اليمنيون في المهجر قصة إنقاذ للملايين في الداخل..
وافـي الـجـرادي
صحفي ومحلّل استراتيجي يمني
اليمنيون في المهجر قصة إنقاذ للملايين في الداخل..
يتحدث الواقع بأن المغتربين اليمنيين يعيلون الكثير من الأسر وبشكل كبير، يرزحونها وينفقون عليها، يطعمونها وينقذونها ويحافظون على توازنها الإقتصادي دون السقوط قدر الإمكان، المغتربون هم سر البقاء اليمني دون المجاعة، سر استمرار الحياة للملايين رغم كوارثها وبشاعتها، الضخ المالي اليومي من كل دول العالم الى معظم الأسر والأهالي اليمنية يحافظ على توازن واستمرارية الحياة ويحول دون وقوع الكثيرين رهن الموت جوعاً، يقفون سداً منيعاً أمام مزيد من التشظي والتشرذم؛ هذه حقيقة ولولاها لانحدرنا منذ زمن للهاوية والمجاعة، آلاف الأسر والالاف من المشاريع تعتمد على أموال المغتربين اليمنيين، بعضهم يتكفلون شهريًا بعشرات الاسر، وبالطبع من خارج أقاربهم، وآخرين مثلهم، وهكذا استمرت العجلة اليمنية بالدوران، في واحدة من أغرب المراحل المعيشية على مستوى العالم، مراحل السقوط والبقاء على قيد الحياة، فحينما تسقط الدول، وتطول الحروب والتنازعات، تنعدم الموارد ويموت البشر، وتتوقف عجلة البقاء عن الحياة، فبينما ذهب معظم الساسة وتجار الحروب والأزمات لبناء امبراطورياتهم العابرة للحدود والقارات بقي هؤلاء صمام أمان الكثيرين، ومورداً هاماً للسوق ولعجلته التجارية رغم سقوط معظمها !.
وفقاً لتقارير وبيانات وزارة الشؤون الاجتماعية والمغتربين؛ فإن عدد المغتربين اليمنيين في المملكة العربية السعودية فقط؛ زاد عن 4 مليون مغترب، وقرابة 3 ملايين آخرين يتوزعون على دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ودول آسيا وأوربا، وتشير هذه التقارير بأن الحرب ومنذ عام 2015 زادت من حدة أعداد المهاجرين مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وتوقف الكثير من الأعمال، وانعدام الرواتب، كما تؤكد تقارير ودراسات مختلفة بأن نخبة واسعه من الكفاءات والخبرات اليمنية أضطرت للهجرة، وأن الامر لا يتوقف على عوامل سياسية فقط بقدر ما تعكس تداعيات الحرب الإنسانية والكارثية، ودورها في إفراغ البلاد من مورد تنموي هام وأساسي.
باتت التحويلات المالية للمغتربين مصدراً مهماً وأساسياً لعدد من الأسر اليمنية فـ “علي أحمد” (60) عاماً أحد أرباب الأسر المعتمدة كلياً على تلك التحويلات يتحدث لـ “صحيفة أصداء” عن أهمية هذه التحويلات في حياته بالقول : أعتمد اعتماداً كلياً على ما يحولَه ولدي في تسيير وقضاء احتياجاتنا المعيشية، ولولاه بعد الله لأصبحت عالة؛ خاصةً وأني أعاني من داء السكر ومنذ 6 سنوات، وقواي البدنية والجسمية لا تسمح لي بالقيام بأي عمل أو بذل مجهود، ويواصل علي أحمد حديثه بالقول : أنا ومثلي عشرات الآلاف من الأسر تعتمد في الحصول على احتياجاتها المختلفة من مغتربيها في السعودية ودول أخرى، ومن أجل أن تؤمن أسرة يمنية حياتها وأبناءها وتتغلب على الظروف الصعبة؛ تسعى وبكل جهد لأن يكون واحد منها في المهجر للعمل وإمدادها بالمال لشراء ما تحتاجه.
تحويلات المغتربين تلعب دوراً هاماً وأساسياً في الاقتصاد اليمني، حيث تعتبر مصدراً مهماً للعملة الأجنبية، ومضمّداً لآثار الفقر الناجمة عن الموارد الشحيحة في البلاد، ولمعدلات البطالة المرتفعة ايضاً
قرابة 90 مليار دولار هي إجمالي تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج خلال الـ 20 عاماً الماضية؛ إلا أن الحكومة اليمنية فشلت وإلى حد كبير في الاستفادة من التحويلات في دعم مشاريع التنمية، فضلاً عن كون معظم هذه التحويلات تتم عبر شبكات غير رسمية؛ الأمر الذي حرم السوق المالية الرسمية من عائدات كبيرة بالعملة الصعبة كان بالامكان الاستفادة منها في تحقيق الاستقرار المالي للعملة، وتخفيف تداعيات الحرب والحصار على الاقتصاد واسعار السلع المختلفة.
الحرب والانهيار الاقتصادي ..
منذ تسعينات القرن الماضي واليمن يشهد استنزاف بشري متواصل (الهجرة صوب بلدان الإقليم والعالم) لكوادره المهنية وغير المهنية نتيجة للحروب والأزمات والصراعات المتواصلة، وضعف وهشاشة الدولة اليمنية.
فاقم هذه الظاهرة وزاد وتيرتها الحرب المستمرة منذ 26 مارس 2015 وحتى اللحظه، وتوقف المرتبات وتنامي معدلات الفقر والبطالة مع تسريح الألاف من الموظفين والعمال نتيجة لاغلاق وإفلاس الكثير من المنشأت والمؤسسات والشركات، كل هذا جعل من اليمن بيئة طاردة للعمالة ولبيئات الأعمال، وبلد يعيش اسوأ ازمة انسانية في الوقت الحاضر.
المغتربون وتحويلاتهم المالية هي طوق نجاة لقرابة 13 مليون شخص من المجاعة ولولاها لانهار ما تبقى من اقتصاد في اليمن ولرأينا الآلاف يموتون من الجوع أسبوعياً، ولانهارت العملة أضعاف أضعاف ماهي عليه اليوم.
منذ القدم والتحويلات المالية تُشكل مورداً رئيسياً للعملات الصعبة الضرورية لتغذية الاحتياطيات الخارجية، وتمويل الواردات من المواد الغذائية والاستهلاكية وان ما يقارب من 90% منها يذهب للاستهلاك اليومي للأسف.
يحرص الكثير من المغتربين اليمنيين في دول المنفى على الاقتصاد في معيشتهم لتوفير المال، وإرساله لإعالة اسرهم في الداخل اليمني والذي تقبع غالبتيها في براثن الفقر والحاجة لرغيف والدواء والمشرب والمسكن، وباتت شريحه واسعه من الناس تنظر للاغتراب ك طوق نجاه من كابوس يؤرّق حياتهم ويزيدها بؤساً ومعاناه، الامر نفسه ينطبق على طلبه الجامعات والمعاهد حيث يرى غالبيتهم في الهجرة فور اكمال دراستهم اولوية هامة لترتيب شؤون حياتهم وانتشال اسرهم من مأساوية الواقع والظروف القاهرة التي تعصف بهم وتتضاعف سنوياً مع استمرار الحرب وتزايد الاسعار وانعدام الخدمات.
كل هذا يقودنا للقول رغم الضخ المالي للمغتربين وما يعكسه هذا الضخ من تحسن لواقع وضروف أُسر هؤلاء المغتربين وانقاذها من الوقوع في الجوع، وتحريك عجلة الاسواق والحركة التجارية والتنموية إلا أن هجرة الادمغة والكفاءات لها انعكاسات خطيرة وهي بمثابة استنزاف للقدرات والخبرات وإفراغ المجتمع من كوادر وخبرات هامة من المفترض ان تكون عماد النمو والتنمية وبها يتم التعويل على النهوض الاجتماعي والاقتصادي، واستنزاف كهذا يعكس مدى ضياع فرص البناء والتنمية وأن اليمن يُستنزف على كافة الصعد والجوانب وأن مؤشرات اي مسار تنموي قادم مرهون بعودة الكثير من الكفاءات والخبرات المهاجرة.