بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

هل ستُحَلِّق الطائرات الإسرائيلية فوق الأجواء العمانية ؟..

زاهر بن حارث المحروقي

 

هل ستُحَلِّق الطائرات الإسرائيلية فوق الأجواء العمانية؟..

 

تهتم وسائل الإعلام الإسرائيلية وتركز كثيرا -هذه الأيام- على مسألة تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق الأجواء العمانية، بعد أن سمحت السلطات السعودية بعبور هذه الطائرات فوق أجوائها، فصرنا نقرأ حيناً بعد حين خبراً من الصحافة الإسرائيلية، عن موقف الحكومة العمانية من تلك الخطوة، وما تنقله تلك الصحافة فيه ما فيه من التناقضات، فتارة تؤكد الرفض العماني، وتارة تنفيه وتلمح بالموافقة العمانية، وترى أن مسألة السماح هي مسألة وقت فقط، وفي كل الأحوال فإن الموقف العماني المشرف حتى الآن هو رفض ذلك العبور، وهو الموقف الذي يعكس رغبة المواطنين العمانيين الذين فتحوا وسما في تويتر تحت اسم «عمانيون ضد التطبيع»، أعربوا فيه عن رفضهم التام لأي تطبيع مع الكيان الصهيوني، وبأي شكل من الأشكال برا وبحرا وجوا، وهو الموقف الذي يدعم الحكومة العمانية في توجهاتها، إذ إن وراءها تأييدا شعبيا.

في هذا الإطار نشر موقع «عربي 21» يوم الخميس الماضي 20 أكتوبر 2022، أن شركة الطيران الإسرائيلية «أوركيع» ألغت رحلاتها الجوية إلى الهند، بسبب استمرار رفض سلطنة عمان السماح للطيران الإسرائيلي بالمرور في أجوائها، بعد حصول تل أبيب على موافقة الرياض، مما يعني أن الرفض العماني كبد شركة الطيران الإسرائيلية خسائر فادحة بعد إلغاء رحلاتها وإعادة الأموال للإسرائيليين الذين حجزوا رحلاتهم، بعد موافقة الرياض على استخدام الشركة لأجوائها إلى الهند، كما أشار إلى ذلك دانيال سلامة محرر الشؤون الاقتصادية في صحيفة «يديعوت أحرنوت».

ولكن لماذا كل هذا التركيز على فتح الأجواء العمانية للطائرات الإسرائيلية؟ تحتل الأجواء العمانية موقعا مهما على خريطة الطيران الدولية، وهي الأجواء المناسبة في الظروف الحالية للعبور السليم، وهذا ما وضحه أوز بيرلويتر الرئيس التنفيذي لشركة «أروكيع» للطيران بقوله: «ما يتطلب الموافقة العمانية على مرور الرحلات الجوية الإسرائيلية في أجوائها، أن الرحلات الإسرائيلية ستمر فوق السعودية وعُمان، ومن هناك عبر المحيط الهندي باتجاه الشرق، مع العلم أن ما يفصل بين السعودية والمحيط الهندي، هو المجال الجوي الباكستاني والإيراني، وهذا ليس خيارا للشركات الإسرائيلية، في حين أن المجال الجوي اليمني مغلق أمام إسرائيل»؛ لذا نجده يصر على وزير النقل الإسرائيلي «ببذل الجهود، وممارسة كل ثقله من أجل فتح الممر الجوي فوق عمان، لأن ذلك من شأنه أن يحدث تغييرا جذريا في حركة الطيران الإسرائيلي شرقا، مما يشكل نصيبا مهما لبعض الشركات الإسرائيلية»، وكأن على الحكومة العمانية أن تساند الشركات الإسرائيلية ماديا وتنتشلها من أزماتها، مما يعني ضمنا الوقوف ضد الأشقاء الفلسطينيين.

ورغم أن الموضوع أثار نقاشات كثيرة عبر الصحف العربية والأجنبية، وكذلك في مواقع الحوارات عبر النت، إلا أن توضيحا عمانيا واحدا لم يصدر حتى الآن، لذا فإني أعتمد في مقالي هذا على ما جاء في الصحافة الإسرائيلية، حيث أفادت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن «سلطنة عمان طرحت شروطا للطيران الإسرائيلي، وهي أن يكون بمقدور السلطات العمانية فحص الطائرات الإسرائيلية التي تضطر إلى الهبوط في المطار في عمان، ومنح الترخيص للرحلات التجارية والمدنية فقط دون العسكرية، ولسلطنة عمان الحق الكامل في تجميد الترخيص وفقا لمصالحها، إضافة إلى شرط ألا تهبط الطائرات الإسرائيلية في عمان إلا في حالات الطوارئ».

ويتضح من الشروط العمانية أن السماح للطائرات الإسرائيلية أو رفض تحليقها فوق الأجواء العمانية، هو قرارٌ سيادي تتخذه الحكومة العمانية وفقا لمصالحها، وهو قرار نابع من الداخل العماني وليس تنفيذا لرغبات الآخرين، كما زعمت الصحافة الإسرائيلية، ومنها صحيفة «إسرائيل اليوم» التي بررت الموقف العماني أنه جاء نتيجة «ضغط إيراني مكثف»، فيما قال يوئيل غوزانسكي الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل في تعليقه على الموقف العماني : «في الآونة الأخيرة، زادت إيران بشكل كبير من ضغطها وتهديداتها لدول الخليج حتى لا تنفذ إجراءات التطبيع مع إسرائيل، وتحدث وزير الخارجية الإيراني مع نظيره العماني، ويمكن الافتراض بأن القضية طرحت في الحديث بينهما».

لست بحاجة للتذكير بأن العلاقات العمانية الإيرانية جيدة، وأن الاتصالات بين البلدين لم تنقطع على أعلى المستويات، فلا غرابة أن تكون هناك اتصالات بين وزيري خارجية البلدين، ولكن الغرابة في أن يقول باحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، تعليقا على اتصال وزير الخارجية الإيراني بوزير الخارجية العماني بأنه «يمكن الافتراض بأن القضية طرحت في الحديث بينهما»، وهو في الأصل مجرد افتراض، فما يربط بين عمان وإيران هو أكبر من أي تقارب بين عمان والكيان الصهيوني.

هناك من كتب أو غرد بأن السماح للطائرات الإسرائيلية بالعبور عبر الأجواء العمانية سيوفر دخلا إضافيا للدولة، وسيمنح سمعة طيبة لعمان، وهو قول في اعتقادي أنه أقرب إلى أن يكون مجرد نكتة، وكأن دخل مرور هذه الطائرات سيقلل من الدين العام، وسيحل جميع مشاكل المواطنين وسيختفي مصطلح «الباحثون عن العمل»، وكأن السمعة الطيبة تنقص عمان، وليس أمامها غير السماح للطائرات الإسرائيلية بالعبور فوق أجوائها، حتى تنال تلك السمعة. وهناك آخرون يرون أن على الحكومة العمانية أن تمشي في نفس الخطوات التي مشاها الآخرون إن طبعوا نطبع وإن فتحوا الأجواء نفتح، وهي أيضا نظرة قاصرة، فالغالبية العظمى من العمانيين تؤيد قرار الحكومة العمانية، ووسائل التواصل الاجتماعي خير دليل على ذلك، وبالتأكيد كما أسلفت فإن موقفا شعبيا قويا مثل هذا هو موقف داعم للحكومة.

 

* تم نشر المقال بناءً على موافقة الكاتب نقلاً من جريدة عمان .. عدد الإثنين 24 أكتوبر 2022م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى