عُـمـلـة نـادرة..
أصـيـلة بنت حمـد الحبـسي
عُـمـلـة نـادرة..
لقد حبا الله سلطنة عُمان بطبيعةٍ خلابة، وتضاريس متنوعة، ومناخٍ معتدل؛ مما جعلها أرضاً خصبة تحتضن العديد من الأشجار والنباتات التي تؤتي ثمارها بشتى أشكالها وأنواعها وألوانها وفوائدها التي لا تعد ولا تحصى.
ومن أشهر تلك الأشجار التي تنفرد بها السلطنة عن سائر الدول الأخرى، تلك الشجرة العريقة، والدرة الثمينة، والجوهرة النفيسة؛ ألا وهي شجرة اللبان التي يفوح شذى عطرها في سائر الأمصار، واغتنى من أثمانها العطَار وسيّرت لأجلها قوافل التجار.
لقد حظيت شجرة اللبان عبر مسيرتها التاريخية بحضور تاريخي مميز؛ جعل منها جسراً للتواصل بين حضارات العالم القديم منذ آلاف السنين ورمزاً حضارياً مميزاً للحضارات القديمة؛ فلأجلها سيّرت الكثير من القوافل التجارية والرحلات البحرية بمسارات وطرقٍ شاقة.
وقد تطرق العديد من المؤرخين والرحالة والباحثين في مؤلفاتهم إلى مكانة تلك الشجرة الشامخة العريقة وأهمية المادة المستخرجة منها، وتعتبر شجرة اللبان رمزاً ٥مقدساً في طقوس وشعائر الحضارات القديمة كالحضارة العُمانية والمصرية والرومانية والصينية؛ فهي بمثابة عملة نادرة نظراً لما تتمتع به من أهمية اقتصادية وعلاجية وجمالية.
وقد ازدهرت تجارة اللبان على مر الأزمنة والأمكنة فنشأت بفضلها علاقات تجارية متنوعة مع حضارات وشعوب العالم القديم من خلال طرق القوافل إلى بلاد ما بين النهرين وإلى مصر وبلاد حوض البحر المتوسط ومنها إلى أوروبا وعبر بحر العرب والمحيط الهندي إلى سواحل أفريقيا وشبه القارة الهندية وصولاً إلى شرق آسيا.
وتنفرد سلطنة عمان بإنتاج أجود أنواع اللبان الذي تمتد جذوره في مناطق مختلفة من محافظة ظفار نظراً لتوفر المناخ المناسب والتربة الجيرية الكلسية الملائمة لنمو شجرة اللبان ذات الإرث التاريخي والثقافي.
وتتواجد أشجار اللبان في المنطقة الواقعة خلف الجبال التي يطلق عليها ظل المطر إلى جانب المنحدرات المنخفضة وفي قاع الأخاديد والجداول وبكميات أكثر كثافة في بطون الأودية والعريضة الأكثر حجماً.
وتقاس جودة اللبان باللون النقي والصافي والخالي من الشوائب كاللبان الحوجري والنجدي والشزري ويرتفع ثمنه طبقاً لخصائصه الكيميائية حيث ترتفع قيمته كلما كان صافياً ونقياً وتقل كلما تغير لونه إلى الاحمرار أو اختلط بشوائب أخرى، وترتبط جودة الإنتاج بالنطاقات الجغرافية والعوامل المناخية المميزة لكل نطاق، وكذلك خبرة ومهارة العمال على جني هذا المحصول وفترات ومواقيت الحصاد.
ولا تنحصر فوائد شجرة اللبان على الجانب الاقتصادي؛ بل تتعدى إلى فوائد صحية وعلاجية؛ فقد أثبتت العديد من الدراسات والبحوث العلمية في جامعات مختلفة أن شجرة اللبان تحتوي على مركبات كيميائية فريدة والتي لها الدور الكبير في علاج العديد من الأمراض المستعصية والمعاصرة كمرض الربو وسرطان الدم والقولون والمعدة والبنكرياس وإلتهاب القولون التقرحي؛ حيث أظهرت بعض الأبحاث أن اللبان يمكنه تحفيز الشفاء لدى 70% إلى 82% من المرضى المصابين بالتهاب القولون التقرحي وتقليل الأعراض الناتجة عنه.
إن شجرة اللبان كانت ولا زالت أحد روافد الدخل القومي للبلاد بل أصبحت تعادل وتفوق قيمتها السلع والمعادن الثمينة كالذهب والنحاس؛ لذلك أولت الحكومة الرشيدة عناية خاصة بها وذلك بإنشاء عدد من مراكز البحث العلمي تعنى بدراسة فوائد شجرة اللبان وخصائصها الكيميائية والعلاجية، وتم إنشاء محميات خاصة لها في مناطق متعددة من محافظة ظفار كمحمية جبل سمحان ومحمية وادي حوكة التي تحتضن على أشجار عديدة من أشجار اللبان بجانب الأشجار الطبيعية المعمرة وتم إدراج محمية وادي حوكة ضمن قائمة التراث العالمي الثقافي والطبيعي.