بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

حـوض سـمـك..

ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

صانعة محتوى ، ومدربة في مجال اكتشاف وتنمية الذات

 

حـوض سـمـك..

 

سمكة جميلة، رائعة المنظر، تتحرك بانسيابية مطلقة، في مكان ضيق له شكل محدد، ربما تكون وحيدة وحولها عدد هائل من الأحجار الملونة، وحتى ربما تكون مع سمكة من نوع آخر لا تألفه، توهمك بأنها على ما يرام، وأنت سعيد لأنك تمتلكها، تطعمها وقتما تريد، تنظر إليها عن كثب حينما تحب، وتتجاهلها بالأيام بسبب انشغالاتك .. هكذا روحك..

هل سمعتني عزيزي القارئ ؟.
هل تخيلت حالة السمكة ؟. ربما أنت تمتلك سمكة بالفعل وتعتني بها.
ولكن لم يخلق الله الأسماك لتعيش في أحواض زجاجية، ولم تخلق لتزيين منازل البشر، لقد خلقت لتعيش في بيئة تناسبها واسعة لا محدودة، تتخبطها الأمواج تارة، وتمشي مع مجموعات السمك تارة آخرى، تنتقل من محيط إلى نهر، وهكذا.

ونحن أيضا لم تخلق أرواحنا لتكن سجينة الأفكار السلبية والخوف من كل ما هو جديد، والسير على نهج القدامى بلا منطق واعٍ.

عزيزي القارئ أنت لست سمكة.
أنت مكرم ولك حرية القرار، ربما السمكة مسكينة أجبرت على ما هي عليه الآن.
أما أنت، أنت حر شئت أم أبيت.
لماذا تحتجز روحك في صندوق ضيق يثير قلقك أكثر من اللازم، تحرر، عش كما يليق بالأحرار العيش.

كل خطوة جديدة تفكر فيها مائة ألف مرة، ومن ثم تتراجع؛ إلى متى؟.

التخطيط أمر جيد، والاستشارة خير ما يفعله المرء لنفسه، ولكن في بعض الأحيان عليك أن تدفع نفسك وتجبرها لتعيش التجربة في أمر ما تخشاه.
لا تخبرني كم أنت حزين، ولا كم خاب ظنك في الناس، ولا كم مرة حاولت وخذلتك المحاولات، ولا كم خطوة اتخذتها وردتك الخيبات محسورا.
أنت مازلت تتنفس، صحيح؟
إذن عليك بالمحاولة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
حاول مرة ومرة ومرة حتى تستغيث المحاولات منك.

قال لي أحدهم جزاه الله خيرا جملة لن أنساها يوما “المجنون الذي يكرر نفس الخطوات والتصرفات في كل محاولة وينتظر نتيجة مختلفة”
ربما علينا تغيير الطريقة وليس الطريق.
أنت إنسان تذكر ذلك.
حاول أن تتعرف على أشخاص جدد بطريقة مختلفة غير التي اتبعتها مع الذين خذلوك.
حاول أن تبدأ عملا جديدا بخطة مختلفة عن التي اتبعتها آخر مرة.
حاول أن تكتسب عادة جديدة سهلة غير أن تحقق رقما قياسيا في 3 أسابيع.

حاول أن تعيش.
لا تنتظر أن ينظف أحدهم حوضك من الأحزان، أكسر الحوض وجرب أن تطير.
لا تنتظر أن يلقي لك أحدهم 5 حبيبات من نفس الطعام كل يوم، صم عن الماضي ودعه يرحل بلا عودة.
لا تسبح في المياه بلا هدف، جدّف حتى تصل إلى البر الذي ترضاه.
إبحث عن الشمس بداخلك لتفتت ظلام المجهول.

كلماتي هذه لم تقرأها عبثا؛
لا أدري من أنت ولا من أي مكان تقرأ كلماتي، ولكن ما أنا على يقين منه، أن تلك الكلمات هي لك، حرفا حرفا، شابا كنت أو شيخا.
أنظر إلى سمكتك ثم انظر إلى نفسك، ما الفرق بينكما، كلاكما محبوس.
أنظر إلى قفص عصفورك، ثم انظر إلى السماء الواسعة، وفكر كم هو طائر حزين ومقيد، وإن كان بدى عليه الاستسلام، وتكيف وتقبل بما هو متاح .. أنت قادر..

لم يخلقك الله ويجعلك سيد هذه الأرض عبثا.
أنت الذي تحلم به في خيالك.
فقط تحتاج أن تأخذ خطوة من أجلك أنت، خطوة تناسبك أنت، خطوة غير مربوطة بأحكام الآخرين وآرائهم.
لا تتكيف مع القاع، فأنت خلقت لتسكن القمة.

تجاوز عما مضى.
لديك الوقت لا أحد يجري وراءك.
سعيك في حد ذاته بطولة.
أنت لست مطالب بتسليم واجبات في نهاية العمر.
أنت مطالب بالسعي المخطط له بما يتناسب مع شغفك وطموحك.
قد نشاهد أحيانا في مقاطع الفيديو أسد يحمي غزالة، وذئب يلعب مع قطة، ربما هم أيضا تخلوا عن وحشيتهم لبعض الوقت ليجربوا شيئا تهدأ أرواحهم فيه.

صمتك، استمراريتك، ثباتك، لا يدل على النجاح، طالما تحمل في صدرك بركان يغلي ويثور كل ليلة، وتنام وجوفك يحترق من لاشي.
اليوم تتحمس فتهتم بنفسك وغدا يصيبك الفتور فتهملها.
تبحث طوال الوقت عمن يهتم بك، أين أنت من نفسك؟.
تبحث طوال الوقت عمن يحبك بالطريقة التي تريدها، بالورقة والقلم، لماذا لم تحب أنت نفسك؟.
تبحث، ترضى بالقليل، تتنازل عما لا يُتنازل عنه، تبكي، تهدأ، تثأر، تعود، تبعد، تفقد شغفك، تنطفئ، ثم تنتظر في عتمتك، أن يدخل أحدهم ليضيئها من جديد، ونعيش تلك الصراعات من جديد.

لا تقيد نفسك بمصطلحات وأفكار وكلمات لا تمثلك إنما ترددها؛ لأنك أصبحت تألفها وترمي بها ثقل المسؤولية التي أضعتها.
أنت تدرك ما أعنيه من دون أن أوضح أكثر.
وعن تجربة، أقول لك أنت لست سمكة في حوض، ولا عصفورا في قفص، أنت حر وقادر.
حاول مليون مرة، لأن في كل مرة تحاول ستكسب نقطة لنفسك أمام روحك.

وفي الختام، إعمل خيرا في نفسك، وأحبها واهتم بها طول الوقت، وحافظ عليها واحمها؛ مثل ما تحب أمك وأخواتك وابنتك وابنك وأصحابك وزوجك ومديرك و و و.
وإن كان لبدنك عليك حق، فلروحك وقلبك عليك حق.

دمت لنفسك ملاذاً.

تعليق واحد

  1. جميل جدآ وربما الاغلب يعتبر بأن بداية السنة الجديدة هية محطة تغيير واتى هذا المقال في وقتة قبل لينير طريق المتسألين و الحائرين مع انفسهم شكرآ لك على هذا الابداع كل التوفيق لك دائمآ استاذتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى