بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

فن الدبلوماسية والإعلام الاقتصادي .. (3)..

الدكتور/ سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق – عضو جمعية الصحفيين العمانية

 

فن الدبلوماسية والإعلام الاقتصادي .. (3)..

 

يعتبر الإعلام الاقتصادي هو الواجهة لكل بلد بعيداً عن الانتماءات الحزبية أو الدينية أو المذهبية؛ حيث يعكس غالباً إيجابيات ومميزات عجلة التنمية في كل بلد، وبدأت الدول المتقدمة تطور النظريات والمفاهيم في هذا المجال الإعلامي خاصة بعد الحرب العالمية الأولى؛ حيث اتجهت بإقامة علاقاتها الدبلوماسية استناداً الى الثقل الاقتصادي المتنوع في ذلك البلد.

يعتبر فن الدبلوماسية والاعلام الاقتصادي مثل سكة الحديد خطان متوازيان متساويان بالطول ومتشابهان بجميع المواصفات وبالتالي البلد الذي يربو الى الوصول الى اقتصاد مميز ضمن رؤية مدروسة مستنداً الى الواقع المتغير بالسوق العالمي عليه الاستعانة بالمختصين بهذا العلم لكي يحقق أهدافه سواء الاستراتيجية أو التكتيكية.

يعتبر الإعلام الاقتصادي في كل بلد هو المرآة العاكسة لكل الأنشطة والمجالات؛ حيث يُكَرِّس خبراء الاقتصاد كل تحركاتهم وتوجهاتهم الاستراتيجية باتجاه بناء اقتصاد متين معتمدين على الحوافز والحزم التي توفرها الدولة والتي تبدأ بنشر هذه المعلومات من قبل المصادر الحكومية المختصة لتصل الى بعثاتنا الخارجية سواء بوجود (ملحق إعلامي أو ملحق تجاري) لغرض جذب رؤوس الأموال والمستثمرين لدعم عجلة التنمية وبناء صناعة واقتصاد حديث ومتطور ينافس الدول الأخرى.

يعتبر العراق الشقيق في فترة ثمانينيات القرن الماضي وخاصة بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية مثالاً واضحاً (لفن الدبلوماسية والإعلام الاقتصادي)؛ حيث قدمت السفارات والبعثات الخارجية التقارير الاقتصادية لجذب واستقدام الخبرات الأجنبية ورؤوس الاموال التي هيأت البنى التحتية لصناعة عراقية متطورة بحيث أصبح البلد صناعياً بفضل الخبراء والقيادة الرشيقة المركزية آنذاك، وكانت هناك هيئة الصناعات الخفيفة المتخصصة في صناعة وإنتاج التلفزيونات والثلاجات وغيرها من إحتياجات المواطن، ناهيك عن تشغيل الآلاف من الخريجين، بالإضافة إلى الصناعات الثقيلة مثل الشاحنات  والسيارات والباصات بفترة قياسية كبيرة بعيداً عن الصناعة العسكرية المتطورة والتي بدأت تنافس الدول الكبرى، ولا ننسى أبداً التطور الاقتصادي الكبير في جمهورية مصر العربية الشقيقة في جميع المجالات رغم قلة الموارد المالية، إلا أنها بدأت تخطو خطوات ثابتة باتجاه بناء اقتصاد وطني رصين من خلال جذب رؤوس الأموال وكبار الشركات.

تتنافس الدول المتقدمة في وضع الخطط الاستراتيجية والرؤية الواضحة لاجتذاب رؤوس الأموال النظيفة والمستثمرين بغية تطوير بلدانهم في جميع المجالات الاقتصادية والصناعية والصحية وحتى الدينية منها ومواكبة عجلة التقدم التكنولوجي الرقمي الحاصل في مختلف الدول الجاذبة والحاضنة لرؤوس الاموال والمستثمرين ، وايجاد وسائل جديدة واعدة لربط رأس المال المخصص للاستثمار بالفرص المتاحة في الدول لغرض تحسين فرص العمل وتنويع أبواب الرزق إلى جانب تحقيق عائدات طيبة في الوقت ذاته.

يلعب الإعلام الاقتصادي الدور الأساسي والجوهري في عجلة معالجة التضخم الحاصل وتحقيق فائض في خزينة الدولة ودعم الصندوق السيادي وتلعب البعثات الخارجية بمختلف مناصبها ودرجاتها الوظيفية من دبلوماسيين وملحق (تجاري أو صحي أو ثقافي) بالإضافة الى إقامة المؤتمرات الدولية داخل البلد  وخارجه للتعريف عن مقومات التجارة والاقتصاد المميز للبلد بالإضافة الى شرح وافي عن التنمية المتصاعدة في الاستثمار في مختلف اروقة ومجالات الحياة.

يعتبر الإعلام الاقتصادي هو من أهم وأسمى أهداف الدبلوماسية الاقتصادية والتي هو توفر فرصة للأفراد للإفلات من براثن الفقر وتحسين معيشتهم، و تعزيز النمو الاقتصادي المستدام في البلد من خلال مساندة تنمية القطاع الخاص وتعبئة رؤوس الأموال الخاصة وتقديم المشورة وخدمات تخفيف المخاطر لمؤسسات الأعمال القطاع الخاص والمختلط وكذلك الحكومي.

أن تهيئة المناخ الاستثماري في البلد وتسهيل عمل وإنجاز مهام المستثمرين إلكترونياً مستعينين بخبراء ومختصين  في الإعلام الاقتصادي هي  من أهم ما يفتش وينظر اليها المستثمر بعين الاحترام والتقدير  وفي بعض الدول  تتنافس في إنجاز معاملات وأوراق ومهام  المستثمر بالساعات ومنحه الفرص والموافقات الرسمية وهو جالس في الفندق بعيداً عن الشروط والمستمسكات الورقية الروتينية المقيتة المطلوبة، لكونه سوف يدخل ويستثمر في البلد بالآلاف أو ملايين من الدولارات حيث أن الخدمة المميزة له ستشكل خطوة مهمة ومتقدمة في تسهيل الأعمال وجذب الاستثمار مستندا الى المعلومة التي وصلت اليه من خلال الإعلام.

يعتبر الإعلام الاقتصادي من أبرز فروع الإعلام، حيث يسعى بمتابعة وتحليل المتغيرات الاقتصادية التي تحدث في الساحة العالمية بمختلف تفرعاتها، وتشمل جميع مجالات والتوجهات المتصلة بالاقتصاد، كما يشمل تغطية عمل الشركات الخاصة والعامة وأنشطتها تحت هذه المظلة الإعلامية الاقتصادية حيث يبذل الخبراء والمختصون الاقتصاديون جهوداً حثيثة في ذلك وإيصال الخلاصة سواء الايجابية أو السلبية الى الجهات المختصة وخاصة بعثاتنا الخارجية لكي تتحرك ضمن الاطار المرسوم لها.

يعتبر الإعلام الاقتصادي أحد ركائز الدبلوماسية التي تمثل مفاهيم الدعاية والنشر لهذا المشروع أو ذاك وبالتالي أي مشروع ينشأ بدون عجلة الإعلام الاقتصادي يعتبر قد ولد أعمى بسبب عدم نشر المعلومات الاقتصادية الكاملة عليه ويعتبر محدود التداول وبالتالي لا يحقق أهدافه التي تأسس عليها في التغطية الشاملة والوافية والدقيقة للأحداث الاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى