إجعل من طفلك الموهوب قيادي..
الدكتورة/ سلوى سليمان
خبير تربوي ، استشاري اكتشاف ورعاية موهوبين
إجعل من طفلك الموهوب قيادي..
تعتبر القيادة أحد مظاهر الموهبة، وتتضمن الموهبة القيادية قدرة عقلية، ونمو خُلقي، ومهارات تفكير، وسلوكيات شخصية واجتماعي، والقدرة على تحفيز الآخرين، وقد أظهرت بعض الدراسات التي تناولت عينة من الطلاب الذين يتمتعون بإمكانات قيادية عالية مجموعة من العوامل الشخصية والانفعالية من أهمها: النضج الانفعالي، الضمير الحي، الإصرار، والتوجه نحو القيم الأخلاقية، والمسؤولية الاجتماعية، والصداقة الحميمة، ومستوى منخفض من الميل للعمل التطوعي، ومستوى منخفض من القلق،والقدرة على الاحتفاظ بالدور القيادي في المواقف الجماعية، والقدرة على ضبط سلوكهم الجمعي، ونظام سليم للقيم الاجتماعية والخلقية.
وبشكل عام يوجد مكون معرفي وآخر وجداني في القيادة, ويقول “نورمان دوغلاس”: إذا أردت أن ترى إبداع طفلك فتوقف عن مساعدته ؛لأن الطفل يبدأ سنواته الأولى بمحاولة تجريب كل شيء ، وإذا ما راقبنا ذلك جيدا نلاحظ أنه لا يكلّ ولا يملّ من المحاولة حتى يحصل على مبتغاه ، بل إنه يخاطر في بداية حياته بلمس ما يصادفه والاقتراب من أي شئ.
وتبدأ مسؤولية تنمية القيادة في الطفل الموهوب من المنزل والمدرسة والمجتمع، وذلك باهتمامهم بتلك الفئة من الأطفال أو الشباب الذين يمتلكون تلك القدرات وتوفير البيئة التي تعطي الطالب أو الشاب الفرصة لفهم ذاته والآخرون من حوله ،والتي تساعده على اكتشاف احتياجاته وقدرات التعلم لديه، وممارسة المهارات التي يحتاجها لتطوير قدراته الخاصة، وتوفير البيئة التي تجعل من أخطائه فرصة تعلم جديدة،و تعطيه أيضا فرصة القيادة سواء في المدرسة أو المنزل.
وهنا يجب أن نعلم أنّ الطفل الموهوب بطبعه شخص مثابر ومغامر، ولكن الوالدين عادة ومن أجل حمايته، يقتلان تلك العادات والمهارات الفِطْرِية دون وعي منهم؛ إذ يبادرون في مساعدته ويسارعون في إحضار كل ما يريده، في حين أنه من المهم أن يحرصوا على تعليمه المثابرة والإصرار على بلوغ أهدافه.
ومن أهم أسس إرساء مهارات القيادة لدى الأطفال أن نُعلّمهم الشجاعة والمسؤولية والتقبل الذاتي، والقدرة على التّخطيط وتحديد الأولويات، وأن نتحاور معهم حوارًا خلّاقاً ينمي لديهم مهارات الحوار والتفكير والبحث، وأن نعمل على ترسيخ قيم التسامح والعدل والإيثار وغيرها من الأخلاق الحميدة التي يتحلّى بها القادة، فضلاً عن أن المواهب تُنمى من خلال ما يملكه الطالب من قدرة على تنمية فكرة وتنظيم وقته.
وهنا تساؤل يطرح نفسه : كيف يمكننا أن نُمهّد الطريق للطفل كي يكون قائداً؟.
إن تخوّف الكثير من الآباء من صفات القيادة لدى طفلهم، وجهلهم وتجاهلهم لبعض المؤشرات التي تتنبأ بمستقبل قيادي لذلك الطفل تجعلهم دائما يتساءلون : كيف نربي أبناءنا الموهوبين ليصبحوا شخصيات قيادية بارزة ؟ والإجابة تتمثل في أن 90 % من شخصية الطفل تتشكل في السنوات السبع الأولى؛ حيث يتشكل عند الطفل المفهوم الذاتي الذي يحوي التقبل والإدراك والقيم؛ فهي من أهم سنوات عمر الإنسان على الإطلاق.
ويقع على المعلم العبء الأکبر في تنمية أو کبح جماح القدرات الابتکارية والإبداعية للطلبة، ويقع عليه مسؤولية توفير البيئة التي تشجع وتنمي قدراتهم العقلية العليا، ولا يکتفي بتحقيق الأهداف التعليمية التي تهتم بحفظ وفهم المادة الدراسية، أو حتى تطبيقاتها العملية کما يشاهدها الطلاب؛ إنما عليه استخدام أساليب وطرائق تدريسية، وأنشطة تعليمية مناسبة من شأنها المساهمة في تنمية قدراتهم الإبداعية.
ومن هنا فإن للمدرسة دور كبير في تكوين شخصية الطفل القيادية من جذورها الأولى، وتعمل على كشف القابليات القيادية لديه، وتدريبه عليها مع توفير جو منافسة؛ فالطفل الموهوب يحب التحدي، كما أن لديه حب الفضول والاكتشاف، وكثرة الحركة التي تعبر عن رغبته في أن يتعلم أشياء كثيرة، ولديه ملكة اتخاذ القرار؛ لأنه يريد أن يعتمد على نفسه، ويتعلم أشياء جديدة؛ لذا على الآباء إعطاؤه الثقة بنفسه، والثناء على كل شيء جيد يفعله، وعدم استخدام أسلوب القسوة والنقد المستمر، ومعاملته باحتواء كاف؛ حيث أن لذلك تأثير على شخصيته؛ فيصبح شخصاً متوازناً وقيادياً وناجحاً، ويشير “بيتر دراكر” إلى أن القيادة يمكن تعلمها .. ويجب تعلمها؛ لذا يجب مساعدته على تحقيق الأهداف، وإعطاؤه الفرص في اختيار ما يحب.
أخيراً .. إن تعزيز صفات القيادي لدى الطفل الموهوب ليس بالأمر المستحيل إرساؤه لدى طفل يمتلك تلك المهارات بالفعل، كذلك يمكن المساعدة في إكسابها للطفل الذي لا يمتلك تلك المهارات، وكل ذلك يقع على عاتق الوالدين؛ لذا على الوالدين الحرص على توفير بيئة صالحة لطفلهما يعيش فيها، وإعداده على الصفات الحسنة والإيجابية، وجعله ناجحاً في أمر أو أكثر، وإيجاد جو من الصداقات الصحية له، واستثمار سنوات الطفولة الأولى في تعليمه المهارات اللازمة في بناء شخصيته، وتدريبه على مواهب مختلفة، فكلما كانت طفولته زاخرة بكل ما هو مميز، ومليئة بالحب والحنان والمتابعة، وإشراف واع من الأهل؛ كان الطفل ذا شخصية قيادية متوازنة يتأثر، ويؤثر في الآخرين تأثيراً إيجابياً.