الدبلوماسية الإعلامية والدبلوماسية الرقمية..
الدكتور/ سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق – كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا
الدبلوماسية الإعلامية والدبلوماسية الرقمية..
الإعلام بكافة أنواعه والدبلوماسية توأمان متلازمان يستحيل فصلهما، ويعرف الإعلام بصورة عامة بأنه لسان السياسة الناطق وأداتها المؤثرة في جميع شرائح المجتمع؛ بل وتتعدى حدوده الداخلية لتصبح إقليمية ودولية؛ استناداً لقوة الحدث ونوعه، وبالتالي فإن الإعلام والدبلوماسية لهما تأثير مباشر على الرأي العام الداخلي والخارجي.
تعتبر الدبلوماسية الآن هي من أهم مفاتيح النجاح والتفوق ليس في مجال السياسية فقط، وإنما حتى في الحياة اليومية والاجتماعية، ونرى ارتفاع نسبة الطلاق في أغلب الدول العربية والإسلامية بسبب عدم اتقانهم مفاهيم الدبلوماسية الحياتية أو اليومية.
في بداية مقالنا اليوم يجب أن نعرف الإثنين كي نسلك الطريق الصحيح لفهم المصطلحات واستخدامها بحياتنا اليومية.
الدبلوماسية الإعلامية : هي تتوشح الدبلوماسية دائماً بثوب الصحافة لإخفاء المعالم السياسة التي بداخلها حيث تعتمد الدبلوماسية على سلاحَيْن مهمَّيْن وهما : الإعلام الدبلوماسي والإعلام السياسي والاثنان عملة واحدة ذو وجهين.
والدبلوماسية الإعلامية هي الشعاع البراق للسياسة الخارجية للحكومة والذي يتطلب فريقاً محنكاً مهنياً ذا خبرة عميقة وطويلة؛ معتمداً على نظريات العلوم السياسية والاقتصادية لكونه يعكس حقل السياسة الخارجية والدولية بين طرفين، والتأثير من خلال مهارة الاتصال والتواصل مع الاحتفاظ بالخصوصية الوطنية، والتعبير عن أهدافها ومصالحها وحضورها وتطويرها لخلق جسور تواصل بين الجميع.
يعتبر الإعلام الدبلوماسي من أهم مقومات نجاح وتفوق الدولة اقتصادياً وهو هدف استراتيجي يرسم من قبل هرم الدولة، وتعرف بأنها أداة جلب للاستثمارات الخارجية لرفع المنافع الوطنية الاقتصادية في كل المجالات والأنشطة عدا العسكرية وأمن سيادة الدولة.
وبالتالي أصبح الإعلام الدبلوماسي المعيار الحقيقي لثقل وهوية الدولة في قضايا التنمية والاقتصاد والسياحة في البلاد؛ حيث تقوم الدول حول العالم باستغلال جهازها الدبلوماسي لخدمة مصالحها الاقتصادية وبذلك تأتي الدبلوماسية كأولوية قصوى لدى الكثير من الأجهزة الدبلوماسية حول العالم كون السياسة الخارجية هي انعكاس للسياسة الداخلية وواحدة من أهم الأدوات لتحقيق أهدافها بعيدا عن السياسية وفلكها المتقلب.
الدبلوماسية الرقمية؛ نحن الآن في عصر علم النانو والطفرات التكنولوجية في مجال وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي فظهرت لنا خلال العشر سنوات الاخيرة انتشار واسع (الإنستا/ تويتر/ الفيسبوك/ الواتساب) وغيرها من وسائل الاتصال الرقمي بعضها مشفر والآخر باللغة المتعارف عليها.
بدأت الجهات الحكومية والشخصيات البارزة تعبر عن رأيها بالإضافة إلى نشر الأخبار بسرعة رمش العين، ومثال ذلك ما ينشر عندنا في مسقط بخصوص الزيارة الأخيرة لفخامة الرئيس الايراني للسلطنة حيث نشرت الأخبار الرقمية بسرعة البرق وتتناقلها القنوات الدبلوماسية من مختلف القارات بدلاً من انتظار الصحف الورقية أو الأخبار المرئية أو المسموعة، وبالتالي بدأت الدبلوماسية الرقمية بالتسارع لاصطياد الخبر من خلال الاعتماد على الدبلوماسية الرقمية رغم اختلاف اللغات والأماكن والجنسيات والأديان إلا أن الخبر يتناقل بين جزيئات الهواء وبين أركان الكرة الأرضية قبل أن نكمل شرب فنجان القهوة.
وهنا يمكن القول بأن الدبلوماسية الرقمية هي (الاستقبال والإرسال) معتمدة على الحقائق الثابتة المرئية والملموسة ومختصرة الجُمل والكلمات وتعتمد كثيراً على علم المعنى ((Semantic أكثر من علم النحو (Syntax) لذلك على الدبلوماسي والإعلامي الناجح هو جمع المعلومات الرصينة وإعداد الكلمات والجُمل وبثها ، وليس الحشو اللغوي الروائي الذي يشتت الأفكار وبعيداً عن صلب وجوهر الحدث.
الدبلوماسية الرقمية تخوض في كل المجالات وليس محددة المعالم أو متخصصة فقط بالسياسة أو الإعلام وحتى المجال الطبي بدأت تنشر الاخبار الرقمية مستندة الى التصاريح الرسمية الصادرة من السفارة أو من الدبلوماسيين حول سلامة الجالية الموجودة في تلك الدولة لأننا الآن ليس بزمن الحمام الزاجل في نقل الخبر. أن التطورات التكنولوجية في الدبلوماسية الرقمية والتقنيات الإعلامية الحديثة المتلاحقة وظهور أشكال غير تقليدية لوسائل التواصل الاجتماعي من خلال الصحف الإلكترونية والإنترنيت للحصول على المعلومة جعلت اغلب الدول المتقدمة بالاهتمام بها ، ومثال ذلك الحرب الروسية الاوكرانية حيث تتناقل الاخبار بواسطة (التويت ، أو الإنستا ، الفايبر وغيرها) بسرعة البرق بعيداً عن إنتظار اصدار الصحف الورقية أو مشاهدة التلفاز ، وما لمسناه من تنديد من قبل الخارجية العُمانية باغتيال شهيدة الكلمة المراسلة شيرين أبو عاقلة حيث كان التفاعل واضحاً جداً.
ومثال آخر تناقلت كثير من وسائل التواصل الاجتماعي زيارة فخامة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى سلطنة عُمان، حيث تمتع الجارة الشقيقة ايران بتقنيات حديثة راقية جداً معتمدة على كادرها الوطني في تحديث البرامج وحمايتها من أي خرق أو بث أخبار أو شائعات قد تعكر هدف الزيارة، وكذلك الهند التي تعتمد كثيراً على الاخبار الرقمية لما لديها منصات وسائل التواصل الاجتماعي كثيرة والتي تعتبر في غاية الحداثة وتواكب ما يحتاجه مجال الاستخدام، لذلك علينا التعامل مع الاخبار الرقمية من مصادرها الدبلوماسية والرسمية الحكومية فقط لغرض بناء الرأي الصائب.
والآن الدبلوماسية الرقمية هي تمثل أداة ونظريات وأهداف الدولة التي تمثلها بالخارج والداخل؛ مبينة على استراتيجيات وأهداف سياسية معينة مرسومة مسبقاً، وصراحة إنني أرى أنه خلال الخمس سنوات المقبلة قد تختفي الدبلوماسية الإعلامية المعتمدة على الصحف المقروءة، وأن تناقل الخبر الآن يعتمد كثيراً على الرقمية في نشر الأخبار، وتبقى مشكلة مصداقية الخبر، لذلك على الجميع تحليل الخبر والتأكد من مصدره كي لا نسمح للشائعات بالانتشار.