الإمام الأستروشني وتراثه العلمي..
الدكتور/ مسلم رزقي عطاء
الأكاديمية الاسلامية الدولية – أوزبكستان
الإمام الأستروشني وتراثه العلمي..
الحمد لله الذى عمنا بالإنعام، وعلمنا علم الأحكام، وامرنا بالطهارة من الأحداث والأنجاس والآثام، لنتأهل للمثول بين يديه والقيام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام، المميز بين الحلال والحرام، وعلى آله واصحابه بدور التمام، ومصابيح الظلام.
أمّـا بـعـد ،،
من المعلوم أن مليارا وثلاثمائة مليون من أهل العالم اليوم يعتقد الدين الإسلامي وطبعا لا تستطيع أن تتمثل العالم الروحى وعقيدة المسلمين تلك القوى المتعصبة التى تستفيد من الدين الإسلامى بصفته مجرد نقاب لأعمالهم المنفورة.
وعندما نتحدث عن الدين الإسلامي فنحن نتذكر قبل كل شىء ربنا سبحانه وتعالى ورسوله وعلماءنا الأكابر وأئمتنا الأعاظم الذين توجد صلة روحية بيننا وبينهم. ونعنى بهذا الصدد أولئك الفضلاء المرشدين كالإمام البخاري والإمام الترمذي وبهاء الدين نقشبند وأحمد يسَّوى وعبد الخالق الغجدوانى والزمخشري الذين نشأوا فى أرضنا المقدسة والذين يتذكر أسماءهم العالم الإسلامي كله باحترام كبير وإننا نربط حياتنا الروحية بهذه الأسماء العظيمة. لأن أسماء أولئك الفحول الأعزاء وتراثهم الخالد مرتبط ارتباطا وثيقا بديننا المقدس. إنهما جزآن لا ينشقان أبدا ولا نستطيع أن نتصور ديننا بدون تلك الأسماء الكريمة.
إننا نجد ظروفا ملائمة لأن نستفيد من تراث مفكرينا الكرام وأن ينشأ فى هذا المحيط المعنوى وأن تملأ الفلسفة الإنسانية للدين الإسلامى وغاياته العظيمة قلوب الجيل الناشىء. وبعبارة أخرى نحن نربى أولادنا على أساس العلوم الدينية والدنيوية طبقا لتعاليم ديننا الحنيف وقوانين بلادنا العظيم.
فإن الفقه الإسلامى الذى هو نسيج الإسلام المتين وشرع الله الحكيم، والذى به صاغ المسلمون حياتهم فى ضوء النصوص الشرعية، فتوحدوا فى العبادة والمعاملة والسلوك، هذا الفقه هو المنطلق الحضارى الرائع للأمة ؛ لأنه يبنى لها أصول عزتها، وقوام حياتها، ويضع لها مخطط عملها فى المستقبل.
من المعلوم أن أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى نشر الدعوة الإسلامية، وبث الأحكام الدينية، وبخاصة ما يتصل منها بهذه النواحى الفقهية، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم فى عباداتهم وأعمالهم، وقد قال رسول اللهr: “من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين، وإنما العلم بالتعلم، وإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لم يورثوا دينارًا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”. وقال الله U: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾.
وإن من ألطف الأساليب وأنفعها، وأقربها إلى القلوب والعقول فى دراسة الفقه الإسلامى وبخاصة فى أحكام العبادات، وفى الدراسات العامة التى تقدم لجمهور الأمة، البعد به عن المصطلحات الفنية، والتفريعات الكثيرة الفرضية، ووصله ما أمكن ذلك بمآخذ الأدلة من الكتاب والسنة فى سهولة ويسر، والتنبية على الحكم والفوائد ما أتيحت لذلك الفرصة، حتى يشعر القارئون المتفقهون بأنهم موصولون بالله ورسوله، مستفيدون فى الآخرة والأولى، وفى ذلك أكبر حافز لهم على الاستزادة من المعرفة، والإقبال على العلم.
ومن اكبر النعم علينا تمكينه لنا من دراسة آثار اجدادنا الأعلام فى مختلف فنون العلم والحكمة ولا سيما علم الفقه الذى يعد من اشرف العلوم الإسلامية فى كل زمان ومكان. وان كتاب “الأسئلة والأجوبة” للإمام الفاضل مجد الدين الأستروشنى رحمه الله له أهمية كبيرة فى بيان المسائل الشرعية لمن يطلبها من علماء المسلمين وعامتهم منذ ايام المؤلف وحتى يومنا هذا. فاخترنا نشره ليعم النفع للطالبين والسائلين والناس أجمعين، ابتغاء لوجهه الكريم، إنه خير مأمول.
يبين لنا مدى تضلع الأستروشنى بالعلم من خلال ما قدمه لنا من مصنفات وكذا من خلال ما قدمه فى كتابه هذا: من مسائل تعتبر من أدق ما تناوله العلماء بالدراسة، وكذا من خلال المراجع التى رجع إليها فيه فإنك ترى أن كل مسألة – تقريبا – لا يخلو من نقل عن كبار العلماء من خلال أعظم مصنفات فى الفقه الحنفى، حتى أنك لتعجب من كثرة ما اطلع عليه منها.
من المعلوم أنه انتشر المذهب الحنفي فى أكثر بلاد ما وراء النهر، فكان الأستروشنى حنفيا كسائر أهل بلده، أو لأنه المذهب المنتشر فى بلده، وكذلك صبغت مؤلفاته كلها بمذهبه، فكانت مؤلفاته خادمة لمذهبه وتراه لا يذكر غير مذهب الأحناف فى مسائله إلا فى النزر اليسير، وإذا ذكر فإنما يذكر مذهب المالكية أو الشافعية دون غيرهما، دون ترجيح أو عرض دليل فى الأغلب؛ مع هذا كان ورعا، كما قدمنا، عما فى أيدى الناس، وكان أمينا فى النقل عن العلماء ومصنفاتهم، ولقد كان متواضعا غاية التواضع فإنه قال فى موضع: “لقد علمت قلة زادى لهذا الطريق، وقلة عتادى لمرافقة هذا الرفيق، وعرفت فى الحقيقة نفسى، وأحطت بكامل نقصانى وبخسى، وأيقنت أن مثلى لا يجيب الفتوى…”
محمد بن محمود الأستروشني..
هو الإمام الجليل العلامة محمد بن محمود بن الحسين بن أحمد الأستروشنى. لقبه: مجد الدين، وكنيته: أبو الفتح. أما عن نسبته فهو ينسب إلى أستروشنة: بضم الألف وسكون السين والتاء وضم الراء والواو مهملة وفتح الشين المعجمة والنون. الأستروشنة منطقة ذات حضارة يمكننا أن نجد معلومات عنها فى مؤلفات العلماء الجغرافيين للقرون الوسطى مثل: إبن حوقل وأبى إسحاق الإصطخرى والمقدسى وإبن خردذبه وإبن الفقيه.
قال السمعاني : أسروشنة : بضم الألف وسكون السين المهملة وضم الراء وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفى آخرها النون. وهى بلدة كبيرة وراء سمرقند دون سيحون. قال الحموى: أسْرُوشَنَة – هى مدينة فى ماوراء النهر من بلاد الهياطلة بين سيحون وسمرقند وبينها وبين سمرقند ستة وعشرون فرسخاً، ويذكر اسمها فى بعض المصادر بشكل أُشْرُوسَنَة أو آسْرُوشَنَة أو سُتْرُشَنَة أو شُرُوسَنَة.
قال الإصطخري : أشروسنة فإسم الإقليم كما أن السغد اسم الاقاليم وليس ثم مدينة بهذا الاسم والغالب عليها الجبال حدود أشروسنة غربيها حدود سمرقند شماليها الشاش وبعض فرغانة جنوبيها بعض حدود كشّ والصغانيان وشُومان وواشجرد وراشت شرقيها بعض فرغانة ومدنها أرسيانيكت، وكركت، وغزق، وفغكث، وساباط، وزامين، وديزك، ونوجكت، وخرقانة، وبونجكت. وأمّا مسافات مدن أشروسنة فانّ من خرقانة إلى ديزك خمسة فراسخ ومن خرقانة إلى زامين تسعة فراسخ ومن زامين إلى ساباط ثلاثة فراسخ ومن زامين على طريق خاوس إلى كركت ثلاثة عشر فرسخا عن يسار الذاهب إلى فرغانة وبين مدينة أشروسنة وساباط ثلاثة فراسخ فيما بين الجنوب والمشرق، وبين نوجكت وخرقانة فرسخان فيما بين المشرق والجنوب من خرقانة، وارسيكت على حدّ فرغانة من شرقىّ مدينة أشروسنة تسعة فراسخ، وفغكث على ثلاثة فراسخ من المدينة فى طريق خجندة ومن فغكث إلى غزق فرسخان ومن غزق إلى خجندة ستة فراسخ، وكذلك الحصون والقرى الواقعة على جبال تسمَّى البتَّم فوق زرفشان تعد من توابع أستروشنة وقد أكد ياقوت الحموى فى كتابه “معجم البلدان” أنه كانت فى أستروشنة حوالى ٤٠٠ استحكام. وأشارت المراجع أنه كانت أستروشنة غنية بالثروات الطبيعية وكانت تستحرج بها الذهب والفضة وغيرهما من المعادن.
قال اللكنوي : محمد بن محمود بن حسين مجد الدين الأستروشنى كان فى طبقة أبيه بل تقدم عليه، وكان فى عصره من المجتهدين أخذ عن أبيه وعن أستاذ أبيه صاحب “الهداية” وعن السيد ناصر الدين الشهيد السمرقندى وعن ظهير الدين محمد بن أحمد البخارى… عن أبى حنيفة.
وقال محمود بن سليمان الشهير بالكفوى: الشيخ العلامة المفتى مجد الدين محمد بن محمود الأستروشنى كان فى عصره من عداد المجتهدين أخذ العلم عن أبيه وعن أستاذ أبيه وله تصانيف معتبرة منها “كتاب الفصول” وكتاب “جامع أحكام الصغار”.
مولده ووفاته..
ويذكر فى المصادر والأبحاث المذكورة أعلاه أن محمد بن محمود الأستروشنى توفى عام ٦٣٢ هـ ولم ترد أية معلومات عن تاريخ ميلاده.
وفى الوقت الذى نشعر فيه بنقص معلومات عن حياة الأستروشنى وتراثه العلمى كان اكتشاف مخطوطه “الأسئلة والأجوبة” فى مكتبة معهد العلوم الشرقية باسم أبى ريحان البيرونى لدى أكاديمية العلوم فى أوزبكستان والذى كان مختفيا عن أنظار الباحثين المعاصرين حتى يومنا هذا أمرا عظيما. والمعلومات التى وردت فى هذه المخطوطة فتحت الآفاق والاتجاهات الجديدة فى مجال دراسة حياة الأستروشنى وتراثه. ولكن لا نجد فى ختام مخطوطه “الأسئلة والأجوبة” الذى كتبه المؤلف ما يلقى نورا على هذا الغموض وهو يكتب: “… ولكن منى رجع الأيام فى هيئاتها ستين العرجاء فى جلبابها… وقد انجلى صبح الإتمام والإكمال يوم السادس من ذى القعدة قبيل الزوال من سنة سبع وثلاثين وستمائة”. كما تُبين هذه المعلومات أن العالم كان فى سنة ٦٣٧ حيّا يرزق وكان فى الستين من عمره. ولم يكن متوفيا سنة ٦٣٢ هـ كما تذكر المصادر الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك إذا كان العالم فى السنة التى أتم كتابه (أى ٦٣٧هـ.) فى الستين من عمره فإننا نستطيع أن نؤكد أن الأستروشنى ولد عام ٥٧٧هـ. إننا قمنا بنقص٦٠ سنة من إتمام الكتاب فحصلنا على تاريخ ميلاد العالم. وأما تاريخ وفاته ما زال مبهما ويمكننا أن نستنتج من المصادر الموجودة لدينا أنه توفى بعد سنة ٦٣٧هـ.
شيوخه وتلاميذه..
فقد نشأ الأستروشنى فى بيت علم، وفقه، وأدب فقد كان والده الشيخ الإمام الأجل المتقى جلال الملة والدين مفتى الأمة، محمود عالما، وشيخا جليلا، وجده الشيخ الإمام الأجل الكبير مجد الملة والدين، الحسين بن أحمد الأستروشنى شيخا كبيرا وعمه برهان الدين أحمد بن الحسين الأستروشنى فقيها. وكان له «كتاب الفتاوى». وكذلك جدّ والدته كان ملقبا بـشمس الأئمة وكان خاله محمد بن أحمد ملقبا بـشمس الدين:
قال محمود بن سليمان الشهير بالكفوي : جلال الدين محمود بن حسين الأستروشنى والد المفتى مجد الدين صاحب “الفصول” محمد بن محمود الأستروشنى وله “الفوائد”. ولكن مع الأسف الشديد لم نعثر على المعلومات عن منصبه ولا عن ميلاده أو وفاته ولكن إذا رجعنا لمؤلفات الأستروشنى نجد بعض المعلومات عن أبيه.
كان جنس الشيخ الإمام الأجل المتقي جلال المِلّة والدّين مفتي الأمة، محمود بن الشيخ الإمام الأجل الكبير مجد الملة والدين، الحسين بن أحمد الأستروشنى الملتقط في الفتاوى الحنفية للسيد الإمام ناصر الدين أبي القاسم محمد بن يوسف الحسيني السمرقندي الحنفي المتوفّى سنة ٥٥٦ هـ من غير زيادة عليه ولا نقصان عنه فى أوائل شعبان سنة ٦٠٣ ثلاث وستمائة بأستروشنة وأملاه تماما فى صفر سنة ٦١٦ ست عشرة وستمائة بسمرقند.
قال المصنف فى خاتمة جامع أحكام الصغار عن أبيه: أن والدى الشيخ الإمام الأجل المتقي جلال الملة والدين مفتى الأمة، محمود ابن الشيخ الإمام الأجل الكبير مجد الملة والدين، الحسين بن أحمد، عمَّر الله أبى ورحم أباه…. وقد فرغت من ترتيب هذا الكتاب وتحصيله، وتحريره وتفصيله لخمس ليال بقين من شعبان الواقع فى سنة ٦۲۵ هجرية والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. تدل هذه المعلومات التى أعلاه أن والد المصنف محمود كان حيّا فى سنة ٦۲۵ هـ وجده الحسين كان متوفيًا. نستنتج من ذلك أن محمود بن الحسين الأستروشنى توفى بعد سنة ٦۲۵ هـ. إن مراجعة المصادر أعطت لنا المعلومات لتحديد سنة وفاة الفقيه.
لقد تتلمذ الأستروشنى على يد نخبة طيبة من علماء عصره، وكان لذلك أثره فى عطائه هو من بعد، كما سيأتى، ونذكر منهم:
شيخ الإسلام برهان الدين المرغيناني..
وهو أبو الحسن على بن أبى بكر عبد الجليل الفرغانى، شيخ الإسلام ، برهان الدين المرغينانى، من أولاد سيدنا أبى بكر الصديق ؛ كان إماما فقيها حافظا محدثا مفسرا جامعا للعلوم، ضابطا للفنون، متقنا محققا، نظارا مدققا، زاهدا ورعا، بارعا فاضلا ماهرا، أصوليّا أديبا شاعرا، لم تر العيون مثله فى العلم والأدب.
قال الرئيس إسلام كريموف : الشخصية الجليلة الأخرى فى الفقه الإسلامى هى شخصية برهان الدين المرغينانى الذى أسس مدرسة علمية عظيمة، واشتهر بسببه وادي فرغانة فى العالم، وهو العالم الجليل الذى قدره العالم الإسلامى نظرا لأعماله الجليلة ولقبه بلقب برهان المِلّة وحُجّة الدين في المشرق الإسلامي.
وعلى الرغم من مضي ثمانية قرون لا يزال تصنيفه «الهداية» المؤلف من ٥۷ كتابا معترفا به كمصدر فقهى متكامل فى الدول الإسلامية.
قال العلامة محمد عبد الحي اللكنوي : وكتب بعض أجدادى نقلا عن خط علاء الدين: أن صاحب الهداية ولد عقيب صلاة العصر يوم الاثنين الثامن من رجب سنة إحدى عشرة وخمسمائة، ووفق لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول r فى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتوفى ليلة الثلاثاء الرابع عشر من ذى الحجة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، ودفن بسمرقند.
تفقه على الأئمة المشهورين منهم: مفتى الثقلين نجم الدين أبو حفص عمر النسفى صاحب العقائد النسفية فى التوحيد، والإمام الصدر الشهيد حسام الدين عمر بن عبد العزيز والإمام ضياء الدين محمد بن الحسين البندنيجى تلميذ صاحب التحفة علاء الدين السمرقندى والإمام قوام الدين أحمد بن عبد الرشيد البخارى والد صاحب خلاصة الفتاوى.
وأقر له بالفضل والتقدم أهل عصره كالإمام فخر الدين قاضيخان، والصدر الكبير برهان الدين صاحب المحيط البرهانى، والشيخ الإمام ظهير الدين محمد بن أحمد البخارى صاحب الفتاوى الظهيرية، والشيخ زين الدين أبو نصر أحمد بن محمد بن عمر العتابى وغيرهم. وله مؤلفات منها: كتاب “مجموع النوازل”، وكتاب “التجنيس والمزيد”، وكتاب “المنتقى”، وكتاب “بداية المبتدى” وكتاب “كفاية المنتهى”، وكتاب “الهداية” وكتاب “مناسك الحج”.
تفقه عليه جم غفير منهم أولاده الأمجاد شيخ الإسلام جلال الدين محمد وشيخ الإسلام نظام الدين الحسن، الشيخ الإمام الأجل بدر الدين عمر وشيخ الإسلام عماد الدين بن صاحب الهداية ومنهم شمس الأئمة الكردرى وجلال الدين محمود بن الحسين الأستروشنى وغيرهم.
محمد بن صاحب الهداية..
محمد بن صاحب الهداية برهان الدين على بن أبى بكر بن عبد الجليل أبو الفتح جلال الدين الفرغانى نشأ فى حجر أبيه، وغذى بالعلم والأدب وانتهت إليه رياسة المذهب فى عصره تفقه على أبيه، وأقر له بالفضل والتقدم أهل عصره.
عمر بن صاحب الهداية..
عمر بن على بن أبى بكر بن عبد الجليل شيخ الإسلام نظام الدين الفرغانى هو كأخيه جلال الدين محمد تفقه على أبيه وصار مرجوعا إليه فى الفتاوى. وله: «جواهر الفقه» و «الفوائد» وغير ذلك. كما أشار إليه محمد بن محمود الأستروشنى فى تأليفه «الأسئلة والأجوبة» لعمر لقب بدر الدين خلاف فى المراجع التى يلقبه بنظام الدين وأشار إلى كنيته بالشيخ الإمام الأجل لا كما تقول المراجع بشيخ الإسلام بل ويسمى ابنه الآخر بهذا اللقب ولكنيته وهو كما يذكر الأستروشنى وهو شيخ الإسلام نظام الدين الحسن ابن صاحب الهداية. ونستخلص منه أن لبرهان الدين المرغنانى أربعة أولاد وكنيته أبو الحسن وهو يدل إلى أن له ابنا اسمه الحسن.
الحسن بن صاحب الهداية..
وهو شيخ الإسلام نظام الدين الحسن بن شيخ الإسلام برهان الدين على بن أبى بكر بن عبد الجليل شيخ الإسلام نظام الدين الفرغانى. وقد كانت للأستروشنى علاقة وثيقة بنظام الدين، ولكن مع الأسف الشديد لم نعثر على معلومات عن منصبه ولا عن ميلاده أو عن وفاته ولكن إذا رجعنا لمؤلفات الأستروشنى نجد بعض المعلومات حيث أن الأستروشنى ونظام الدين ويتبادلان الآراء بعضهما مع البعض. حينما راجعا نظام الدين فى تأليفه «الأسئلة والأجوبة» ويذكره «نظام الدين رحمه الله». نستنتج من ذلك أن الحسن بن صاحب الهداية توفى قبل سنة ٦٣٧ هـ. وإن مراجعة المصادر أعطت لنا المعلومات لتحديد سنة وفاة الفقيه.
عماد الدين بن صاحب الهداية..
عماد الدين بن على بن أبى بكر بن عبد الجليل الفرغانى والد صاحب «الفصول العمادية». تفقه على أبيه وعلى القاضى ظهير الدين البخارى وصار مرجوعا إليه فى الفتاوى مثل أخويه.
الإمام ناصر الدين السمرقندى..
وهو محمد بن يوسف أبو القاسم الشهيد الحسينى السمرقندى : ناصر الدين، وصفه اللكنوى بأنه : إمام عظيم القدر، قوى العلم، أوحد أوانه فى الأدب مجتهد زمانه. وله المؤلفات العديدة المخصصة للفقه الإسلامى ومنها “النافع” و”الملتقط فى الفتاوى” و “خلاصة المفتى” و “كتاب الأخصاف” و “مصابيح السبل” فى المجلدين و “أيمان النوازل” وغير ذلك. المتوفى فى سنة ٥٥٦ هـ. وقيل: قتل صبرا بسمرقند.
ظهير الدين البخارى..
وهو محمد بن أحمد بن عمر القاضى أبو بكر البخارى ظهير الدين، له: فوائد على «الجامع الصغير» للحسام الشهيد تسمى: «الفوائد الظهيرية»، وقد أخذ الأستروشنى منه كثيرا فى كتابه هذا، المتوفى فى سنة ٦١٩هـ.
ولا شك أن عالما كالأستروشنى قد تخرج على يديه أمم من العلماء ونمتلك من المعلومات لواحد منهم:
حسام الدين العليابادى..
وهو الشيخ حسام الدين محمد بن عثمان بن محمد العليابادى السمرقندى: فقيه، أصولى، محدث، مفسر، كلامى، جدلى ذكر اللكنوى: أنه تفقه على مجد الدين محمد بن محمود الأستروشنى عن ظهير الدين محمد بن أحمد البخارى… عن أبى حنيفة، له من المصنفات كتاب: «كامل الفتاوى» و»تفسير مطالع المعانى» و «منبع المعانى» و»فوائد». افتتح فى إملائه يوم الأربعاء لثلاث خلون من رجب سنة ٦٢٨ هـ ونسبته إلى «عليلباد» اسم لعدد من القرى بجهة «الرى».
مؤلفاته..
لقد ألف رحمه الله مؤلفات كثيرة أبرزت لنا مدى ما وصل إليه من العلم، والفقه، ولنذكر ما أنتجته قريحة هذا العالم.
كتاب الفصول..
وهو فى الفقه، وبالتحديد فى أبواب المعاملات قال عنه صاحب الجواهر: بديع جدا ومن تصانيفه: الفصول المشهورة، وهو كتاب جليل القدر كثير الفوائد. واشتهرت كذلك بـ «فصول الأستروشنى». وفرغ من جمعه فى جمادى الأولى سنة ٦٢٥ هـ. لقد خصص هذا الكتاب لكيفية الحل العادل للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية فى حياة المسلمين من قبل القضاة. عادة لا يأتى الناس إلى القضاة لسؤال المسائل التى تتعلق بالعبادة بل المسائل التى تتعلق بالأسرة والمال ولحماية حقوقهم. وقد ألف الأستروشنى كتابه مستفيدا من مؤلفات ١٠٠ مجتهد وفقيه مشهور وذلك من أجل إصلاح النشاط لقضاة عهده ولمساعدتهم. وبالرغم من مرور زمن طويل من وقت تأليف هذا الكتاب المكرس للمسائل الفقهية فله أهمية كبيرة فى دراسة تاريخ الفقه الإسلامى. وقال صاحب الفصول : “فجمعت أولا “كتاب الفصول” المشتمل على الأحكام والقضايا”.
وقد تضمن كتاب الفصول أهم المسائل الشرعية والاجتماعية والسياسية كالقضاء والدعوى واليمين والإيصاء والمفقود وشروط الادعاء وأحكام العقار وأنواع الشهادات وأحكام الغصب والوقف وإقامة البينة وأحكام الرضاع والنكاح والطلاق والنفقة والمهر والعقود الشرعية وحقوق المتعاقدين والحوالة والخلع وتقسيم المواريث ومن يستحق به وأحكام الرهن والإجارة والشركة والضمان وكذلك شتى المسائل المتعلقة بالقضاء والمحاكم الشرعية.
وعثرنا خلال أبحاثنا على ١٤ مخطوطة للكتاب وست منها محافظ عليها فى مكتبات المخطوطات بطشقند والأخرى فى مكتبات الدول الأجنبية الأخرى.
جامع أحكام الصغار..
ولقد ذكرته جميع المصادر التى ترجمت له لكن قد ذكروه بأسماء مختلفة فذكره صاحب كشف الظنون: «جامع الصغار»، وفى هدية العارفين: «أحكام الصغار»، وفى الأعلام : «الأحكام الصغار»، وفى معجم المؤلفين: «جامع أحكام الصغار» وهو أجود عناوينه وأنسبها لموضوعه، وهو يجمع بين ما ذكره الجميع وعليه اعتمدنا فى وضع عنوانه أيضا.
يعتبر كتاب “جامع أحكام الصغار” للإمام الأستروشنى الحنفى من أهم الكتب الفقهية المصنفة وبخاصة فى أحكام قطاع كثير من الناس وهم من هم دون البلوغ، وذلك لكونه حوى ما يتعلق بهم فى أكثر أبواب الفقه. “جامع أحكام الصغار” من مسائل تعتبر من أدق ما تناوله العلماء بالدراسة، وكذا من خلال المراجع التى رجع إليها فيه فإنك ترى أن كل مسألة تقريبا لا تخلو من نقل عن كبار العلماء من خلال أعظم المصنفات فى الفقه الحنفى، حتى أنك لتعجب من كثرة ما اطلع عليه منها. وقال المصنف: ثنيت بكتاب “جامع أحكام الصغار” الناطق عن حوادث الصبيان والصبايا. وقد فرغت من ترتيب هذا الكتاب وتحصيله، وتحريره وتفصيله لخمس ليال بقين من شعبان الواقع فى سنة ٦۲۵ هجرية والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
إن كتاب “جامع أحكام الصغار” يعتبر مرجعا قيما فى التشريع الإسلامى ولذلك انتشرت مخطوطاته فى كافة أنحاء العالم وقام الأستاذ عبد الحميد عبد الخالق البيزلى بتحقيق ونشر الكتاب للمرة الأولى سنة ١٩٨٢م فى الجمهورية العراقية والنشر الثانى فى المجلدين بالقاهرة من قبل الدكتور أبى مصعب البدرى والمدرس المساعد بجامعة الأزهر محمود عبد الرحمن عبد المنعم. وتم إعداد النشر الثالث سنة ٢٠١٠م فى جمهورية أوزبكستان من قبل فضيلة الشيخ المفتى عثمانخان عليموف والباحث العلمى بجامعة طشقند الإسلامية مسلم رزقى عطاء.
الفتاوى..
ذكره خير الدين الزركلى فى كتابه الأعلام، ورضا كحالة فى كتابه معجم المؤلفين. قال المصنف فى خاتمة «جامع أحكام الصغار»: فجمعت أولا «كتاب الفصول» المشتمل على الأحكام والقضايا. وثنيت بكتاب «جامع أحكام الصغار» الناطق عن حوادث الصبيان والصبايا، وأرجو أن أثلثها بـ»فتاوى» كبير الحجم منير النجم. تدل هذه المعلومات التى أعلاه أن التصنيف الثالث للأستروشنى هو فتاواه بحجم كبير.
قرة العينين فى إصلاح الدارين..
ولقد عثرنا على مخطوطة واحدة لها تحت رقم ١/٣٤٠ فى المكتبة المصرية الوطنية. ولكن لم نجد المعلومات عن هذا الكتاب فى مؤلفات أخرى للاستروشنى.
القروض والديون..
لقد اكتشفنا فى هذا الكتاب للأستروشنى فى كتابه «الأسئلة والأجوبة» حيث ذكر بهذا الاسم، ولكن لم نعثر على اسم هذا الكتاب فى المراجع. كل ما نعرفه عن هذا الكتاب أنه كتاب « القروض والديون» وهو كتاب فقهى.
القروض : جمع القرض : ما سلفت من إحسان أو إساءة || ما تعطيه غيرك من المال بشرط أن يعيده لك بعد أجل معلوم.
الديون: جمع الدين : القرض المؤجَّل|| يقال “قضى دينه” أي مات. الدينة: القرض المؤجَّل. يقال “بعته بدينة” اى بتأخير وتأجيل. الدين: القرض ذو الأجل، وإلاَّ فهو قرض. و- القرض و – ثمن المبيع. و- كل ما ليس حاضرا. و – الموت. (ج) أدين وديون.
الأسئلة والأجوبة..
وعثرنا خلال تحقيقنا لمخطوطات المؤلفات للأستروشنى بمكتبة معهد العلوم الشرقية باسم أبى ريحان البيرونى لدى أكاديمية العلوم فى أوزبكستان على كتاب لم يذكر عنه شىء سابقا فى كتب الطبقات والذى بقى خارج انتباه الباحثين والمحققين. وإن كتاب «الأسئلة والأجوبة» المنتهى من كتابته عام ٦٣٧ هـ لا يزال مجهولا بين العلماء والباحثين.
فمن ذلك التراث الفقهى الثمين كتاب «الأسئلة والأجوبة» للإمام الأجل محمد بن محمود بن الحسين الأستروشنى الذى عاش فى القرن السادس الهجرى. وقد جمع المصنف فى كتابه هذا أجوبة أكابر الفقهاء المجتهدين على مختلف الأسئلة الفقهية باللغة العربية والفارسية.
فأما الأسئلة الواردة فى الكتاب فهى تتعلق بمسائل الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والنكاح والطلاق واليمين والبيع وغيرها. ويسرد المصنف أقوال كثيرة من الفقهاء المشهورين فى العالم الإسلامى فى الفقه والفتوى يزيد عددهم على المائة للإجابة عن الأسئلة.
قال الشيخ الإمام الأجل أبو الفتح محمد بن محمود الأستروشنى ﴿أدام الله لاكتساب الخيرات توفيقه وسهل إلى طلاب الباقيات الصالحات طريقه﴾ تحقق منى على الوعد الايفاء وحان للسفينة الإرفاء فاغترفت نعبة من جداول تلك البحور الزاخرة وأتممت بها الكتاب وأبهيته آخرة وأدرجت فى سلك النظام تلك الجواهر على أن من الصناع قلّ من هو ماهر ولكن منى رجع الأيام فى هيئاتها ستين العرجاء فى جلبابها ومن نظر إليها بعين الإنصاف يجدها بحيث ينفد فيه عدد الأوصاف ونكل عن كنهه لسان الأشراف وما أثبت فى الصحيفة إلا ما نقلوه ومعاذ الله من قوم يحرفونه من بعد ما عقلوه ومن تدبر عن توبيخ وويل لهم ما كتبت أيديهم لا يحوم حول نديهم وناديهم وقد انجلى صبح الإتمام والإكمال يوم السادس من ذى القعدة قبيل الزوال من سنة سبع وثلاثين وستمائة والحمد لله على ذلك.
ويذكر المصنف فى كتابه أسماء كتب كثيرة من مؤلفات اشهر الفقهاء المجتهدين وينقل لكل مسألة جوابا مناسبا منها. ولا نبالغ إذا نقول إن المسائل الواردة فى هذا الكتاب ليست مختصة بالعصر الذى عاش فيه المصنف، بل يحتاج إليها كثير من المسلمين اليوم. سبعون مرجعا التى استفاد منها المصنف فهى اليوم مراجع العلماء والفقهاء فى حل أية مسألة فقهية، وهى تلك المراجع التى ستطلع عليها الأجيال القادمة للمسلمين فى المستقبل بإذن الله.