مسألة وقت ليس إلّا؛ لكي تضمن رضا بريطانيا بأن تبقى إيران، ولكن شريكاً اقتصادياً لا يتدخل في المشهد السياسي، وأن (خط الغاز القطري) مروره بالعراق إلى تركيا والذي هرولت إيران من أجله نحو قطر لتكون شريكاً فيه؛ فلن يمر هذا الخط إلا بموافقةٍ بريطانية، وهذا يعني على إيران تقديم تنازلات أخرى لبريطانيا في العراق أسوة بتركيا .. ومن هناك ذهبت بريطانيا فهندست ملف (البصرة) مع الصين ليكون خط الحرير الجديد الذي سيمر في العراق ويصعد الى دول آسيا الوسطى عبر إيران بإشراف بريطاني، ولأجله تدخلت أخيراً بريطانيا ففرضت حكومة جديدة وراسخة لأول مرة في الكويت، وكله ضمن هندسة مشهد العراق ودول الخليج بريطانياً، والشيء بالشيء يُذكر؛ فبريطانيا لن تسمح لإسرائيل بالهيمنة والتدخل في العراق وفي مناطق نفوذها مثلما كانت تفعل بوحود وهيمنة الولايات المتحدة.

مـلاحـظـة :

طبعا الطبقة السياسية في العراق مثل الأطرش في الزفة أمام كل ماورد؛ فهي مهتمه بالنهب والسلب وعبادة السلطة، ولا تدري بما يدور؛ فقط الأكراد يتابعون ما يحدث!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى