الدبلوماسية الاقتصادية ومقومات نجاحها .. (2 )..
الدكتور/ سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق – عضو جمعية الصحفيين العمانية
الدبلوماسية الاقتصادية ومقومات نجاحها .. (2 )..
تتنافس الدول المتقدمة في وضع الخطط الاستراتيجية والرؤية الواضحة لجذب رؤوس الأموال النظيفة والمستثمرين بغية تطوير بلدانهم في جميع المجالات الاقتصادية والصناعية والصحية وحتى الدينية منها ومواكبة عجلة التقدم التكنولوجي الرقمي الحاصل في مختلف الدول الجاذبة والحاضنة لرؤوس الاموال والمستثمرين ، وايجاد وسائل جديدة واعدة لربط رأس المال المخصص للاستثمار بالفرص المتاحة في الدول لغرض تحسين فرص العمل وتنويع أبواب الرزق إلى جانب تحقيق عائدات طيبة في الوقت ذاته.
تلعب الدبلوماسية الاقتصادية الدور الأساسي والجوهري في عجلة معالجة التضخم الحاصل وتحقيق فائض في خزينة الدولة ودعم الصندوق السيادي.
تلعب البعثات الخارجية بمختلف مناصبها ودرجاتها الوظيفية من دبلوماسيين وملحق (تجاري أو صحي أو ثقافي) بالإضافة الى إقامة المؤتمرات الدولية داخل البلد وخارجه للتعريف عن مقومات التجارة والاقتصاد المميز للبلد بالإضافة الى شرح وافي عن التنمية المتصاعدة في الاستثمار في مختلف اروقة ومجالات الحياة.
إن من أهم وأسمى أهداف الدبلوماسية الاقتصادية هو توفير فرصة للأفراد للإفلات من براثن الفقر وتحسين معيشتهم، و تعزيز النمو الاقتصادي المستدام في البلد من خلال مساندة تنمية القطاع الخاص وتعبئة رؤوس الأموال الخاصة وتقديم المشورة وخدمات تخفيف المخاطر لمؤسسات الأعمال القطاع الخاص والمختلط وكذلك الحكومي.
إن تهيئة المناخ الاستثماري في البلد وتسهيل عمل وإنجاز مهام المستثمرين إلكترونياً هي من أهم ما يفتش وينظر اليها المستثمر بعين الاحترام والتقدير وفي بعض الدول تتنافس في إنجاز معاملات وأوراق ومهام المستثمر بالساعات ومنحه الفرص والموافقات الرسمية وهو جالس في الفندق بعيداً عن الشروط والمستمسكات الورقية الروتينية المقيتة المطلوبة، لكونه سوف يدخل ويستثمر في البلد بالآلاف أو ملايين من الدولارات حيث أن الخدمة المميزة له ستشكل خطوة مهمة ومتقدمة في تسهيل الأعمال وجذب الاستثمار، لذلك على الجهات الحكومية المعينة والمتنفذة بتطبيق الدبلوماسية الاقتصادية من خلال الأدوات المطلوبة ودارسة ليس السوق المحلي وإنما دارسة الأسواق التي تحيط بالبلد وما تقدمه هذه البلدان من حوافز وطرق استقطاب لرؤوس الاموال والمستثمرين، وبالتالي تسعى جاهدة من خلال المرحلة القادمة إلى إعداد استراتيجية شاملة تنافس وتركز على خدمة المستثمر بأفضل ما يكون، منذ لحظة موافقته الجدية في المساهمة وتنفيذ المشاريع الإستراتيجية للبلد بعيداً عن اللف والدوران وكثرة الطلبات والشروط التي لا مبرر لها؛ حيث يمكن تأجيل أو غض النظر عنها في البداية على أن يباشر المستثمر أعماله وإنشاء مشروعه ضمن الجدول الزمني المخطط له، بعيداً عن المستمسكات الروتينية وضياع الوقت في المراجعات هنا وهناك دون جدوى وقد يهرب هذا المستثمر بسبب هذه الحلقات الفارغة للحصول على التصاريح من هنا وهناك والتي تعكس صورة غير مرضية وغير صادقة عن البلد باحتضان وتشجيع رؤوس الاموال بتنفيذ المشاريع كما أننا لا ننسى حيتان السوق واللوبي الخفي والذي يدخل ضمن الطابور الخامس والذي يهدم ما يخطط له البلد للنهوض بعجلة الاقتصاد بسبب جشعهم المادي واحتكار الأعمال في بعض مجالات الحياة وبحجج واهية تفرض شروط وتعليمات لا تخدم التنمية الاقتصادية وتكون بذلك مهدمة لعجلة الدبلوماسية الاقتصادية التي تخطط لها الدولة.
إن البعد الاقتصادي وتؤطر العمل المستقبلي وفق منهجية واضحة توضع من قبل قيادات متخصصة لذلك عبر التركيز على قطاعات التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، من أجل تقديم بيئة محفّزة للأعمال التجارية، ووصولا الى إقتصاد متنوع ومستدام متفاعل مع المستجدات والمتغيرات وقادر على المنافسة في المجتمع الدولي، ومستعد لتلبية احتياجات المواطنين حاضرا ومستقبلا، مما يسهل على الشركات الدولية الاستفادة من فرص الأعمال في عدة مجالات وقطاعات واعدة.
تعتبر الحوافز والمصداقية وسرعة التنفيذ وصفر الشروط هي من أهم رؤية المستثمر وأنا شخصيا أعرف بعض الدول نتفاجأ بأن رجل الأعمال لا يراجع أي دائرة، فقط المنطقة الصناعية هي التي تخصص له الأرض وتقدم له المشورة فقط وتقف بجابه بل وتنفذ ما يطلبه الكترونياً وهو جالس في مكتبه بغاية الشفافية والدعم اللامحدود من قبلهم الى أن ينفذ مشروعه بالكامل بعيداً عن مراجعة إي دائرة رسمية وإضاعة الوقت والجهد لكون هناك دائرة أو مكتب متخصص لإنجاز معاملات المستثمر على مدار 24 ساعة مجاناً وليس فقط أثناء الدوام الرسمي، حيث يجلس المستثمر في مقر إقامته ليجد كافة الموافقات قد أنجزت وهذا ما يربو اليه كل مستثمر وما عليه الا أن يدفع الرسوم الحكومية فقط.
وفي الختام..
على الدول التي تنوي أن تسير في فلك الدبلوماسية الاقتصادية أن تتحول الى فندق 7 نجوم بإمتياز كما فعلت اليابان وألمانيا بعد أن خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة بالكامل حيث بدأت تقدم أفضل الخدمات للمستثمرين الجادين (المحليّين ، والأجانب) وبعيداً عن الروتين الإداري المقيت وبعيداً عن ملئ وكتابة أوراق لا تخدم عجلة التنمية الاقتصادية، لذلك علينا الاقتداء بالدول المتقدمة التي تجاوزت مراحل الروتين الإداري الكلاسيكي وتحولت الى الدبلوماسية الاقتصادية الرقمية بحيث يستطيع المستثمر وهو في الفندق من إنجاز كافة المستمسكات المطلوبة ليبدأ بتنفيذ مشروعه خلال 24 – 72 ساعة مستفيداً من الحوافز والرزم التشجيعية المقدمة من قبل الدولة والتي هي هدفها تحقيق أفضل النتائج وحصد أعلى الارقام بما يخدم عجلة التنمية والاقتصاد وهناك الكثير في جعبتي لتوضيح ملامح الدبلوماسية الاقتصادية لا مجال لذكرها بمقال أو مقالين.