أنديـتـنا ليـسـت بخـيـر !!..
زاهـر بن حارث المـحـروقـي
أنديـتـنا ليـسـت بخـيـر !!..
إذا كان الصديق سليمان المعمري يرى أنّ الأغنية العمانية ليست بخير في مقال كتبه في جريدة عمان، فإنّ ما قاله ينطبق أيضًا على أنديتنا، باعتبارها الركن الأساسي للرياضة والرافد الحقيقي للمنتخبات الوطنية، والحديثُ عن أنديتنا لا يزيد المرء إلا غمّا فوق غمّ.
وهناك ما لفت نظري وهو أني قرأتُ خبرًا رياضيًا نشرته جريدة عُمان يوم الأحد الثامن من مايو 2022، عن خطة الاتحاد العماني لكرة القدم لتطوير اللعبة في السنوات الثلاث المقبلة، ويقول الزميل الصحفي ناصر درويش في ذلك الخبر : إنّ الاتحاد العماني يعكف حاليًا على مشروع حيوي ومهم يمتد لثلاث سنوات قادمة لتطوير الكرة، وتسعى رؤية الاتحاد “لتعزيز العلاقات مع الهيئات الرياضية القارية والدولية، وضمان الاستفادة القصوى للأندية الأعضاء من برنامج تمويل وتنمية كرة القدم المعتمد من قبل الاتحادين الدولي والآسيوي، وكذلك بناء شراكة فعلية مالية وفنية مع الأندية الأعضاء باعتماد برامج واضحة، تجعل الأندية شريكة في التطوير ومستفيدة من مخرجاتها، وكذلك العناية بالتسويق – كمًا ونوعًا – ليكون أكثر تنظيمًا وجاذبية، وإيجاد شراكة فعلية مع الأندية في هذا المجال”.
وفي اليوم نفسه قرأتُ تصريحًا للشيخ راشد بن حميد النعيمي رئيس اتحاد الكرة في الإمارات، نشرته صحيفة البيان الإماراتية عن خطة طويلة الأمد تصل حتى عام 2038، لتطوير الكرة الإماراتية، أبرز ما جاء في الخطة هو التوجه إلى “تخصيص” عدد من الأندية الكبرى خلال الفترة المقبلة، بتحويلها إلى ملكية خاصة وفق آلية محددة ولوائح منظمة.
حقيقةً نحن في أمسِّ ِّالحاجة إلى خطة طويلة الأمد تنتشل رياضتنا من السقوط، وربما تكون الخصخصة أحد أهمّ المتطلبات في الفترة المقبلة، لأنّ واقع الأندية العمانية صعبٌ للغاية؛ ولُبّ المشكلة هو في وضعها المادي المتردي؛ فقد طبّق الاتحاد العماني لكرة القدم فكرة الاحتراف؛ وهو احترافٌ وهميٌ تمامًا، لم يحمل من “الاحتراف” غير الاسم فقط، ممّا أثقل كاهل الأندية ماديًا، فزادت ديونها، ولم يستلم اللاعبون رواتبهم ولا الأطقم الفنية والإدارية، وكثرت الشكاوى في المحاكم الرياضية المحلية والعالمية، ممّا أدى إلى تدني وتراجع مستوى الكرة العمانية، وتابعنا تجميد بعض الأندية لنشاطها الكروي، وانسحاباتٍ من بعض الأندية في البطولات المحلية، هذا غير اللعبات الأخرى التي اختفت تمامًا من معظم الأندية، وكانت النتيجة هروب القائمين على هذه الأندية، مؤثرين السلامة على الصداع اليومي من المطالبات؛ فظلت أنديةٌ بدون إدارات، فترات طويلة، والأغرب أن نرى إدارات جديدة منتخبة لا تستمر إلا أسابيع وتستقيل، وهو ما حدث في أكثر من نادٍ، والأغرب أيضاً أن تشكل لجان مؤقتة لإدارة بعض الأندية، فإذا بعض أعضاء اللجنة يستقيلون !!، ومن الطرائف في هذا المجال ما حكاه لي أحد الإداريين عندما قال لي : كلما ذهبتُ إلى ملعب النادي، أدعو الله أن يحفظ جيبي.
كان من شروط الاتحاد الآسيوي لتطبيق الاحتراف ضرورة تعيين الأندية العُمانية إدارات تنفيذية متفرّغة واحترافية، واختيار مدير تنفيذي متفرّغ للإدارة داخل كل نادٍ، وتعيين منسق إعلامي وآخر أمني، بالإضافة إلى الأجهزة الإدارية والطبية – وهي في الأصل فكرة ممتازة – لكن ليس على مستوى أنديتنا “المفلسة” أصلا؛ فكيف لأندية تجمع تبرعات لشراء ماء شرب للاعبين، أن تدفع رواتب للإدارة التنفيذية؟!.
ظهر الاتحاد الآسيوي سيفًا مسلطًا على الأندية، إذ فرض عليها شروطًا صعبة، دون أن يقدّم أيّ دعمٍ، باستثناء بعض الدورات الخفيفة التي لا تفيد شيئًا، لذا فإني أكرر أنّ الاحتراف كان وهميًا وغير مدروس، لم ترافقه إصلاحاتٌ تخدم التطوير، خاصة في الجانب المادي للأندية.
وإذا كانت فكرة الاحتراف تمت دون دراسة، فإني لا أستطيع أن أتجاهل الخطأ الكبير الذي طبّق في توزيع المكرمة السامية للأندية، التي أمر بها جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه، بواقع مليون ريال لكل نادٍ؛ فبدلًا من أن تُستثمر هذه الأموال لصالح الأندية بالإشراف الرسمي من قبل الحكومة، بُنيت لبعض الأندية صالات رياضية بمبالغ كبيرة دون استشارة أو موافقة هذه الأندية، فلم يستفد منها أحدٌ، وظلت مقفلة ممّا يعني هدر مال كبير كان يمكن أن يساعد هذه الأندية ماديًا وتقف على أرجلها وتستغني مستقبلا عن الدعم الحكومي، الذي بالكاد لا يكفي رواتب شهرين أو ثلاثة شهور.
لكي يكون لأنديتنا شأنٌ، فلا بد أن يكون لها استثمارات، وأن تكون مؤسسات حقيقية تعمل باحترافية حقيقية في الإدارة والاستثمار؛ فالأندية التي لديها استثمارات – للأسف – لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، والمستقبلُ والبقاء هو للأندية التي لها دخل ثابت، ومن الصعب على أنديتنا أن تتخصص في الوقت الحالي، لأنّ القطاع الخاص – بقدر ما هو يعاني – لا يريد أن يضيف إلى نفسه أعباء أخرى، رغم ما في الخصخصة من إيجابيات على مستوى الأندية والرياضة بصفة عامة.
وقضية الاستثمار تحتاج إلى مقالات أخرى كثيرة، لأننا قرأنا في الصحف عن توقيع بعض الأندية اتفاقيات بملايين الريالات، ولم تر تلك المشاريع النور، وكأنها كانت مجرد “استعراض إعلامي” فقط.
تقدّم الحكومة دعمًا للأندية العمانية، ولكن مع تطبيق الاحتراف “الوهمي” الذي كلف الأندية مصاريف فوق طاقتها، فإنّ ذلك الدعم لا يكفي حسب القائمين على الأندية الرياضية؛ لذا لا بديل عن الاهتمام بالاستثمار، وهناك بعض الدول انتبهت إلى ذلك؛ إلى خطوة الإمارات لخصخصة الأندية، نجد أنّ مصر مثلا منحت الفرصة أمام أندية القطاع الخاص للمشاركة في أكبر مسابقاتها الكروية، كما أنّ السعودية ألزمت أندية دوري المحترفين لكرة القدم كمرحلة أولى، بالتحول إلى الخصخصة، دون الاعتماد بشكلٍ رئيسيٍ على الدولة، مع البحث عن مصادر تمويل، للقناعة بأنّ خصخصة الأندية تسهم في تخفيف العبء المالي المترتب على رعاية الأندية من قبل الحكومات.
مؤخرًاً أشهرت بعض الأندية في الولايات العمانية المختلفة – وهي فكرة جيدة لإبراز مواهب الشباب العماني – لكن المهم هو الكيف وليس العدد؛ فهذه الأندية ستجد نفسها في مأزق كبير، إذا لم تعمل من البداية على إيجاد دخل ثابت، وستبقى مجرد إسم، ومجرد رقم في العدد؛ لن تضيف شيئًا لها وللرياضة العمانية، والسؤال هو : هل سيكون لها القدرة على الاستمرار؟ ونتحول من سؤال خاص إلى سؤال عام : ألا يؤثر وضع الأندية العمانية بهذا الوضع على الرياضة العمانية حاليًا ومستقبلاً؟.
الزميل الإعلامي الرياضي خميس البلوشي غرّد يوم الإثنين 10/10/2022 قائلاً : “باختصار.. ما جرى لمنتخب الناشئين يثبت أنّ الكرة العمانية اليوم في حالة تدهور وتراجع ووهن كبير، وفي أسوأ حالاتها في كلّ مفاصلها، والقادمُ مظلم جدًا لأننا نفتقد للتخطيط والعمل المنظم، ونواصل السير في الظلام؛ رافعين الشعارات تارة .. ومنغمسين في الأحلام تارة أخرى .. لقد ولّى زمن الاجتهادات”، والتغريدةُ بالتأكيد تنذر بما هو أسوأ، وبأنّ التركيز يجب أن ينصبّ على التخطيط والعمل المنظم، ويجب أن تكون البداية من الأندية.
إنّ الرياضة والفن والثقافة قوى ناعمة لأيّ دولة في العالم، ومن هنا نجد أنّ ما اضطلعت به هذه الأنشطة في بعض الأحيان كان أفضل بكثير ممّا قامت به الجهات الرسمية في التعريف بالأوطان، بل إنّ بعض الأسماء الفردية عرّفت بعُمان في الخارج، أكثر من جهات رسمية كثيرة، وتبقى الأنديةُ جزءًا من هذه القوى إذا وجدت الاهتمام اللائق ، وإذا كانت بخير تؤدي دورها المطلوب منها رياضيًا وثقافيًا ومجتمعيًا.
* تم نشر المقال بموافقة الكاتب ؛ نقلاً عن جريدة عُـمان عـدد يوم الإثنين 17 أكتوبر 2022م.