بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الخطاب الشعبوي وهيمنته على وسائل التواصل الاجتماعي..

طـلال بن حمـد الربيـعي

 

الخطاب الشعبوي وهيمنته على وسائل التواصل الاجتماعي..

 

بداية ترددت كثيرا في الكتابة عن هذا الموضوع لكثرة تناوله خلال السنوات الماضية، ولكن ما دفعني للكتابة هو المقال المنشور في افتتاحية جريدة عمان بتاريخ ١٨ أكتوبر الماضي بعنوان “وسائل التواصل الاجتماعي ووهم الحرية”، والذي تناول بالنقد حرية الرأي الموهومة التي قد يتفاخر بها البعض في وسائل التواصل الاجتماعي كونها في الحقيقة حرية موجهة من قبل اشخاص آخرين وليست نابعة من صميم الحرية المسؤولة للشخص نفسه.

أود هنا أن أضيف تعقيباً حول هذا المقال فأي متابع عن كثب لوسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وما يطرح فيها من معلومات وآراء وأفكار وما تحمله من غث وسمين؛ يدرك وجود خطابات مهيمنة وموجهة وقصاصات أخبار مقتطفة تميل الى الخطابات الشعبوية أي أنها ذات طابع يعتمد في أساسه على العاطفة لإثارة الرأي العام، فهناك قضايا كثيرة نشاهدها بين الحين والاخر وتصل الى هاشتاجات يتم تداولها تعتمد على العاطفة والرأي الواحد فقط، وليس على المعرفة والعقلانية  وهو ما يميز جميع وسائل التواصل الاجتماعي دون استثناء ومجموعات الواتس اب كذلك، فهناك ارتجال في الطرح دون التيقن من صحة الخبر وفي كثير من الاحيان يتم  فصل الخبر عن مصدره الاصلي واضافة بعض المحسنات العاطفية عليه، كذلك الاعتماد على الشائعات والاخبار من مناطق أخرى حول العالم كل ذلك من اجل زج المتابعين في مسار واحد فقط ، و سلب حرية الرأي عن الاخرين المخالفين من خلال محاولة تقزيمهم باستخدام ألفاظ ومفردات تكون أحيانا بذيئة تهدف إلى تحريض المشاعر والعواطف واستفزاز الطرف الآخر، كأن يتم التعليق على خبر او موضوع معين منشور من قبل جهة معينة او شخص معين بطريقة استهزائية أو إطلاق أحكام عامة لأي موضوع او فكرة مطروحة ، طبعا ليس لأجل النقد والتطوير وإنما من أجل زيادة المتابعين والإعجابات.

فعلى الرغم من وجود قنوات أخرى يمكن لمستخدمي هذه الوسائل ايصال صوتهم من خلالها الا أن الاكثرية من اصحاب هذه الخطابات (الشعبوية) يفضل الإثارة والتحريض للمخالفين لتوجهاتهم سواء كانوا هؤلاء شخصيات اعتبارية او عادية او مؤسسات لا فرق في ذلك.

قد يقول قائل بأن الشعبوية كظاهرة ليست حديثة وانما قديمة ولديها مؤيديها؟ هذا الطرح صحيح في عمومه، فالشعبوية كظاهرة بدأت منذ القرن التاسع عشر في روسيا تحديدا ثم انتقلت الى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها تضاعفت بشكل كبير منذ اللحظة التي انطلقت فيها الشبكات الاجتماعية في أواخر تسعينيات القرن الماضي.

ولعل بنية مواقع التواصل الاجتماعي لها دور في ذلك فهي تمنح نطاق أكبر للأشخاص في التعبير عن الافكار المختلفة دون انتظار ردات فعل معينة ودون تمحيص وتحقيق في صحة الخبر من عدمه؛ فالشخص على مواقع التواصل الاجتماعي يكون محاطا بعدد كبير من المعجبين والأصدقاء الذين يشاركهم الرأي، مما يجعله يشعر بالأهمية الموهومة التي تدفعه الى رفع حدة خطابه الموجه والناقد بطرق استفزازية للطرف الآخر، فهذه الخطابات كما نلاحظها  موجهه لما يريده الناس وما يرغبون فيه لذا فهي تقدم  الخبر لهم على هذا الأساس لا على أساس الحقيقة ، و قد يحصل لدى الانسان  في هذه الحالة انفصام بين الحقيقة التي يعبر أو لا يعبر عنها المنشور وميول الإنسان ورغباته التي يريد أن يريدها.

وهنا أود أن اشير الى أن الجانب المتعلق بالبحث في جذور الشعبوية الجديدة وصعودها قد حظي باهتمام الدراسات الاكاديمية حول العالم، ومن خلال تتبعي لمجل هذه الدراسات التي تناولت جذور الشعبوية فأن كثير من الباحثين يرجحون ، الصعود العالمي للشعبوية إلى “فشل النظام النيو ليبرالي”، بشكله الرأسمالي الغربي، حيث أدى هذا الفشل الى صعود قادة يمينيون متطرفون في اوروبا وامريكا وأمريكا الجنوبية، حيث كان للتيار الشعبوي ولوسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في صعود هؤلاء، حتى أنني أذكر أن أنصار الرئيس البرازيلي السابق اليميني المتطرف جايير بولسونارو كانوا يهتفون عند انتصاره في انتخابات ٢.١٩ بأسماء وسائل التواصل كـ (الفيس بوك والواتس أب).

لذلك في اعتقادي أن دراسة هذه الظاهرة في وطننا العربي باتت ضرورة ملحة، وخاصة في الوضع الراهن الذي أصبحت فيه مثل هذه الخطابات تشغل حيزاً يزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، كما انها قد تشكل تحدّياً صعباً أمام تطور المجتمعات وتنميتها، مع ضرورة مراعاة الخلفيات التاريخية والسياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمنطقة في أي دراسة لهذه الظاهرة الجديرة بالاهتمام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى