فن الدبلوماسية وإدارة العلاقات العامة..
الدكتور/ سعـدون بن حسـين الحمـداني
دبلـوماسي سابـق – عـضو جمعـية الصحفـيين العـمانية
فن الدبلوماسية وإدارة العلاقات العامة..
تعتبر إدارة العلاقات العامة من أهم مجالات فن الدبلوماسية، والدبلوماسي الناجح على مختلف درجاته، هو من يتميز بعلاقات وثيقة وطيبة مع مختلف رجالات المجتمع في ساحة عمله وليس التقوقع في مكتبه، لان هذه العلاقات ذات مردود إيجابي كبير لبلده لأنه سوف يتعرف على المجالات التي سوف تطور من العلاقات بين البلدين وهذا لا ينطبق على الدبلوماسيين فقط، وإنما حتى على كبار الشخصيات والموظفين؛ لأنه من خلال إدارة العلاقات العامة يستطيع من تطوير مؤسسته أو وزارته من خلال التعرف على ما هو مفيد وجديد.
إن مفهوم الدبلوماسية بصورة عامة لم يطرأ عليه أي تغيير منذ اتفاقية فيينا عام 1961 إلى يومنا الحاضر؛ إلّا الشيء البسيط في الموضوع والمفاهيم؛ كالمراسم واستقبال كبار الشخصيات والدعوات وإتيكيت الموائد والأعياد الوطنية للبلدان وكذلك في مجال البروتوكول، وتنظيم الاتفاقيات والمقابلة بالمثل باللجان المشتركة بالجوانب الاقتصادية، وتجنب الازدواج الضريبي، والتهرب المالي، بالإضافة إلى اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرات لحاملي الجوازات الدبلوماسية والخاصة والخدمة؛ هذا جزء بسيط من التغييرات التي حدثت في القرن الحادي والعشرين.
إن الدبلوماسية هي استراتيجية وأداة الحكومة لغرض تحقيق أهدافها السياسة الخارجية والتأثير على جميع الهيئات والدول والمنظمات والمؤسسات الخارجية بهدف كسب تأييدها وتحقيق أهدافها مما كانت مجالاتها : إقتصادية/ سياسة/ عسكرية؛ بعض المختصين في فن وعلم الدبلوماسية يعتبر مفهوم الدبلوماسية يستند على إدارة العلاقات العامة لأنها مهنة دقيقة تحتاج الى كاريزما وشخصية بارعة في فن الاتصال والتواصل الاجتماعي والأقناع، ويذهب قسم من بعض المدارس الدبلوماسية الشرقية بأنها أكثر اعتدالاً؛ حيث تضع رعاية المصالح الوطنية بعيداً عن النظريات التوسعية والتطرف الحزبي والقومي والديني وأيدولوجيات الدولة تحت مظلة القانون الدولي.
يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول مفهوم وتطبيق إدارة العلاقات العامة واستحداث نظرياته ومجالاته وخاصة بعد الثورة الصناعية في نهاية القرن الخامس العشر في أوروبا لكافة أنشطة الحياة الرسمية وغير الرسمية وبرتوكول التعامل معها في الحياة العملية وكل مدرسة تتسابق بوضع بنود برتوكول وإتيكيت حول حدود وصلاحيات إدارة العلاقات العامة من ناحية التصرف أو التميز في العمل أو من خلال أسلوب التفاني بكل مفردات العمل الحكومي أو الاجتماعي وغيرها من مختلف أنشطة الحياة اليومية وكثيراً ما تدرس إدارة العلاقات العامة في جميع فروع الجامعات العريقة ولجميع التخصصات حتى أنها دخلت في مفردات كليات الهندسة لما لها من تماس مع المواطنين.
يعتبر العصر الإسلامي وعلى مدى مراحله المتعددة شمس نورت الطريق لكل البشرية من حيث التعاليم السماوية الراقية في تمدن الحياة وأنتقالها من العصور الجاهلية السوداء في كل شي الى قمة الحياة المبنية على العدل والمساواة والمحبة والرخاء الاقتصادي والانفتاح على العالم بقلب واسع يشع بالخير وحب الجميع وعند بزوغ رسالة الاسلام الشريفة على يد خاتم المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام الذي بشر بمبادئ الدين الحنيف في كل شي ومنها بوادر أرساء علم العلاقات العامة واختيار الكلمة وإدارة الحديث من أولويات إقناع الطرف الآخر ومدى تأثيرها للحصول على أهدافها المرجوة حيث تعتمد كثيراً العلاقات العامة على فن إختيار الكلمة المؤثرة ولباقة اللسان والعبارات المتزنة والهادفة وغيرها ، وهذا ما تطرق إليه القرآن الكريم قبل 1400 سنة، قال تعالى : “وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ” سورة القصص آية 34 ، وهذا دليل قاطع لنا بأن الكلمة لها تأثير مباشرة في ايضاح المفاهيم والافكار وتلعب الكلمة دوراً مهماً في إيصال تحقيق الخطة المرسومة.
فإن العلاقات العامة تُبنى بشكل جوهري على العنصر البشري وكاريزما الشخص أو الافراد لدى أعضائها ومن أهم المؤهلات المطلوبة هي (التخاطب، الاستماع، الكتابة، لباقة الكلمة، حُسْن المظهر، البساطة ،التواضع، الثقافة، الحماسة، الكياسة، التنظيم في قدرة هيكلة العمل، التواصل والمتابعة، القدرة على التعامل مع المفاهيم الإدارية، إمكانية صنع واتخاذ القرار في الأوقات الحرجة، مواكبة التطور والمناهج الحديثة، وأخيراً الاهتمام بموضوع الإتيكيت، خاصة احترام الوقت).
وتعريف العلاقات العامة؛ هي وظيفة إدارية في غاية الأهمية هدفها التواصل والاتصال المنفعي الصادق والأمين لغرض الوصول إلى الهدف، معتمدة على عدة مؤهلات ايضاً وأهمها : سمات المفاوضات/ جمع المعلومات/ إدارة المحادثة/ نظرية ترتيب الأولويات/ نظرية التأثير المباشر “قصير المدى”/ ونظرية التأثير التراكمي “طويل المدى”، كما أنها تساهم مساهمة فعالة في مد الجسور لإقامة أقوى الروابط بين المؤسسة وجمهورها، والمساهمة الجادة في رسم الصورة اللائقة عن نشاطات وسياسات هذه المؤسسة، وكذلك فأن كاريزما (الموظف ، القائد ، المدير) تلعب دوراً كبيراً في التأثير إيجابياً أو سلبياً في أجندة العلاقات العامة وخاصة بين بلدين من حيث إنها تستند على المعلومات الأساسية التي تمرر من قبل الجهات المسؤولة.
إن جميع نظريات ومفاهيم العلاقات العامة وفن الدبلوماسية التي تُدرس في الكليات والمعاهد الدبلوماسية في أغلب دول العالم وخاصة الغربية منها؛ تركز كثيراً على مبدأين أساسيين هما (الإستراتيجية والتكتيك) والتي تعتمد عليها فن الدبلوماسية وإدارة العلاقات العامة لكونهما خطة طريق موضحة فيها التوقيتات والاهداف والفرضيات والبدائل.
وفي الختام هناك فرق كبير بين الإستراتيجية والتكتيك في إدارة العلاقات العامة ، فالإستراتيجية هي الأهداف الجوهرية العامة لفترات طويلة في كل الأوقات الايجابية والسلبية ولجميع المراحل بمختلف الادوات والوسائل المتوفرة، أما التكتيك فهو فن قيادة لحالة معينة محدود المسؤولية والوقت والمستلزمات والأهداف وهذا هو من أهم رؤية ومسار العلاقات العامة.