الدبلوماسية .. بين القيادة الرشيقة والإدارة الكلاسيكية “3”..
الدكـتور/ سـعـدون بن حسـين الحمـداني
دبلوماسي سابق – الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت
الدبلوماسية .. بين القيادة الرشيقة والإدارة الكلاسيكية “3”..
تطرقنا في الأسبوعين الماضيين حول نظريات ومفاهيم وسمات القيادة الرشيقة والإدارة الكلاسيكية التي كانت تغطي على عالم إدارة الأعمال بسبعينيات القرن الماضي باختلاف المدارس وآراء علماء الإدارة أنذاك.
الطفرة التكنولوجية التي حصلت بالعالم نهاية القرن الماضي قد قلبت الموازين 360 درجة وتحول العالم الى قرية صغيرة والبعيد أصبح قريب بالاضافة الى التغيرات الكبيرة التي حصلت في السياقات الإدارية ومنها الدبلوماسية حيث كانت المخاطبات أغلبها بالحقيبة الدبلوماسية أو بالطريقة الأمنية المتعارف عليها بنقل المخاطبات الإدارية الاعتيادية والخاصة أيضاً.
واليوم نتكلم ونعرج على أهم أعمدة وجوانب القيادة الرشيقة والإدارة الكلاسيكية ألا وهي “الكفاءة” لأن الإثنين لا يمكن لهما تحقيق أي من الأهداف التكتيكية أو الاستراتيجية بدون عنصر “الكفاءة” التي تتربع تاج الأعمال الإدارية بكل مفرداتها.
تُعَرَّف الكفاءة بأنها خبرة الإنسان في مجال عمله سواء حامل لشهادة جامعية أو بدونها وعلى سبيل المثال نشاهد فلاح بمنتهى الكفاءة يدير مزرعة بأعلى مواصفات المهنية ولا يملك حتى الشهادة الابتدائية وهناك أمثلة كثيرة أخرى، لذلك الكفاءة في بعض الدولة تعتمد كثيراً على الخبرة الطويلة في مجال عمله بعيداً عن الشهادات الجامعية بمختلف درجاتها وأنواعها، ولكن يفضل ممن لديهم الشهادات الجامعية لما فيها من نظريات ومفاهيم حديثة . أن الكفاءة تُبنى بالدرجة الأساس على الأخلاق الحميدة وما يحمله من صفات الصدق والأمانة وحب الخير للآخرين والتضحية والوفاء والمطاولة للوظيفة ؛ لأن الموظف الأناني سوف يحرم زملاءه من أبسط حقوقهم، والدبلوماسي المتكبر لن يخدم إلا نفسه ، وكم من أُناس لديهم شهادات كثيرة ومتعددة ولكنهم غير أكفاء بسبب حبهم لأنفسهم وقلة خبرتهم بمجال العمل !.
والكفاءة هي موهبة لإنجاز هدف معين من العمل بوقت محدد وخبرة محنكة، وقد تكون الكفاءة بدنية أو عقلية، ولا يمكن التعبير عن الكفاءة بأنها فهم، أو قدرة، أو معرفة يتمّ تعلمها، أو اكتسابها، أو تحصيلها من الآخرين وأنما هي مجموعة كبيرة من المفردات في جعبة الفرد.
سمات الكفاءة هي التركيز على تحقيق أفضل النتائج بأقل التكاليف، والجهود؛ فالكفاءة الإنتاجية تختلف عن الكفاءة الفنية فعلى سبيل المثال ، نجد أنّ الكفاءة الإنتاجية بالإنجليزيّة : Productive efficiency تعني : تحقيق أكبر قدر من الإنتاج بأقل قدر من المُدخلات ، وأدنى تكلفة مُمكنة، أما الكفاءة الدبلوماسية فهو ما يحققه السفير أو كادر السفارة في تطوير علاقات بلده في ساحة عمله في مختلف المجالات وخاصة الاقتصادية لغرض دعم وتطوير مفردات الدخل القومي لبلده وذلك من خلال تطبيق مبدأ القيادة الرشيقة بكفاءة عالية جداً والوصول الى سمو الأهداف التي من شأنها إذابة الجليد والفتور في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وغيرها من المجالات.
أنواع الكفاءات..
هناك اختلاف بين الباحثين حول تصنيف أنواع الكفاءات، إلّا أن أبرز تصنيف هو تصنيف (Celile Dejoux)؛ حيث صنفها ضمن 3 مستويات هي :
1. الكفاءة الفردية : وهي عبارة عن المهارات، والمُوهلات التي يمتلكها الشخص من خلال التجارب الشخصية، والمهنية، بحيث يستخدمها في تحقيق أهداف مُعينة، وخاصة مع التطور الحاصل في المعلوماتية.
2. الكفاءة الجماعية : وهي كفاءة تنشأ من خلال تضافُر وتجميع جهود الكفاءات الفردية وتعاونها والتواصل الفعال بين الأعضاء جميعهم في العمل وتوفير المعلومات المناسبة لهم، كما أنها تمثل حلقة وصل بين الاستعدادات والمعلومات المتوفرة والقدرات الموجودة لديهم بحيث يشكلون فريقاً مهنياً قادراً على تحقيق الأهداف المطلوبة بكفاءة.
3. الكفاءة التنظيمية (الاستراتيجية) : وتتمّ من خلال إيجاد التكامل بين الكفاءات الفردية، وذلك من خلال اتباع آليات مُعينة للتنسيق بينها وهذا يعتمد بالدرجة الأساس على القائد وقرارته الصائبة باختيار ودمج وتوليفة من سمات الكفاءات بين الإفراد وخاصة الإنتباه الى التجانس الفكري والديني والمذهبي والمادي والإجتماعي والتكنولوجي والمستوى العلمي الأكاديمي، التي تساهم بطريقة ما الى الوصول الى أفضل النتائج المرجوه.
إنّ جميع أنواع الكفاءات تستند إلى درجة كبيرة على : كفاءة (التخطيط، الإدارة، التنفيذ أو الأداء، والرقابة، العلاقات الإنسانية،الموارد المالية، الكفاءة التقنية، مبدأ التكريم والتنبيه، إدارة الوقت، التقييم، الأدوات والموارد البشرية، مركزية القرار، الخطط البديلة) علماً بأن هذا كله يستند الى الجهة الحكومية أو الخاصة نفسها ونوع عملها ومدى إدراكها لعلاقاتها مع البيئة المُحيطة بها.
وفي الختام .. إن من أكثر الأسلحة التي تدمر مفهوم الكفاءة حسب رؤية فرويد هي “مدرسة الأنا” بكل صفاتها ومسمايتها من الأنانية وحب الذات والنظرة الاستعلائية والتفرد بالقرار والانطواء المهني وغيرها من معوقات تعيق تحقيق الأهداف المرجوة.
المرجع : الباحث حيدر سعيد / موقع المرسال.