صحبة الأخيار وآثارها على الإنسان..
خالـد عـمـر حـشـوان
صحبة الأخيار وآثارها على الإنسان..
أن المؤشر الحقيقي للإنسان هو الصحبة التي يختارها لنفسه لذلك قالوا في الأمثال: “قُل لي من تُصاحب، أقولُ لك من أنت” وهو ما يؤكد أن الناس يُقيِّمون صَلاح المرء أو فساده من خلال هذه الصُحْبَة لأنها من المؤثرات الرئيسية في تكوين الشخصية ورسم معالم السلوك والأخلاق لدى الإنسان فإن كانت صحبة لأهل خير، كانت له دواء وإن كانت لأهل شر تكون له داء، والأخيار تعني جمع خَيِّر، والخَيِّر هو الإنسان كثير الخَيْر لذلك ضرب الله لنا مثلا في القرآن الكريم بثلاثة من الرسل وأعَدَّهُم عنده (في المرتبة لا في المكان) من المُصْطَفَيْن الأخيار في قوله تعالى {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} (ص،45-47) أي أنهم مصطفين في العبادة والعلم والرسالة، لكننا في هذا المقال سوف نتحدث عن الأخْيَار من البشر العاديين وليس الرسل، وسأذكر قصة حصلت قبل أيام لصديق لي وهو في طريقه لزيارة أهله في مكة بنهاية الأسبوع لأنه يعيش في جدة، وقبل دخول مكة شعر الرجل بدوار وفقدان للتركيز بالتدريج وهو يقود المركبة، فسارع بالخروج من الطريق وإيقافها على جانب الطريق وبدأ في الاتصال على ابنه المقيم في جدة ونظرا لعدم كفاية الوقت، اتصل الابن بأصدقائه في مكة وأرسل لهم الموقع لنجدة والده بأسرع ما يمكن، وفي زمن قياسي حضر الأصدقاء وتم نقل والده لمستشفى حكومي وتولى أحدهم سحب المركبة من الطريق وتمت له الإسعافات الأولية ومتابعة الحالة بعد عمل كافة الفحوصات اللازمة للاطمئنان عليه، وهنا لاحظ الأب مدى تأثير صحبة الأخيار على الابن وعليه في هذا الموقف الصعب.
لذلك سوف نتطرق في البداية إلى أهم معايير اختيار الأصحاب الأخْيَار وصفاتهم وهي:
أن يكون الصاحب صالحاً عاقلاً وفياً أميناً تقياً صادقاً ناصحاً وداعيا ومحباً للخير دائما وعوناً في الشدائد وسنداً في المواقف الصعبة، قريباً في الرخاء وطريقاً ممهداً للصلاح، حليماً عند الغضب، لا يجامل في الحق ولا ينافق للمصلحة، متوافقاً في الظروف الاجتماعية والتربوية ليس حقوداً ولا حسوداً ويتحمل مسؤولية الصحبة ولا يتهرب منها ويقدرها أحسن تقدير.
تأثير صحبة الأخيار على الإنسان :
للصحبة الخَيَّرَه كثير من التأثيرات الإيجابية على الإنسان وأهمها :
* التأثر بالأخيار والاقتداء بسلوكهم وأخلاقهم واستقامتهم كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام ” المَرءُ عَلى دِين خَليلِه، فَلينْظُر أحَدُكُم مَن يُخَالِلْ” (أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد).
* المنافسة على الأعمال الصالحة تنافساً محبباً خالياً من الحسد والغيرة ويكون ذلك في الطاعات والخيرات وقضاء حوائج الناس وتفقد أحوالهم ومساعدتهم لقول الله تعالى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} (المطففين-26).
* الثبات على الدين ومواجهة الفتن والمغريات والدوام على ذكر الله ومجالس الذكر وقراءة أو حفظ القرآن والحرص على العلم النافع وعدم الحياد عن الطريق المستقيم.
* محبة الله لهم لأنهم أهل خير وصلاح وأن جُلُّ حبهم وبغضهم هو فيما يُرْضِي الله وخالصا لوجهه الكريم ولا يخضع لسبب دنيوي أو غاية شخصية لقول الله تعالى {وَأَحْسِنُوا إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينِ} (البقرة-195).
* التعاون على طاعة الله فهم الذين إذا ذَكَرْتَ الله أعانوك على ذكره، وإذا قصرت في ذِكْره أعانوك على تَذَكُّرهِ وساعدوك على تجاوز التقصير في حق الله عليك كما قال الله {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَقْوَى} (المائدة-2).
* الإعانة على مصائب الدهر فدائماً تجدهم قريبين منك في أوقات الشدة، كالمثل الذي ذكرناه في قصة مقدمة المقال وكيف كان تأثير الصحبة الخَيَّرَة على سرعة إنقاذ الأب وإسعافه وعمل اللازم بفضل الله أولا وأخيراً.
* النصيحة والإرشاد للخير والصواب لأنهم مرآة للصاحب في إرشاده ونصحه حيث كان المصطفى عليه الصلاة والسلام يقول عن صاحبيه أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما “هذان السمع والبصر” (رواه الألباني-صحيح الجامع).
* الفوز بصالح الدعاء منهم ولنا في رسول الله عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة عندما كان يدعوا لأصحابه وكان سبباً في نيلهم خيري الدنيا والآخرة كدعائه لأنس بن مالك بكثرة المال والولد والبركة، ولابن عباس بالتففة في الدين.
وأختم بأن صحبة الأخيار هي نعمة من نعم الله على العباد، وحَرِصَ الإسلام على توضيح أهمية اختيار الصاحب في السفر والترحال فما بالكم بالصاحب الذي قد يُرافق الإنسان طيلة حياته، وقد نتفق جميعا على أن الصحبة من أهم العلاقات البشرية المؤثرة في حياة الإنسان والتي لا غنى له عنها، ولابد له أن يجيد اختيار الأصحاب الأوفياء والمخلصين والتمسك بهم ومراعاة مشاعرهم وتفقد أحوالهم واحتياجاتهم قبل أن نفقدهم، فنحن لا نعلم متى يحين الأجل.
يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي في أجمل قصائده عن الأصدقاء :
أُصادِقُ نَفسَ المَرءِ مِن قَبلِ جِسمِهِ .. وَأَعرِفُها في فِعلِهِ وَالتَكَلُّمِ
وَأَحلُمُ عَن خِلّي وَأَعلَمُ أَنَّهُ .. مَتى أَجزِهِ حِلماً عَلى الجَهلِ يَندَمِ.
في عصرنا يكاد يكون جهاز الإتصال أقرب صديق لكثير من الاشخاص. وهذا يشكل خطر كبير لعدم امكانية انتقاء الاخيار. أسأل الله ان ينفع بمقالكم الكثير من الناس