بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

باه .. متى تشتري لي سيكل ؟!..

زايد بن خليفه الشكيلي

مدرب معتمد في إدارة التغيير

 

باه .. متى تشتري لي سيكل ؟!..

 

عزيزي القارئ .. لعلك تستغرب عنوان المقال ولكن لا بأس في ذلك فالطرفة مطلوبة كي نصنع الإبتسامة على محياك الجميل سائلاً المولى عز وجل بأن يكلل مساعيك بالتوفيق والنجاح.

اليوم سأبوح لك بسر ، وهو قصة أحدثت الكثير من التغيير في حياتي وهي قصة تحكي خطورة منح الوعود الكاذبة وتأثيرها على مختلف مستويات الأعمار ، وأهمية الوفاء بالوعود لما لها من دور في تأصير روابط التلاحم والتعاون والمحبة والثقة بين الطرفين.

في أحد الأيام وبينما الإبن كان منهمكاً في مراجعة دروسه ، دنى منه والده بكل حنان تشجيعاً منه وتقديراً لما يبذله الإبن من اجتهاد حتى يحقّق أعلى مستويات النجاح ، فسأل الأب إبنه المثابر المخلص : كيف هي المراجعة يا بني ؟ أجابه الإبن بكل فخر لا تخف يا أبي سأرفع لك رأسك بنجاحي المبهر وبأعلى المستويات ، ثم أردف الأب سؤاله الأول بسؤال آخر : هل تحتاج لشيء يساعدك لفهم دروسك يا بني ؟ أجاب الإبن : كلّا يا أبي ، ولكن حلمي أن امتلك سيكل (دراجة هوائية) ، فأجابه الأب مباشرة : لا يهمك يا بني أنت فقط حقّق النتيجة من دراستك ، وبعد إنتهاء المدرسة أعِدُك بأني سأشتري لك أروع سيكل وحسب ما تتمنى.

تلملمت خيالات السعادة لدى الإبن وزاد حماسه على المذاكرة ونظرته المستقبلية بأن يمتلك ذالك السيكل الذي سيمرح به مع أصحابه ويتباهى ويستمتع به ، وما أجمله من حلم رغم بساطته ؛ فطلبه للسيكل لا يعني بتلك القيمة المكلفة ، والأب يعمل بسمت وظيفي راقٍ ، ولديه من الثراء الكثير ، والابن لم يطلب أن يسافر أو مكافأة قد تكلف الأب مئات الريالات ؛ فقيمة السيكل بقدر أحلامه الصغيرة المتواضعة.

اكتمل العام الدراسي ، وحصل الإبن على درجة عالية جداً ، وجاء وملامح السعادة ترتسم على محيّاه وتطير به أجنحة التفاؤل ليبشر والده بتلك النتيجة ، وفرح الأب بهذا الإنجاز وبكل حماااس سأل الإبن أباه ، متى سنذهب لنشتري السيكل يا أبي ؟ فنتيجتي حسبما انت تمنيتها ، ورفعت بها مقامك بين الجيران والأهل .. فأجاب الأب بكلمه واحدة “غدا” فابتسم الإبن وامتلأت أشجانه بسعادة غامرة ، وأخبر أصحابه وأبناء أعمامه بأنه سيذهب غداً برفقة أبيه ليشتري السيكل الذي يريد.

وفي اليوم التالي استيقظ الإبن وصلّى الفجر ، وتناول فطوره وانتظر والده حتى يجهز ؛ فسأل أباه من جديد : متى سنذهب لنشتري السيكل يا أبي ؟ فأجاب الأب وبكل استغراب “أخبرتك غداً يا بني”!! ، فقال الابن : نعم يا أبي ، ولكنك قلت لي بالأمس إننا سنذهب لشرائه اليوم .. فأجاب الأب وبكل خداع : “أنا لم أقل اليوم بل قلت لك غداً” ، وهنا وقع الابن في حيرة من أمره متسائلاً : هل أنا غبي أم أن أبي يحاول خداعي ؟!! ، ولكنه أبيه ، ولا يمكن أن يظن السوء بكلام والده ؛ فأجاب والده بكلمة : “إن شاء الله يا أبي” ؛ ما تراه مناسباً ، لك الطاعة.

وعند لقائه بأصحابه الذين كانوا ينتظرون الابن أن يحضر بسيكله الجديد ، ولكنه للأسف جاء ماشياً ، فسألوه أين السيكل الجديد الذي حدثتنا عنه ؟ فأجابهم : إن أبي منشغل كثيراً هذا اليوم ، وغداً بإذن الله تعالى سنذهب لشرائه ، واستمرت الحكاية كل يوم بهذه الطريقة والأب يردد “لم أقل لك اليوم قلت لك غداً” ، وأصبح الابن أضحوكةً أمام أصحابه الذين قد اشترى لهم آباؤهم سيكلاً جديداً ، والمصيبة الأعظم بأنهم كانوا قد حقّقوا النجاح ولكن بشكل أقل من الابن بفارق كبير.

رجع الابن لأبيه بعد مضي عدة أيام ، وتملأ ملامحه العصبية والزعل ، وسأل والده : متى ستشتري لي السيكل ؛ فأجاب الأب بنفس الإجابة المتكررة : “أنا لم أقل اليوم بل قلت لك غداً” ، وبكل الزعل أجاب الإبن شكراً يا أبي لا أريد ما طلبته منك ولا داعي لأن تكلف نفسك ، وهنا أجاب الأب ولده يا بني أردتك أن تتعلم أمرَيْن أساسيَّيْن في هذه الحياة :

الأول : غداً لا يأتي “Tomorrow Never Come” ، فلا تقبل أثناء نقاشك في أي مهمة أو مصلحة لك أن تؤجل للغد ؛ فأنت قد عشت الماضي ، وتعيش لحظتك فقرر فيها وانْهِ كل الأمور العالقة ودعك من الغد ؛ فهو بيد الله ، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.

الثاني : يجب عليك ألّا تتحدث بشيء لم يتم بعد ولم يتحقَّق لأي أحد ، واقضِ حوائجك بالكتمان ، وأنا أعلم بأنك قد أخبرت أبناء الجيران وأبناء أعمامك بأمر السيكل ، وهذا يخلق نوعاً من الشعور بالكبرياء والضغينة ، وربما سيكيد لك الآخرون ، ويتوجب عليك ألا تتحدث عن أهدافك إلا بعد أن تتحقق.

أيقن الابن ما حرص عليه والده لإيصاله له من نصيحة ، وقد حرص أن يلقِّنَه إياها عملياً ليس فقط بالتحدث والكلمات التي قد تذوب من الفكر ، والقناعات تتلاشى بمجرد الانغماس في خضم هذه الحياة.

وأنت أيها المسؤول في بيئة العمل ، وأيها الأب -ربُّ الأسرة- يجب ألا تُعطي وعوداً كاذبة ، ويجب أن تُبَرِّر بكل الشفافية ، وتنتهج نفس نهج هذا الأب الذي حرص على التوضيح لابنه في الوقت المناسب ؛ لأنه كان يدرك تماماً بأنه ربما سيفقد احترام وولاء الابن وطاعته له ، فبمجرد ما استشعر ذلك من خلال ملامح الإبن وجب توضيح الأسباب ولماذا تصرف الأب بهذا التصرف ، فكثير من الأحيان في بيئة العمل خاصة ؛ تحدث الكثير من الوعود التي هي غير قانونية ، وبالتالي تنتشر وتعم الفوضى بين المسؤولين والعاملين وتنحدر مستويات الولاء للمؤسسة ، وذلك بسبب وعود كاذبة لم تتحقق ، وحتى في نطاق الأسرة يفقد الأب مصداقية الأبناء وطاعتهم وينتشر التمرد فيما بين الأخوة وحتى مع والدهم في مثل هذه الأمر ، وقد نبّه الخبراء وعلماء النفس فيما يتعلق بعلم السلوك ، فلا رابط أقوى من الصدق والصراحة لتبقى الأمور مثلما هي ثابته ومستقرة ومستمرة وتستمر الحياة بها.

ولعل باب الحكمة والقواعد الشرعية الدالة على أهمية الوفاء بالوعود ، وما لذلك من أهمية بالغة في سلامة المجتمع بشكل عام فإن القاعدة الشرعية تقول (من ألزم نفسه بشيء ألزمناه إياه) ؛ فلنلتزم بالوفاء حتى تتبارك أمورنا وتتحقق مساعينا ، فما نراه في أيامنا الحاضرة وللأسف ما هو الّا غياب الوازع النفسي بالوفاء بالوعود فيما بين الناس ومن أروع ما قيل في ذلك من أبيات :

إِذا اِجتَمَعَت الآفاتُ فَالبُخلُ شَرُّها .. وَشَرٌّ مِنَ البُخلِ المَواعيدُ وَالمَطْلُ

وَلا خَيرَ في وَعدٍ إِذا كانَ كاذِبًا  .. وَلا خَيرَ في قَولٍ إِذا لَم يَكُن فِعْلُ

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى