للـظـروف والـضـرورة أحـكـام..
رحـمة بنت مبارك السـلـمانـية
للـظـروف والـضـرورة أحـكـام..
ليس جميع البشر يهتمون للماركات والعلامات التجارية الشهيرة، وليس بالضرورة أن يشغل كل شخص نفسه بمعرفة أشهر الماركات التي تفرزها تقليعات الموضة في كل لحظة، فهناك ما هو أهم من ذلك في الحياة، فلا ضير في أن يرتدي شخص ما ملابس عادية بدون ماركة عالمية، ولا ضير في أن تحمل فتاة حقيبة أو ساعة يد مقلدة لا تزيد قيمتها عن بضعة ريالات، ولا يشترط أن ترتدي عباءة من دار الأزياء الفلانية أو من (البوتيك) الفلاني، ولا ضير في أن يقود شخص ما سيارة عادية رخيصة، ولا ضير في أن أشرب قهوة عادية أو شاي تقليدي، فليس بالضرورة أن أشرب قهوتي في المقهى الفلاني، الذي يتزاحم فيه المولعون بالاستعراض من أصحاب الملايين وأصحاب البيسات – الذين لا يجدون منتصف الشهر مائة بيسة في محافظهم لشرب كوب شاي من مقهى عادي -، فأصحاب الماركات ومن هم دونهم جميعهم يتنفسون الأكسجين وينفثون ثاني أكسيد الكربون، لا أحد منهم ينفث هيدروجين أخضر، كما وليس بالضرورة أن أتخلص من أثاث منزلي سنوياً من أجل التجديد، أو أن أسافر سنوياً شرقاً وغرباً لاستعرض سفراتي وجولاتي، بالمختصر فإن الموضوع يعتبر حرية شخصية وكل شخص يقدره من وجهة نظره الخاصة.
هناك فئة من المتشدقين يدّعون أنهم نجحوا بتحقيق التوازن المالي والاقتصادي في حياتهم والعيش الرغد عن طريق الادخار، ودون اللجوء لأخذ سلفة أو قرض، وبعيداً عن أية شكاوي أو أزمات، وأن معظم الناس يلجئون للاقتراض عبثاً وترفاً، وأن كل شخص بإمكانه أن يعيش حياة سعيدة ويحصل على جميع رغباته وحاجاته دون قروض، فيتقمصون شخصية المحلل المالي والخبير الاقتصادي، وهم في الواقع لا ناقة لهم في ذلك ولا جمل، فيفرضون أراءهم الخاوية من المنطق البعيدة عن الواقع، ويستعرضون عضلاتهم وهم يضعون تصوراتهم الهوجاء، ويطرحون فرضياتهم العمياء والعرجاء، متظاهرين أنهم في النصح كرماء، ويقدمون خدماتهم المجانية بحب وسخاء، متناسين أن هناك فئة غير قليلة من الأشخاص الذين يتقاضون رواتباً ضئيلة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وتكاد لا تفي حتى بالالتزامات الضرورية والمتطلبات الأساسية للحياة الكريمة، في الواقع ليست كل القروض للكماليات أو للتباهي بالمظاهر والسفر، كثيرون هم من أجبرتهم الظروف على الاقتراض ليس لمجرد الاقتراض وليس رفاهية أو مجرد بذخ.
عندما يسأم شخص ما من مصارعة الألم، وتأخُّر المواعيد في المستشفيات الحكومية، وتردده على المراكز الصحية والعيادات الخاصة، وكثرة الزيارات والمواعيد فيها ومقابلة الاستشاريين، وأخذ الأدوية والعقاقير ومراجعة التقارير واتباع الخطط الطبية والجلسات والوصفات العلاجية التي بلا فائدة تُذكر، حينها يقترض من أجل العلاج في الخارج بعد معاناة طويلة وجملة من التجارب العلاجية الفاشلة، أملاً في أن يحظى بفرصة للتعافي وحب الحياة، كذلك حينما يشتري شاب سيارة جديدة عند بداية حصوله على وظيفة، فإنه أراد أن يضمن سهولة وسرعة تنقله بواسطتها من وإلى مقر عمله، وأيضاً بقاءها بعيدة عن الأعطال خلال السنوات الأولى على الأقل، ويحافظ على ما يتبقى من راتبه لينتفع به في جانب آخر، عوضاً عن أن يدفعه لقاء التصليحات المتكررة لسيارة متهالكة، وعندما يبحث عن أقرب سكن لموقع عمله، فإنه يحاول أن يقلل من قطع مسافات طويلة بين عمله وسكنه؛ لتقليل استهلاك بنزين السيارة وتجنب تبعات ارتفاع أسعاره.
عندما يسارع شاب في الحصول على قرض للزواج أو بناء مسكن، فإنه يعلم أنه كلما تقدم في العمر كلما قلت قيمة القرض الذي سيحصل عليه، وبذلك ربما سيتعثر مشروعه أو يتأثر ويتأخر أو ربما يندثر، ولأنه لا يرغب في أن يقضي نصف عمره في شقة أو منزل بالإيجار ليدفع ماله هباءً منثوراً، ويعلم أنه بعد الزواج سينجب الأبناء وستزداد الالتزامات والمسؤوليات وتكبر العائلة، وربما لن يستطيع بناء مسكن خاص به أبداً فيصبح حلمه أدراج الرياح، وعندما يبني منزل كبير فإنه أراد بذلك أن يضمن مكان يعيش فيه هو وأبناءه وزوجاتهم وأولادهم؛ حتى لا يضطر أبناءه لاستئجار منزل في ظل شح الأراضي السكنية وتأخر الحصول عليها، وارتفاع أسعار العقارات وإيجارات المساكن، وغلاء المعيشة وقلة توفر الوظائف وزيادة الضرائب.
حينما يدفع الأب مبالغ باهظة مقابل دروس خصوصية لابنه، في ظل صعوبة بعض المناهج الدراسية وتقصير بعض المعلمين وتقاعسهم عن أداء الرسالة على أكمل وجه، فإنه لا شك أراد أن يضمن حصوله على مستوى تحصيلي عالي يؤهله لولوج جامعة أو كلية يكمل فيها دراسته، وحينما يقترض ليدفع تكاليف دراسة ابنه في جامعة مرموقة، فإنه يفعل ذلك طمعاً في أن يحصل ابنه على وظيفة جيدة يتقاضى منها راتباً كافياً لسد احتياجاته، ويجنبه أن يكون عالة على غيره مستقبلاً، وحتى لا يضطر أن يعمل كسائق سيارة أجرة، أو مندوب توصيل بعد انتهاء دوامه الرسمي، ولكي لا يفنى عمره وهو باحث عن عمل، سيضطر بغض النظر عن مؤهله وتخصصه للعمل في صهريج نقل مياه للشرب، أو في سيارة بيع الغاز أو في شاحنة نقل عام، أو سائق حافلة مدرسية، أو في كرفان لتقديم الوجبات الغذائية على جانب الطريق، أو يحاول أن يبحث عن دخل آخر أو أي حرفة يتقنها؛ ليغطي مصروفات العائلة الضرورية، أو على الأقل يسدد جزء من فواتير الكهرباء والمياه والهاتف والانترنت، أو لمجرد أن يتفادى مد يده للغير.
قد يلجأ شاب إلى صندوق الرفد أو شركات التمويل لتمويل لمشروعه المميز والفريد من نوعه، الذي يظن أنه سيصبح رائداً ورائجاً مع مرور الأيام ويكون مصدر دخل يعتمد عليه لإعالة أسرته، فيصدمه الواقع بخسارة فادحة تكلفه عرض بعض ممتلكاته للبيع في مزاد أو حتى البيت الذي يعيش فيه، وتلاحقه الشيكات المرتجعة والرسوم والضرائب من كل حدب وصوب، وفي نهاية المطاف يعود بخُفَّي حُنين، ثم يلجأ إلى بث شكواه عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعدما عجز عن الحصول على حل أو رد من الجهات المعنية.