ليـس كل الراحلـين غائبـون !!..
حبـيـب بن مبارك الحبـسي
ليـس كل الراحلـين غائبـون !!..
نحن راحلون .. هذه حقيقة ينبغي أن تكون حاضرة في حياتنا بشكل يومي فالحياة لا بد لها من نهاية في كل شيء للعودة الى الله تعالى .. لكننا نعيش في غفلة ونصحى على غفلة هذا واقعنا، في نفس الوقت حريصون على اقتناء كل شيء .. وطبيعة تعاملنا متنوعة حسب احوالنا وظروفنا ، فتارة نرى الفرح في شيء بسيط يحول لنا الحياة إلى نشوة وسعادة ، ويقض مضجعنا موقف أصغر منه فتتحول حياتنا إلى حزن وهم وشقاء وهكذا تتقلب بنا الأحداث وردود أفعالها كل يوم.
هذه الدنيا ليست بدار قرار وإن عشنا في القصور أو مستوى رفاهية من العيش أو عشنا على أوضاع أقل منها سنرحل ، منا من يرحل فجاءة ومنا يعتليه الأمراض والاسقام ويرحل على أثرها هذه مشيئة الرحمن وتتعدد الأسباب لكن الرحيل هو الرحيل ..لكننا هنا تأسرنا الرفقة الصالحة والأنس بمن ارتبطنا بهم فمجرد رحيله نشعر بحنين ونكون اضعف في هذا الموقف ولا نملك مشاعر البكاء فقد فقدنا من نجد في قلبه الأمن والمساعدة والتضحية والود والنقاء والصفاء… اعتقد هذا يرحل جسده أما ذكرياته واوقاته حاضره معنا فلن يغيب شخص سخر وقته من أجلك ولن تختفي روح من كان يشاطرك الهموم والأوجاع عبر السنين .. ولن تتناسى العين ما اختزنته من صور شتى لمواقف الرجال الذين استندنا عليهم في الأيام الثقال، ولن تفتقد المسامع حس وصوت ذلك الراحل الذي ملأ وجوده معنا أفراح.
أمثال هؤلاء نجد رحيلهم ألما يصعب علينا مداواته لكننا لا نملك الآ التسليم والرضى بقضاء الله وقدره و الدعاء وفي تقديم أعمال الخير والبر لهم، لن يتقادمون حتى لو بعدت الوفاة ، لأننا احببناهم في الله وقاسمونا شعورا صادقا فوجودهم كان زادا ومعراجا لنفض ما يعترينا من هموم وغموم.
لا غرابة في أن تسيل العين دموعا كلما خطر لنا من كنا نحبه وفقدناه ،لأننا كنا مع روح واحده لا ننسى تلك البسمات على المحيا ولا ننسى اليد التي كانت تعطي في الخفاء ولا ننسى الكلمات التي كانت تطبطب على قلوبنا وتشعرنا بأنه لا شيء في هذه الحياة يستأهل الصراع عليه ، وكنا نجد كلما ضاقت علينا الدنيا يفتح الله تعالى لنا في وجود هؤلاء ابوابا تفتح فيه المغاليق فالرحيل الجسدي أن عبر فالروح تعيش في الوجدان ولا يمكن تناسيها هكذا بعض البشر طبعهم الله تعالى في قلوبنا.
ربما بعد رحيلهم لن نجد تلك المساحة النقية وقد لا نجد البديل فليس بالضرورة نصادف أمثالهم فهؤلاء مثل الابطال فليس بالضرورة التاريخ يفزر أمثالهم ، ليس فهذا وحسب لأن الرفقة والمعادن تنضج وتعلو كلما تقادمت العشرة وتقاربت الأعمار ؛ هذا الإحساس المفعم بهذه المشاعر يولد فينا النبض بأن الرفقة حتما ستفترق مهما تلاقت الأفكار والأهداف والمشاعر لأن الدنيا فيها ميلاد لجديد ورحيل لفقيد.
كثيرون راحلون لكنهم غائبون عن عالمنا بمجرد رحيلهم ، ولكن بين هؤلاء هناك ثلة راحلون لكنهم حاضرون في قلوبنا وفي أحداثنا وفي ذكرياتنا وجلساتنا وفي ألبوم صورنا ، ذلك الواقف وسط الصورة أو يمينها أو شمالها واقف في قلوبنا لا يختفي مهما تعرفنا على آخرين ومهما حدثت مواقف جميلة فالأقدم يسبق حضوره ولن يموت هذا الوفاء الذي يجب أن لا ننساه .
يكفي أننا كلما حضر مقام هؤلاء بيننا وهم راحلون دمعت العين اشتياقا لهم وغاص الفكر في بحر ذكرياتهم ..