رسـالـة إلـى ابنـتـي..
مـحـمـد الـشـيـزاوي
رسـالـة إلـى ابنـتـي..
بينما أمارس رياضتي المفضلة بعد الإفطار، وهي المشي على البحر، حيث تساعدني كثيرا في التخلص من الطاقة السلبية، وتصفية الذهن، وتجديد النشاط، وجدت زجاجة تطفو على شاطئ البحر، شكلها المميز جعلني اقترب منها، فمسكت بها ووجدت بداخلها ورقة، فضولي دفعني لأعرف ما الذي بداخل هذه الورقة، حاولت أن أخرج الورقة دون كسر الزجاجة وبالفعل تمكنت من ذلك، وكانت الورقة صفراء اللون كأنها شطرت من كتاب تاريخي، حتى الخط المستخدم فيها كتب بحبر عتيق، جذبني عنوان الرسالة، كان العنوان : “رسالة إلى ابنتي”، استهل كاتب الرسالة رسالته بجملة : “إلى الحورية البارة وجوهرة الفؤاد وضيّ العين ابنتي الغالية”.
“سأحكي لك ما تعلمته من هذه الحياة الجميلة رغم قسوتها، لا تجعلي بريقها يشتت نظرك عن وجهتك التي خططي لها من بداية الطريق، ولا تسمحي لقسوتها بتغيير ملامح قلبك السخية بالمودة والرحمة.
عزيزتي عندما تكبرين ستجدين من يصارع لفشلك، ومن يقترب منك لإيذائك، ومن يبحث عن سعادتك، ولكل منهم وجهه الغامض، كوني حذرة ممن لا ترين فيهم الوضوح من بداية القصة، لا تضيعي وقتك بعلاقات لا يعرف صاحبها الهدف منها.
إبنتي الجميلة عليك أن تقدري الأمور بمقدرها الحقيقي، لا تجعلي معسولي الكلام يؤثرون عليك، تأكدي أن هناك من يحفرون الفخوخ من أجل أن يسقطوا من حولهم، ربما ليست كراهية ولكن فقط ليظهروا هم وينجحون، هم لا يجيدون تقدير الآخرين، أتمنى لو أتمكن من تفادي كل الحزن والأسى والشر الذي قد يمر قريباً من قلبك النقي، أتمنى ألا يخطو قلبك خطوات دامية كما التي خطوتها أنا بنفسي وقد طعنت من أقرب الناس لي.
جميلتي اللطيفة من يحبك لن يدعوكِ لأمر في غير طاعة الله، من يحبك سيذكرك بالخير في غيابك قبل حضورك، من يحترمك ويقدرك سيقف إلى جوارك حتى لو الدنيا كلها تخلت عنك.
أكتب لك رسالتي هذه؛ لأذكرك بأن لكل إنسان حياة يحياها بجمالها وتحدياتها، في كل يوم باختلاف المواقف، و باختلاف المستوى المعيشي والثقافي والاجتماعي، البعض يصارع الظروف القاسية، والبعض يتباهى بالمال والثراء وسعة الحال.
إبنتي؛ كوني أنت دوما، لا تجعلي ضوضاءهم تغيبك عن هويتك، لا تجعلي ظلام نفوسهم يخفي طريقك.
ما أنا بكاتب، ولكني أدري أنه ربما لن تسمح لي الظروف أن أخبرك بكلماتي هذه وجهاً لوجه؛ أنت جوهرتي الثمينة لا تنسِ ذلك.
أعرف أنك تحبي القراءة ولن تبخلي على أبيكِ ببعض من الوقت لتقرأي ما جلس فيه لليلة كاملة يخط لك تلك الحروف، ويتحسسها بقلبه حتى لا تقع منك موقعاً يؤلمك”.
بعد تلك الجملة أصبحت الكلمات باهتة، وغير واضحة، حتى ملمس الورقة كان غريبا، كأن تلك الورقة في ذلك الجزء قد تبللت بدموع ذاك الأب.
تلك الكلمات غير الواضحة المعالم أثارت بداخلي الشجون، وغلبتني دموعي، كم منّا نحن الآباء يخشى على بناته من هذا العالم القاسي، كم يتمنى كل منا أن يمنع عن أبنائه وبناته تقلبات الدهر، كم نفتقد الحديث إلى صغارنا بتلك النبرة التي تروق لهم، كم نحتاج للتقرب من فلذات قلوبنا بالطريقة التي تناسب عقولهم، ربما لم تصل تلك الرسالة إلى الابنة، ولكنها قد تصل إلى كل بنت في هذا المجتمع الكبير.
وفي آخر الرسالة بخط دقيق جدا كتب الأب : “كوني لنفسك أولاً، اقتربي ممن تزدادي بجوارهم إشراقاً؛ وقتك، قلبك، فكرك أثمن مما تتصورين، لا تنفقيهم إلا فيما يليق بروعتك”..
مقال رائع موفق أستاذ محمد
مقال رائع موفق أستاذ محمد الشيزاوي