بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

مـوائـدنـا الـخـالـيـة..

مـريـم الـشـكـيـلـيـة

 

مـوائـدنـا الـخـالـيـة..

 

مع مرور الوقت وتراكم خبراتك ومواقف الحياة معك ستدرك حقيقة ساطعة بأن كل شيء يزول ويتغير ويصدأ كل شيء يتحرك ويقترب ثم يبتعد إلا الأسرة فهي الثبات الوحيد الذي يبقى لك ومعك.

هذه حقيقة لربما قد نتأخر في إدراكها أو قد لا ندركها إلى الأبد وهي حقيقة أهمية الأسرة ودورها … في ظل الحياة العصرية التي نعيشها.. هناك أسر تعيش حياة فوضوية وجزئية كل فرد فيها كأنه يعيش في جزيرة منفردة ومنعزلة عن غيرها…. في السابق كانت الحياة على بساطتها ومحدودية دخلها وإطلاعها بالعالم الخارجي وسهولة متطلباتها إلا إنها كانت حياة تتسم بالإستقرار والأمان والرضى والمحبة تجد كل أسرة مع بعضها البعض تتشارك في تفاصيل الحياة البسيطة من بينها المشاركة اليومية للوجبات الغذائية الأساسية وفي زمانهم تعتبر هذه المشاركة من الأشياء الأساسية التي لا يتخلف عنها الكبير أو الصغير بحضور رب العائلة ونادرا” ما تجد شخص يأكل وجبته منفردا وإن حدث يكون لسبب أو لآخر.. في إعتقادهم الراسخ بأن المشاركة وتجمع الأسرة لتناول وجبة الطعام هي من البركات وتدخل أيضا من تقاليد وعادات حياتهم وبيئتهم وهويتهم العربية الشرقية وهي أيضا أشبه في كونها تجمع أسري للتحدث أو النقاشات في ما بينهم وهم على السفرة الواحدة وليس هذا فحسب أيضا من خلالها يتعرف أفراد الأسرة على أخبار بعضهم البعض وحال بعضهم البعض ولا يمكن لفرد منهم أن يتخلف عنها بأي حجة كانت فالكل يتفق على أن المشاركة هي من سماتهم الشخصية ومعتقد لا يمكن الإنفصال عنه حتى وأن كان الطعام قليل ففي أيام أجدادنا هناك ندرة لبعض الأطعمة وقله في البعض الآخر رغم هذا إلا أنهم يحرصون على مشاركة القليل فهذا القليل هو بركتهم.

اليوم تمتلئ المائدة ويقل المحيطون حولها نعيش في فوضى عارمة من تضارب أوقات بعضنا البعض لم تعد هناك تلك القدسية لتناول الوجبات مع الأسرة الواحدة أصبح كل فرد فيها له وقت وجبته كما له أوقاته في الخروج والعمل وغيرها من أوقات قضاء يومه.. القليل اليوم هي الأسر التي تحرص على تلك المشاركة والتجمع حول مائدة الطعام اليومية فقدنا حس وشعور الألفة حتى أصبحنا لا نتلذذ بطعم ما نتناوله ونحن تحت رحمة السرعة والحياة المتسارعة حتى البعض منا فقد تلك اللحظات الجامعة تلك الدقائق التي تجمعه مع أفراد الأسرة ليس فقط للطعام فحسب وإنما للشعور بأننا عائلة واحدة.. إن الحرص على أهمية الإلتفاف حول موائد الطعام ليس فقط للأكل وإنما هذه الموائد هي جامعة للأفراد تقربنا من بعضنا من خلالها يتنامى شعور بعضنا البعض فرصة للحديث للنقاشات لتعزيز العلاقات القوية لماذا في شهر رمضان المبارك تجتمع العائلة الكبيرة والأسرة الصغيرة مع بعضهم لتناول وجبة الإفطار ثلاثين يوماً تشعرك بفيض من الإحساس العميق بأسرتك؟ لماذا لا تكون كل حياتنا رمضان؟.

وإننا في وطننا العزيز الحمد لله لاتزال الأسر تحافظ بقدر المستطاع على قيمة الاجتماع حول المائدة ولو بشكل غير يومي وهذا أيضا بسبب ما فرضه واقعنا وحياتنا المعاصرة وخروج أغلب أفراد الأسرة للعمل وغيرها من المواعيد التي تلزم الفرد على عدم التواجد أحيان في وقت الوجبات ولكنني أتحدث هنا عن الأسباب الوهمية أو حتى بدون سبب فقد أهمية التواجد ولأن الكثيرين منا أصبح هذا الأمر غير ملزم ولا يحضى بالأولوية وحتى مع الأسف أن إجتمعنا يحرص البعض على الإمساك بهاتفه ويقضي طوال تناوله للطعام في تصفحه فقط حضور جسد بلا روح حول المائدة.

إن لم نفعل شيء أو لم ندرك ما نحن نخسره فلا يمكننا أن ننتبه إننا نفقد شعور في غاية الأهمية وهو مشاركة موائد الطعام مع أفراد الأسرة يجب علينا أن نعيد لملمة شتاتنا وإعادة إستقرارنا وحزام الأمان الذي يربطنا مع بعضنا يجب علينا أن نكبح جماح سرعة الحياة من حولنا التي تأخذنا حتى من أبسط حقوقنا وهي المشاركة لنعيد لبيوتنا وموائدنا صخب ونبض الحياة فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى