ثقافة الاعتذار وآثارها على المجتمع..
خالد عمر حشوان
ثقافة الاعتذار وآثارها على المجتمع..
ثقافة الاعتذار من الثقافات المهملة في المجتمعات بشكل كبير إلا عند من رحم الله، والسبب الرئيسي في ذلك هو الاعتقاد الخاطئ عند بعض أفراد المجتمع بأنها ضعف واستسلام، مع أنها مرتبطة بشكل كبير بشجاعة الإنسان المعتذر التي تجعله قادرا على هذه الثقافة والاعتراف بالخطأ والتجاوز الذي صدر منه.
وفي المقابل هناك طرف آخر وهو “المعتذر إليه” والذي لابد أن يكون كريما ومتسامحا ويقدر شجاعة المعتذر ويتقبل الاعتذار شريطة ألا يكون هذا الخطأ أو التجاوز متكررا ومزعجا من المعتذر أو عادة مستمرة لا نهاية لها ولا يستفيد من أخطائه.
كما أن ثقافة الاعتذار تدل على الحكمة وقوة الشخصية وتقدير الآخرين والاعتراف بالخطأ وتساهم في عدم إيذاء مشاعر الآخرين واحترامهم مع التأكيد على عدم الدخول في تفاصيل المشكلة ومتعلقاتها بمجرد حدوث الاعتذار لعدم العودة لنقطة الخلاف الرئيسية.
أهمية ثقافة الاعتذار للمجتمع..
إن المجتمعات التي تتميز بثقافة الاعتذار يسودها الحب والود والسلام والتسامح والرحمة وتتميز بمتانة العلاقات الطيبة بين أفرادها ليصبح كالجسد الواحد ويخلوا من أمراض الحقد والكراهية والخصام، وتعتبر هذه الثقافة من شيم الكبار الذين يثقون في أنفسهم وإمكاناتهم في إصلاح الأمور قبل فسادها وتفاقمها في المجتمع وتكسب الأفراد احترامهم لبعضهم البعض والتواصل المستمر.
ثقافة الاعتذار هي ثقافة إسلامية قديمة..
وهو ما ثبت لنا في قصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي هو قدوة لنا في ذلك عندما صعد للمنبر للحديث عن مشكلة غلاء المهور وتحديدها لمصلحة المسلمين في ذلك الزمان، وعند نزوله ومروره في الطريق ورغم ما نعرفه عنه من شدة وهيبة، اعترضته امرأة وقالت له : يا أمير المؤمنين ألم تقرأ قول الله تعالى “وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا” (النساء-20)، (والقنطار هو ألف ومئتا أوقية)، فعاد عمر وصعد المنبر بكل ثقة وشجاعة وتواضع وقال مقولته الشهيرة : (أصابت امرأة وأخطأ عمر) وتراجع عن الخطأ الذي علم أنه لن ينقص من شخصه أو قيمته أو هيبته شيء مقابل اقتناعه بخطإه واعترافه به.
سمات الاعتذار..
ينبغي أن يكون الاعتذار صريحا وواضحا للخطأ الذي حدث وأن يقدم دون تعال أو تلاعب بالألفاظ وتحريف للمعاني أو تلميح، لأن الوقوع في الخطأ لا يعني سوء شخصية المعتذر أو فشلها بل قد يكون سوء في الاختيار أو إخفاق في اختيار التصرف السليم أو تسرع في لحظة عدم تفكير أو سوء تقدير.
قبول الاعتذار..
قبول الاعتذار والعفو والرحمة من خلق القرآن الكريم الذي أوصى بها الله عز وجل رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران-159)، والعفو عند المقدرة وقبول الاعتذار من الفضائل النبيلة التي تدل على السماحة وأصالة المعدن وطيب السجايا وطهارة القلوب ونقاوتها مع الكرم والإحسان، وقد كان لنا درسا في قصة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في العفو الشامل وسماحته لأهل مكة يوم الفتح الأعظم وهم الذين آذوه واضطهدوه ومكروا به وأخرجوه من مكة مهاجرا ورغم كل ذلك عفى عنهم وقال لهم بكل ود وسماحة : “إذهبوا فأنتم الطلقاء”.
أثر الاعتذار على المجتمع..
وأختم .. بأن العفو وقبول الاعتذار له تأثير كبير على أفراد المجتمع حيث أنه يخلق المحبة وراحة الضمير وسكينة النفس بينهم بفضل الله وينزع الكراهية والعدوانية التي قد تسبب الأزمات وشحنات الغضب والرغبة في الانتقام والانقسام بين أفراد المجتمع وفي ذلك يقول الله تعالى ” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ “(فصلت-34-35)، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى ثقافة الاعتذار لإصلاح المجتمعات وتطهيرها من الكبر والعناد والتمادي في الأخطاء والقضاء على الفتن والمكائد التي أصبحت عامل مؤثر في المجتمع بسبب ضعف ثقافة الاعتذار وسوء فهمها.