بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

فن الدبلوماسية .. قرارات مجلس الأمن والتلاعب اللغوي..

الدكتور/ سعـدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق ، الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

 

فن الدبلوماسية .. قرارات مجلس الأمن والتلاعب اللغوي..

 

تعتبر صياغة قرارات مجلس الأمن في غاية الحنكة والمهنية الأكاديميه التي تستند على المنطق السياسي لتحقيق هدف ما، وعلى الدبلوماسي أن يقرأ ويتمعن ما بين السطور وليس ما هو مكتوب ومسموع؛ لأن ما أخفي من هدف أكبر بكثير مما كتب في القرار.

أتطرق في هذا المقال الى خلاصة وكيفية إصدار القرار من الناحية اللغوية (العربية / الإنكليزية) التي يصدر بها مع بقية اللغات الرسمية الأخرى، وهي في كيفية صياغة قرارات مجلس الأمن بعيداً عن السياسية، وإن قرارات مجلس الأمن ذات مغزى سياسي، ومنطق فلسفي ولغوي في غاية الدقة والحرفية، وذات هدف معين مرصود، وقد سبق وأن تطرقت الى أكثر من 3 مقالات بهذا الخصوص ولكن هذا المقال سوف يخوض بين المنطق القانوني وبين الهيكل اللغوي لتحقيق الهدف المنشود للقرار.

مما لاشك فيه أنه ومن الضروري جدًا وعلى الدولة ووزارة خارجيتها أن تفكر مليًّا قبل أن ترسل طاقمها إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها، على أن يتمتع أعضاء الطاقم باحترافية ومهارة عالية؛ من حيث؛ بُعد النظر، وتحليل وقراءة ما بين السطور، والأفضل أن يكونوا من حملة الشهادات المتخصصة في مجالات العلوم السياسية واللغات والقانون الدولي؛ لكي يكونوا على بينة بما يدور حولهم؛ لأن أي موافقة أو رفض قد يؤدي إلى عواقب وخيمة لبلدهم بسبب سوء التحليل، وعدم القراءة الصحيحة لقرارات مجلس الأمن وبقية مؤسساته، لذلك يجب أن يكون اختيار أعضاء السلك الدبلوماسي في غاية الدقة بعيداً عن العشائرية والمذهبية والمصالح والعلاقات الشخصية.

وعلى الدبلوماسي وممثل الدولة أن يكون على عِلم بهيكلة الأمم المتحدة في جميع مؤسساتها، وأن يكون على دراية كبيرة وتخصص في لغته الأم، ومن ثم باللغة الإنجليزية (المسودة الأولى)؛ من حيث آداب اللغة العربية (علم اللغة العام)، وكذلك أن يكون محترفاً ومتمرساً باللغة الإنجليزية أيضا (بعلم اللغة العام والترجمة).

الدبلوماسي الذي يشغل مقعد دولته عليه واجب التحليل للقرار، استناداً الى معلوماته المهنية والأكاديمية وخبرته الدبلوماسية في سلك الأمم المتحدة، وإن لم يكن موفقاً بالتحليل عليه التغيب في وقت التصويت كجزء من موقف الدول المعتدل، وقد يحسب سلبياً حتى لا يضيع هوية واستراتيجية دولته.

إن قوة القرار وهويته تأتي من عدد من الأفعال وأنواعها/ الصفات وأماكنها/ حروف الجر/ الظروف/علامات الترقيم/ الاسماء المركبة والجمل المركبة والجمل المعقدة استناداً الى المنطق الذي تم به بناء وصياغة القرار.

لذلك علينا تحليل القرار معتمدين على ثلاثة أعمدة رئيسية وهي : (وظيفة علم المعنى في قرارات مجلس الامن Semantic-Function of the Security Council/علم الكلمة Lexical/ علم النحو Syntactic)، وبتحليل أي قرار إستناداً لهذه النظريات اللغوية علينا أن نبدأ مباشرة بإحصاء وعد مايلي : عدد الأفعال ووظيفتها/ أفعال(المضارع)/ أفعال الماضي ووظيفتها/ عدد الصفات وأماكنها وأنواعها ووظيفتها/ ظروف الزمان والمكان/ حروف الجر/ الأسماء المركبة وغيرها من الأمور اللغوية الضرورية بعيداً عن المغزى السياسي الذي تم بناء القرار عليه.

فالجميع يعرف أن اللغة تستند إلى جملة (فعلية أو اسمية)، والجملة الإسمية دائما تبدأ باسم وتتكون من ركنيْن أساسييْن هما : المبتدأ والخبر، وتنقسم الجملة الاسميّة المنسوخة إلى ثلاثة أنواع هي : الجملة المثبتة، والجملة المنفيّة، والجملة المؤكدة، ولا داعي للخوض فيها بقدر ما هو مقدمة للقرار، أما الجملة الفعلية فتتكون من (فعل ، فاعل، مفعول به، صفة، ظرف زمان أومكان ، حرف جر، إسم مجرور).

وتُبنى الجملة في اللغة العربية من الوظائف التي تقوم بها الأنواع المختلفة من الكلام سواء الجملة (الفعلية أو الاسمية).

وينبغى التنبيه على أنّ الجملة يجب أن تفيد معنىً ما ذات هدف معين، والقصد في كل هذه المقدمة اللغوية بأن الجملة التي نعرفها تتكون هي من سطر أو سطرين، ولكن في قرارات مجلس الأمن نلاحظ بأن الجملة الأممية تعتمد كثيراً على علامات الترقيم أو باللغة الانكليزية (Punctuation) قد تكون صفحة كاملة أو صفحتين بفاعل واحد وقد تتجاوز ذلك كما في قرارات كالتي صدرت سابقاً ضد جمهورية العراق الشقيق؛ حيث تجاوزت الجملة الواحدة أكثر من 10 صفحات بفاعل واحد غير قابل للفيتو أو التغير أو الاعتراض أو الرفض ولو على كلمة واحدة لكون هذه الصفحات كلها جملة واحدة وهو دهاء وحنكة قرارات مجلس الأمن.

قراءة ومتابعة بسيطة لقرارات مجلس الأمن نجد الفعل غالباً يكون مقروناً بحرف التوكيد “إذ” على سبيل المثال (إذ يؤكد/ إذ يلاحظ/ إذ يتصرف) وهذا الأسلوب جاء من الصياغة الربانية في القران الكريم حيث ذكرت كلمة (إذ) أكثر من 25 مرة في سورة البقرة ووظيفتها التأكيد على قوة الفعل الذي لا يقبل المناقشة أو التغير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى