بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

حماية العامل هدف اجتماعي وغاية تشريعية .. الجزء (5)..

الدكتور/ سعيد بن عبدالله المعشري

محامي ومستـشار قانـوني

 

حماية العامل هدف اجتماعي وغاية تشريعية .. الجزء (5)..

 

إن حماية العامل من الإصابة أثناء أو بسبب العمل لا تقتصر على ضمان حقه في التعويض عن العجز أو الوفاة الناتجة عنها، وإنما يتعدى إلى ضمان حقه في سلامته أثناء ممارسته للعمل من أجل وقايته من الاصابة، ولذلك حظي هذا الجانب باهتمام دولي بموجب ما قررته منظمة العمل الدولية (ILO) للعديد من الاتفاقيات الدولية كاتفاقية السلامة والصحة المهنية وبيئة العمل النافذة في عام 1983م، التي من خلالها أن تتعهد الدول الأعضاء بالمنظمة والمصدقة على الاتفاقية بصياغة وتنفيذ سياسة وطنية بشأن السلامة المهنية وبيئة العمل ومراجعتها بصفة دورية، ويكون الهدف منها الوقاية من الحوادث والاضرار الصحية الناتجة عن العمل والحد من مسببات المخاطر الناتجة عن بيئة العمل، وهو ما التزمت به السلطنة من خلال إصدار اللائحة التنظيمية لتدابير السلامة والصحة المهنية في المنشآت الخاضعة لقانون العمل بموجب القرار الوزاري رقم (2008/286).

وأيضا هناك العديد من الجوانب المتعلقة بحقوق العامل التي نالت الاهتمام الدولي البالغ سواء من منظمة العمل الدولية أو من المنظمات الدولية الأخرى خاصة منها الراعية لحقوق الانسان، ولهذا صدرت العديد من الاتفاقيات الدولية، كاتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن ساعات العمل (الصناعة) لعام 1919م، واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن حماية الأمومة لعام 1919م، واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن عمل المرأة ليلاً لعام 1919م، واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن طرائق تحديد المستويات الدنيا للأجور لعام 1928م، و اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن التامين ضد الشيخوخة لعام 1933م، واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن إعانات العجز والشيخوخة والورثة لعام 1967م، بالإضافة إلى ذلك صدرت غيرها من الاتفاقيات الدولية التي غطت جميع الجوانب التي تحمي حقوق العامل في بيئة العمل والاطار الاجتماعي، فمن الملاحظ ان اغلب هذه الاتفاقيات ابرمت في الحقبة التي وصلت خلالها الثورة الصناعية والتكنلوجية إلى ذروة انطلاقها نحو النمو والتنافسية بين الدول الصناعية وخاصة بعد انتهاء الحربين العالميتين الأولى والثانية مما جعل منها السعي إلى توفير الضمانات الحمائية اللازمة للعامل من أجل تحفيزه للعمل بمصانعها.

ولذلك فأن التطورات الحديثة على المستوى الدولي المتعلقة بالعمل والعمال لم تكن بمعزل عن اهتمامات السلطنة من خلال سعيها إلى إرساء قواعد حمائية بمختلف القطاعات الاقتصادية في ظل تنامي ظهور العديد من الصناعات الحديثة، وأهمها الصناعات التحويلية القائمة على المنتجات النفطية التي شكلت حافزاً نحو إيجاد وسائل مُثلى لحماية العامل وخاصة عن إصابات العمل والأمراض المهنية الناتجة عن مخاطر ممارسته للمهن بمختلف الصناعات، وبذلك صدرت العديد من القوانين التي تنظم أحكام إصابات العمل وكان أولها قانون التعويض عن إصابات العمل والأمراض المهنية رقم 77/40م، وبعدها صدر قانون التأمينات الاجتماعية رقم 72/91 وقانون الخدمة المدنية رقم 2004/120م، الذين يحويان على جوانب متعلقة بالمعاشات والمنافع التقاعدية وتنظيم الحقوق التعويضية للعامل المصاب.

في حقيقة الأمر، إن اللبنة الأولى نحو إيجاد منظومة حمائية اجتماعية وتشريعية للعامل بالسلطنة كانت من خلال إيجاد منظومة للتأمينات الاجتماعية، التي أتت قبل انضمامها إلى منظمة العمل الدولية (والتي انضمت اليها بتاريخ 9 يناير 1994م بموجب المرسوم السلطاني رقم 10/94م القاضي بالموافقة على انضمام سلطنة عُمان إلى المنظمة) وذلك بصدور قانون التعويض عن إصابات العمل والأمراض المهنية رقم 77/40م، الذي أستمر العمل به لتنظيم تأمين العاملين بالقطاع الخاص عن إصاباتهم المهنية إلى أن صدر قانون التأمينات الاجتماعية رقم 72/91م الذي اقتصر تطبيقه على العاملين العمانيين دون الأجانب في القطاع الخاص، الذين ظلوا خاضعين للقانون رقم 77/40م المشار إليه، إلا أن هذا القانون لم يحدد مؤسسة أو هيئة تشرف على التأمين على العاملين الأجانب لتنظيم حقوقهم أنما ترك الأمر لأصحاب الأعمال بالتأمين على مسئوليتهم عن إصابة هؤلاء لدى شركات التأمين التجارية.

واستمر العمل بقانون 77/40 المشار إليه إلى حين صدور قانون التأمينات الاجتماعية رقم 72/91م، ملغياً بذلك سريان قانون رقم 77/40م على العاملين العمانيين بالقطاع الخاص مع بقاء سريانه على العمال الأجانب، حيث إن قانون التأمينات الاجتماعية شمل فرعين للتأمين هما:

– التأمين ضد الشيخوخة والعجز والوفاة.

– التأمين ضد إصابات العمل والأمراض المهنية.

وبعدها صدر نظام التأمين على العُمانيّين العاملين في الخارج ومن في حكمهم بموجب المرسوم السلطاني رقم (2000/32) بتاريخ 30 أبريل 2000م، والذي كان تطبيقه اختياريا على العمال العمانيين الذين يعملون خارج السلطنة وخارج دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومن في حكمهم، كالعاملين في السفارات والقنصليات والهيئات الدولية العاملة في السلطنة وخارجها، ويستثنى من ذلك العاملين بدول المجلس في القطاع الخاص والعام، حيث أن هذا النظام يغطي التأمين ضد مخاطر العجز والشيخوخة والوفاة دون إصابات العمل.

وكذلك صدر نظام مد الحماية التأمينية للمواطنين العاملين بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بموجب المرسوم السلطاني رقم (2006/5) بشأن تطبيق النظام الموحد لمد الحماية التأمينية لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي قضى التصديق على قرار المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المتخذ في دورته (25) المنعقدة في مملكة البحرين (ديسمبر عام 2004) بشأن الموافقة على النظام الموحد لمد الحماية التأمينية لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية العاملين في غير دولهم في أي دولة عضو في المجلس، حيث إن هذا النظام يطبق بصفة إلزامية على جميع العاملين في القطاع الخاص الذين يعملون لدى أي صاحب عمل يزاول نشاطه في إحدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اعتبارا من 2006/1/1م ماعدا دولة الامارات العربية المتحدة ودولة قطر؛ حيث طبقتا النظام اعتبارا من 2007/1/1م، وكذلك صدر المرسوم السلطاني رقم 15 /2021م بشأن تطبيق النظام الموحد لمد الحماية التأمينية للعسكريّين من مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية العاملين في غير دولهم في أي دولة عضو في المجلس، وبهذا فإنه بموجب أنظمة مد الحماية التأمينية المشار إليها يتم تغطية الخاضعين لها على فرع تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة دون فرع تأمين إصابات العمل والأمراض المهنية.

وبهذا فإن للحديث بقية في الجزء التالي من هذا المقال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى