التاريخ هو العمق الاستراتيجي لمن يبتغي صناعة المجد في الحاضر والمستقبل..
محمد بن العـبد مسن
التاريخ هو العمق الاستراتيجي لمن يبتغي صناعة المجد في الحاضر والمستقبل..
عندما تفكر في الذهاب الى أوروبا تستوقفنا تلك الآثار التاريخية التي تذكرنا بأحداث الفتوحات الاسلامية السابقة.
من المعالم السياحية المهمة (قلعة باديرن) ومكانها الاستراتيجي قديماً وهي تعتبر من إحدى القلاع السبعة التي تزين علم البرتغال اليوم، وهي أبرز آثار العمارة العسكرية الإسلامية في شبه الجزيرة الأيبيرية.
إن هذه القلاع في اسبانيا والبرتغال تذكرنا بـ (معركة الزلاقة)..
حيث تعتبر أول معركة كبيرة شهدتها شبه الجزيرة الإيبيرية في العصور الوسطى.
وإحدى أبرز المعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي في 1086م.
في هذا المقال يسعدني أن أطلعكم على تفاصيل بعض ما رواه المؤرخون عن معركة الزلاقة :
يقال إن القائد “ألفونسو السادس” الذي غرته مكانته و قوة جيوشه التي تخطت الـ ٨٠ ألف جندي.
أنهُ قال :
لو عندي سفن كافيه لعبرت البحر وقاتلت العرب على أرضهم فإن لدي جيشاً يقهر الإنس والجن وسيهزم حتى ملائكة السماء!.
وعندما بلغ ذلك إلى القائد المسلم “يوسف بن تاشفين” استشاط غضباً وأمر بكتابة خطاب وأرسله إليه قائلاً فيه :
{من أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى الفونسو السادس :
بلغنا أنك دعوت أن يكون لك سفن تعبر بها إلينا؛ فلا تكلف نفسك العناء فنحن سنعبر إليك حتي تعلم عاقبة دعائك، وإني أعرض عليك إما الإسلام أو الجزية عن يد وأنت صاغر، وإلّا فهي الحرب وإني أمهلك ثلاثة أيام ولك ما تختار}..
حينها وضع يوسف بن تاشفين خطّته المُحكمة على ثلاث مراحل، وقسّم الجيوش لثلاثة جيوش، ما استطاع من خلاله استخدام عنصر المفاجأة لجيش ألفونسو، فقد شعر ألفونسو بأن النصر قريب بعدما استطاع أن يوقع العديد من الخسائر المادية والبشرية في صفوف مقدمة جيش المرابطين الذي كان بقيادة ملك إشبيلية المعتمد بن عبّاد وداؤود بن عائشة وهو أحد قادة جيش المرابطين المشهورين.
وكان عنصر المفاجأة عندما نزل يوسف بن تاشفين أرض المعركة، مع نخبة الجيش المرابطيّ وحرسه الخاص الذي كان يبلغ حينها 4 آلاف مقاتل أشدّاء، هجموا من الخلف على معسكر ألفونسو، فأصبح ألفونسو الآن بين شقيّ رحى : جيش المعتمد بن عباد وجيش يوسف بن تاشفين، وقد أصيب ألفونسو إصابةً بالغة في فخذه ظلّ يعرجُ بسببها طوال عمره.
ويقال عندما عبر يوسف بن تاشفين كان تعداد الجيش قرابة ٢٥ ألفاً فقط؛ حيث سميت معركة “الزلاقة”؛ فسحقهم المسلمون و أبادوهم حتى أنه لم يبق من جيش ألفونسو إلا ٥٠٠ جندي، وأصيب القائد ألفونسو في هذه المعركة وقطع المسلمون رجله ليموت بعدها بفترة كمداً وغماً وغيظاً وحسرة بعد أن قتل المرابطون إبنه.
قال ابن خلدون :
(إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق).
وهناك الكثير مما نرى من آثارها لم يبقَ منها سوى القلاع والحصون المهدمة، وتخفي خلفها أجمل البطولات والتضحيات.
أيضًا التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة، وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وفي مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وكل هذه الآثار تشدنا لفهم وتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج منها العبر التي تسهم في بناء المستقبل.
قال هنري كيسنجر :
“إن التاريخ منجم زاخر بالحكمة التي قد نجد فيها المفاتيح الذهبية لمشاكل حاضرنا”.