بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

عشق بــ “التركي” و قتل بــ “المصري” !!..

يـوسـف الـبـادي

فـنان تشكيـلي وكاتب

 

عشق بــ “التركي” و قتل بــ “المصري” !!..

 

أولا .. أبارك للأرجنتين انتصارها المستحق في كأس العالم.

وبينما رفع الارجنتينيون كأس الإنتصار بملابس الأبطال ، كان غيرهم يعد برفع أعلام الشواذ إذا نالوه هم!!.

وميسي .. قائد منتخب الارجنتين ، كان له التأثير الواضح في الملعب ، وليس أقله على جمهوره ، كقصة شعره التي قلدها الكثير من معجبيه وقصّوا شعورهم تشبهاً به ، وكان له الأثر الملموس في ارتفاع مبيعات “البشوت” بعد أن لبس البشت العربي لحظة التتويج.

* * * * * *

أما أحد أصدقائي .. فقد أخبرني أنه شاهد فيلما سينمائاً ، تحكي قصة رجل أعمال قدم من دولة ما ، وراهنه صاحبه في الدولة المستضيفة على رقم في ملعب للكرة إن توقع المستضيف الرقم الذي يدور في ذهن الضيف فعلى الضيف دفع عشرة ملايين دولار له ، وإن أخطأ سيكون العكس.

وفي لحظة المراهنة ، توقع المستضيف أن الضيف اختار الرقم (٥٥) من رقم مكتوب في أحد قمصان اللاعبين ، وكان التوقع صحيحاً ، ودفع الضيف مبلغ الرهان.

كيف حدث هذا ؟!!..

كانت الرحلة كلها مدفوعة التكاليف من قبل المستضيف..

وفي الطائرة .. كان قد حجز له المقعد (٥٥) ، واستقبله سائق سيكون معه في قادم الأيام نهاية رقم هاتفه (٥٥) ، ورقم غرفته في الفندق بالرقم نفسه ، وخرجت مظاهرة مصطنعة يطالب فيها المتظاهرون بإلغاء القانون رقم (٥٥) ، وكانت الأحداث كلها دائماً تصب بتنظيم دقيق ليكون هذا الرقم دائم الحضور.

وجاء يوم الرهان واختار الضيف هذا الرقم لأنه كان الرقم الذي طبع في ذاكرته ، حيث كان الرقم الأهم في يومياته العشر السابقة.

وهذا يؤكد ما قالته الكاتبه “سوزان سونتاج” حين قالت : ” إن النصوص تستطيع أن تجعلنا نفهم ، أما الصور فهي تفعل شيئاً آخر ، إنها تسكننا”.

* * * * * *

في عام ٢٠٠٨م عرض في قناة “أم بي سي” مسلسل “نور” التركي ، وتقول الإحصائية أن عدد مشاهدات الحلقة الأخيرة بلغ  ٨٥ مليون مشاهد.

وكان لهذا المسلسل أثر سلبي لمسته المجتمعات العربية تحديداً ، بالرغم من أن حلقاته الــ (١٧٥) تتناول قصص من العشق والغرام ، لكنها تسببت بالكثير من حالات الطلاق والخلاف الأسري التي اشتعلت بسبب تأثير أحداث المسلسل ومعطياته.

* * * * * *

تلك المشاهدات وما تلاها من مسلسلات تركية ، كانت تبث في بيوت الاسر ، تلامس الأنثى تحديداً ، تذهب بها إلى خيالات بعيدة ، تصور لها بأن زوجها عليه أن يكون نسخة من “مهند” (بطل مسلسل نور) ، البطل الوسيم ، الذي اختار له المخرج أجمل الزوايا لظهوره ، مهند المتحدث بكلمات الحنان والمشاعر التي كتبها غيره .. وقالها مهند بصوت عذب ، تصاحبه موسيقى تثير تلك المشاعر وتؤكدها.

بينما “مهند” الواقعي (كيفانش تاتليتوغ) كان قد ارتبط بهدف الزواج بملكة جمال تركيا ، وملكة جمال العالم بطلة مسلسل : “موسم المطر” التركية “عذراء أكين” ، والتي أعلن انفصالهما بعد علاقة عاطفية فاشلة ، ثم كان هناك إعلان عن انفصال آخر بعد علاقة عاطفية مع عارضة الأزياء الفرنسية “يوجين فلورنسا” ، وتزوج أخيرا من صديقته التي تحولت لحبيبته بعد انفصالها هي من زوجها  عام 2016م.

* * * * * *

و لأن الجماهير غير موجهة من قبل المخ في حال الإثارة و التحريض بل يتصرف على هواه ؛ حسب ما ورد في كتاب “سيكولوجية الجماهير” لكاتبه “غوستاف لوبون” ، فإن مثل هذا المسلسل انقلب تأثيره كأمثاله ، إلى أمنية تضج بالإلزام أن يكون كل الرجال مثل “مهند” الدرامي ، وليس “كيفانش” الإنسان الذي يغضب ويقول ما يقوله الناس ، ويلبس ما يلبسونه ، ويتحدث بلا شموع محيطة أو موسيقى مصاحبة ، لكن صورة مهند في المسلسل هي التي تمنت زوجات لسن بالقلائل أن يكون زوجها كمهند ، بالرغم من أن زوجها قد يكون الأفضل منه ، لكن الصورة البصرية ، و الأحاديث والتعليقات الاجتماعية المتداولة هي ما ساعد أن يكون “مهند” هو المثالي في أي علاقة .. وضَجَّت بيوت الزوجية برفض الآخر ، فلا الرجال يرون زوجاتهم “نور” و لا النساء تراهم “مهند”.

* * * * * *

وحين تُصدر مسلسلات تركية واقعاً مبالغاً فيه ؛ تنطلق أفلام أخرى ومسلسلات ، تصرخ بنبرة عالية أن من يراني عارية ، حتى وأنا في شهر فضيل ، ولسان حالها يقول :

ها أنا ذا التي سأكمل ما يمكن أن يحصل في البيوت ، حين لا تجد تقبُّلاً للحياة بمنطقيتها وفطرتها.

تصرخ حيناً : أقتل ومن بعدك الطوفان..

القتل .. إنه الحل الأسهل لتطبيقه درامياً ، ضغطة على زناد المسدس وتنتهي المشكلة ، ليبدأ تطبيق هذا السيناريو السهل في الشارع  واقعياً ، كما طبقه قاتل الطالبة المصرية “نيِّرَة” الذي هام بها عشقاً ، والذي طعنها ١٣ طعنة بدم بارد حتى الموت ، على أن الإعلامي “إبراهيم عيسى” وبدم بارد أيضاً يخرج للناس ليقول أن سبب إنتشار هذه الجرائم جماعة الإخوان المسلمين!! ، متناسياً أن دماء الإخوان المسلمين أنفسهم استبيحت في “ميدان رابعة” في ١٤ أغسطس ٢٠١٣ بعد تأثير إعلامي قوي ، كان هو أحد المؤثرين ، ولقي حينها أكثر من (٦٣٨) شخصاً مصرعهم في ليلة واحدة ، حسب إحصائية وزارة الصحة المصرية.

وتدعو الدراما في مشهد آخر للضرب ، وضرب النساء تحديداً : أصفعها فما فاز إلا ضربها ..

ودعوة أخرى للخيانة المبررة .. كالتي بُرِّرَت كوميدياً في فيلم من بطولة “تامر حسني” ، وبرزت بين الكلمات الشتائم ، لتصبح هي الأصل وليس الفرع.

وأكثر من هذا باتت تحمله إلينا الدراما المصرية بشقيها التلفزيوني و السينمائي.

وكانت “الموضة” التي يتم تطبيقها في الشارع المصري وخارجه كــ “موضة” ، أيضاً حين يشاهدها الناس ، وأصبحت أمراً اعتيادياً يرونه أمامهم بكثرة ، وكان القتل هو الخلاص السهل لحل المشكلات ، والخيانة للانتقام ، والتدخين للتفكير ، والخمور للسعادة ، والعلاقات المحرمة كعادة فطرية .. إنها صور كثيرة انطبعت فينا ، وكانت اشكال المجون والقتل في شاشاتنا كالرقم (٥٥) رهان علينا ، لنختارها ، فقد حُفِرَت فينا طوعاً أو إجباراً !! .. إذن .. فماذا تراه سيكون ؟! .. أرى ان الواقع أفضل الأجوبة على كل التساؤلات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى