قصص ، رواياتمنوعات

شادن وهزراف..

نـجـمـة الـبـلـوشـيـة

 

شادن وهزراف..

 

يحكى أن ظبية كبيرة في السن ، أرادت أن تختبر أبناءها ، هل بمقدورهم الاعتناء بأمهم الظبية الهرمة ، مثلما اعتنت بهم حين كانوا صغارا ؟ وكيف يمكنهم التصدي لهجمات الضواري والحيوانات المفترسة؟.

فتمارضت وألزمت الفراش أيام عديدة ، خاف عليها أبناؤها ، لكنها أخبرتهم أنها ستشفى من مرضها حين يأتي كل إبن لها بما يسر قلبها.

فكر الأبناء كيف يسعدون والدتهم الهرمة ، فتذكر أكبرهم ويدعى (شادن) الظبي الجميل والنحيل والذكي المائل لونه إلى الأحمر كلون الشفق ، أن والدته كانت تحب أن تأكل من أوراق شجرة كبيرة في أعلى الجبل ، فهو طعامها المفضل ، حيث تزيدها طاقة ونشاطا ، لكن الوصول لتلك الشجرة بها خطورة ، الطريق مليء بأفاعي (التايبان) التي تتميز بحاسة شم قوية وسمها القاتل.

قرر الابن الثاني ويدعى (هزراف) والذي يتمتع بسرعته الخارقة ، أن يحضر لوالدته القيثارة التي كانت تعزف عليها الظبية الأم لصغارها حين كانوا صغاراً ، ورثتها من أمها ، لكنها تعرضت لهجوم من قرد شرس وانتزع القيثارة من بين يديها وولّى هارباً.

أما أصغرهم وتدعى (ماويّة) فتميزت بلونها البني الأحمر إلى رملي فاتح على الجزء العلوي والخاصرتين ، وعينان كحيلتان بسوادهما ، وتميزت بقوة حاستي الشم والبصر ، أرادت المكوث مع والدتها حتى عودة أخويها.

في صباح اليوم التالي ، ذهب أبناء الظبية لتوديع والدتهم ، فقالت لهم :
“ضعوا نصب عينيكم على مبتغاكم ، ودعوا الباقي للقدر ، وستروا العجب .. خذ يا شادن هذا الخنجر والحبل فربما ينفعانك ، وأنت يا صغيري هزراف ، إبحث عن صاحب هذا الخاتم في مملكة القرود”.
خرج الأخوين (شادن و هزراف) وكل واحد على أمل العودة سريعاً وجلب السعادة للظبية المسنة.

عند منتصف الطريق تفرقا فـ(شادن) سلك طريقاً جبلياً وعراً ، أما (هزراف) ذهب باتجاه الجداول المائية والأدغال.

بعد رحلة يومين متتاليين ، وصل (شادن) لمنطقة جبلية كبيرة ، ذات الكهوف الكثيرة ، وبقايا عظام لحيوانات ميتة ، فتعجب من أين سيبدأ البحث عن شجرة السعادة ، فالمكان واسع لا نهاية له ، دخل أحد الكهوف لأخذ قسط من الراحة ، لكنه تفاجأ بصغير الصقر يدعى (هيثم) ضعيفاً بريش زغبي يغطى جسمه ، على وشك التهام الذئب له ، فأسرع لإنقاذ الصغير ، بقفزاته السريعة وأخرج خنجر أبيه وألقى به على وجه الذئب ؛ جرح عينه ففر هارباً من الألم.

أخذ شادن الصغير إلى مأواه بين الشقوق الصخرية ، فوجد والدة هيثم (شيهانة) تبكي وتصرخ لفقدانها الصغير :
“صغيري أين أنت ابيضت عيناي من البكاء” غضبت عندما رأت ابنها بصحبة (شادن) ، لكنها فرحت حين شاهدت ابنها فرحاً ومتشبثاً بالظبي.

عرفت شاهينة أن وجود ظبي (كشادن) في منطقة خطرة أمر غير طبيعي فقال شادن لها :
“أبحث عن شجرة السعادة لوالدتي المريضة”.
فردت شاهينة : “أعرفها لكن الوصول إليها يتطلب منك أن تسلك طريق الثعابين السامة ، وسوف أساعدك للوصول لتلك الشجرة ، لكن ليس بوسعي انتظارك”.

وفي الليل ركب (شادن) على ظهر (شاهينة) ذات الجناح الضخم والعنق الطويل وريشها القليل ، وعيناها الواسعتان ، وطارت به إلى طريق الثعابين وأنزلته على سفح جبل وقالت له : كن يقظا”.

أخذ شادن يبحث يُمْنَة ويُسْرَة لعله يجد شيئاً يدله على مبتغاه ، فوجد أوراق متساقطة ، فتتبع الأوراق إلى أن وصل أمام شجرة ضخمة وكبيرة ، وأوراقها خضراء ، يحرسها ثعبان ذو أنياب طويلة مجوفة في الفك العلوي ، شعر الثعبان بوجود أحدهم فأراد (شادن) الإختباء ، لكن الثعبان قد التف به ، وأراد أن يلتهمه ، سقط الخنجر على الأرض ، وكان هناك سنجاب صغير يترقب المشهد لكنه خائف ولا يعرف ماذا يفعل ، فعندما شاهد الخنجر ركض لأخذه ، وضرب الثعبان ضربات متتالية ، فسقط (شادن) من قبضة الثعبان.

تبادل السنجاب أطراف الحديث مع شادن : “منذ زمن ضعت عن والدي ، فوصلت هنا مثلما تراني ، وأسكن في جحر صغير بجانب الشجرة حتى أعود إلى مملكتي المفقودة “.
فوعده شادن بأن يساعده ، فتسلق السنجاب الخفيف الشجرة ، وجلس يقطف الأوراق والظبي يجمعها؛ تفاجأ (شادن) بأحد الثعابين يلتف حوله ويأخذه ثم يرمي به ، فيسقط هذه المرة في حفرة عميقة ، ومرة اخرى يترقب السنجاب المشهد بخوف ولا يستطيع إنقاذه إلا بعد مغيب الشمس ، حين يذهب الثعبان للنوم.

رمى السنجاب حبلاً مربوطاً على الشجرة فتمسك به الظبي وخرج شادن برفقة صديقه السنجاب من الغابة بحثاً عن مملكة السناجب ، فوجدوا المملكة لكن لا أحد بها لخطورتها ، فقرر (شادن) اصطحاب صديقه معه لبيته.

ذهب (هزراف) باتجاه الأدغال ، حيث الأشجار الوارفة ، وعلى الجانب الآخر شلالات لؤلؤية ، استراح على صخرة بجانب الشلالات ، لكنه سرعان ما سمع صوتا مشبوبا بخرير الماء ، من أين مصدر الصوت ؟! لا يعلم ، فتبع صداه ، وجد نفسه في مملكة كبيرة جميلة ، منظمة ، بيوت خشبية ، وصخور منحوتة بنقوش غريبة ، وإحدى هذه الصخور منحوته على هيئة عرش ، ويجلس عليه قرد من قرود الماندريل الضخمة.

اختبأ (هزراف) خلف الأشجار ، فسمع صوت دقات الطبل ، وإذا بقرود تخرج من جميع الاتجاهات ويرقصون رقصات غريبة ، مصطحبين معهم قرداً مُكَبَّل اليدين والرجلين بالسلاسل الحديدية داخل قفص حديدي ، مردداً :
“لم أقتله ، كنا نتدرب ، فتعثر ذيله بأحد الأغصان ، فابن الملك ليس صديقي بل أخي تربيت معه ، وعندما وقع على رأسه ، كنت أتمنى أن أكون أنا المتعثر وليس هو ، أرجوكم صدقوني”.
حكم عليه بالإعدام ؛ ظنا منهم هو من قتله.

فكّر (هزراف) في كيفية استرجاع قيثارة والدته ، في مملكة لا يًصْغى لبني جنسهم فكيف يستمعون لقصته ؟! ، فكر ربما القرد المقيد سينفعه إذا أنقذه من الموت المحتوم.

فكر في خطة لإرباك حراس القفص ، وأخذ يفتش المكان فوجد أخشاباُ جافة وبعضاً من أحجار الصَّوّان ، فأشعل النار في كل ناحية من المملكة ، والقرود تركض من كل جانب ، والشرر يتطاير ، والدخان يغطي المملكة ، والقردة يولولون ويصرخون :
“نار نار .. لنطفىء النار ، قبل أن تطفئ مملكتنا”!!.

انشغل جميع القرود في جلب الماء لإطفاء الحريق ، فركض (هزراف) بسرعة البرق نحو القفص وأخرج القرد المظلوم وذهب به خارج المملكة.
“قيثارة أمي في مملكتكم فربما يسعدها إن استرجعتها لها” ؛ قال هزراف للقرد.
رد عليه القرد : “جميع بيوت المملكة لا تحمل قيثارة غير بيت لقردة مسنة ، وفي كل ليلة تجلس بجوار الشلالات وتعزف عليها وكأنها تحمل سراً”.

وفي الليل سمع (هزراف) أجمل الألحان ، كيف لمسنة أن تعزف ألحاناً شجية ، ،تجذب كل من يسمعها من الطيور والحيوانات الصغيرة.

اتجه الظبي نحوها :
“أمي فقدت قيثارتها حينما كنا صغاراً ، عند جدول ماء ، وأتيت لاسترجاعها ، حيث أثإنها ذكرى والدي لها”.
فاستنكرت القردة المسنة أن تكون القيثارة للظبية ، حيث اعتادت العزف عليها كل ليلة فكيف يمكنها أن تفارق ما اعتادت عليه ؟!.
لكن (هزراف) أكمل حديثه بعد أن أخرج الخاتم :
“أليس هذا الخاتم لك ؟ فقدتيه في اليوم نفسه الذي هجمت فيه على والدتي”.

تعجبت القردة العجوز ، ورمت القيثارة بعيداً ، وانتزعت الخاتم من يد الظبي ، تبكي وتحضن الخاتم ، وتذكرت ذلك اليوم الذي انتزعت فيه قيثارة ظبية مريضة لا تقوى على الحراك لمرض ألم بها بعد افتراس الفهد لزوجها ، فقالت لها :
“لا استطيع اللحاق بك ، ولكن سترجع قيثارتي مع الزمن”.

ركضت القردة هاربة وسقط منها الخاتم الذي أهداها إياه والدها لتكون ملكة المملكة ، لكن طمعها بما يمتلكه الآخرون قد أعماها ، فضاعت منها الفرصة الذهبية.
أخذ هزراف القيثارة برفقة القرد وعادا إلى أمه المتمارضه.

إلتقى الأخوان عند نقطة افتراقهما ، ورجعا إلى أمهما محملين بالسعادة لها ، وبأصدقاء أوفياء لهما ، فوجدا أختهما (ماويّة) بأنتظارهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى