بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

المحاماة ومعاونة القضاء في تحقيق العدالة .. الجـزء (7)..

الدكتور/ سعيد بن عبدالله المعشري

محـام ومسـتـشار قانـونـي

 

المحاماة ومعاونة القضاء في تحقيق العدالة .. الجـزء (7)..

 

إن مراحل تطور مهنة المحاماة في سلطنة عمان قد تتشابه ومراحل تطورها في بقية الدول العربية وخاصة منها دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك للرابط الثقافي الذي يجمعها على وحدة اللغة والتقارب فيما بينها في العادات والتقاليد الاجتماعية المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف، ولذلك كانت بداية انطلاق هذه المهنة بالسلطنة منذ ظهور ما يعرف بالوكيل الشرعي الذي كان يناط له من الخصوم الإنابة عنهم أمام القضاء للدفاع عنهم فيما ادعى عليهم فيه ومساندتهم في اثبات دعواهم، ولئن كان يحسب بأن هذا النظام وليد الأعراف الاجتماعية السائدة وقتها، إلا أنه في واقع الأمر كان مستمداً من الشريعة الإسلامية التي تجيز الإنابة في المخاصمات وغيرها من المعاملات والتصرفات المالية والشخصية.

فأن هذه التطورات التي صاحبت هذه المهنة أتت مواكبة للتطورات والمتغيرات التي حدثت في القضاء، حيث أن النظام القضائي بالسلطنة مر بمراحل عديدة من التطورات عبر التاريخ بدء من تولية الولاة لشؤون القضاء في الولايات التي يتولون شؤونها نيابة عن الأمام أو السلطان، وإلى جانب وجود قضاة في العاصمة يتولون القضاء بأمر من الأمام أو السلطان، وقد كان يجيز للخصوم توكيل من يرونهم مناسبا بالإنابة عنهم في المرافعة أمام الوالي أو القاضي، وأستمر هذا الوضع إلى حين بزوغ النهضة الحديثة في السلطنة عام 1970م ليتم تأسيس المحاكم الشرعية التي انفردت بنظر المنازعات بين المتخاصمين بمختلف أنواعها مع بقاء صلاحية الوالي في التسوية والصلح في المنازعات اذا ارتأت اطراف النزاع اللجوء اليه دون اللجوء الى المحاكم الشرعية.

فأنه كان لم يكن لهذه المحاكم قانون ينظم إجراءات التقاضي أمامها أو أي قوانين موضوعية تستند إليها في حل المنازعات المعروضة أمامها، وإنما يعتمد القضاة في أحكامهم على مبادئ الشريعة الإسلامية، إلا أنه نتيجة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية التي حدثت بالسلطنة، على أثرها صدرت العديد من القوانين أهمها؛ قانون العمل الصادر بالمرسوم رقم (73/34)، وقانون توزيع الأراضي الخصبة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (72/4)، وقانون تنظيم الأراضي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (72/6)، وقانون الأراضي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (80/5)، وقانون السجل التجاري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (74/3)، وقانون الحرف الأجنبية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (74/4)، وقانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (74/7) وقانون التجارة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (90/55)، وثم توالى اصدار القوانين وتحديث وتعديل الصادر منها بما يتواكب مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

وقد تأثر قضاء هذه المحاكم بالعادات والتقاليد الإسلامية في فض النزاع ما بين المتخاصمين بالإصلاح ذات البين، وهو ما يتم غالباً من قبل القضاة، وإلا احتكموا إلى الشريعة الاسلامية وفق اجتهاد الأمة من مختلف المدارس الفقهية أو القانون الساري وقتها، إذ أن اختصاص هذه المحاكم في الدعاوى كان لا ينحصر على نوع معين منها، بل كانت تنظر جميع الدعاوى بغض النظر عن نوعها ولكن ليس بالمفهوم الحديث للقواعد العامة للمسؤولية المدنية والجنائية بل طبقاً للشريعة الإسلامية أو بما ورد من قواعد وأحكام وفق القوانين السارية وقتها، وأستمر الحال إلى حين صدور المرسوم السلطاني رقم (84/25) بتنظيم القضاء الجزائي الذي قضى بأنشاء المحكمة الجزائية منتزعة بذلك من المحاكم الشرعية الاختصاص الجزائي والجنائي.

وتزامناً مع عمل المحاكم الشرعية تأسست ايضاً لجنة حسم المنازعات التجارية بتاريخ 1972/5/21م، منتزعة من المحاكم الشرعية الاختصاص في نظر المنازعات التجارية والعمالية، وبموجب المرسوم السلطاني رقم (81/79) تم تغيير مسماها لتكون هيئة حسم المنازعات التجارية، وبعدها تم تغييرها لتصبح المحكمة التجارية بموجب المرسوم السلطاني رقم (97/13)، فأنه نتيجة لهذه التطورات القضائية مكن من ظهور مهنة المحاماة بمفهومها الحديث، بحكم أن طبيعة الدعاوى والمنازعات التي كانت تنظر أمام هذه الهيئات القضائية لها طابع فني دقيق تحتاج لذوي المؤهلات القانونية المتخصصة لمعاونة الخصوم في المرافعة عنهم أمامها ومعاونتها في اصدار احكامها الصائبة فيها، الا أن هذه المهنة ظلت وقتها دون تنظيم سوى ما تقرره هذه الهيئات من إجراءات لتنظيم عمل المحامي أمامها.

واستمر وضع المحاكم الشرعية في نظر المنازعات المدنية والاحوال الشخصية والمحكمة الجزائية في نظر الدعاوى الجزائية والجنائية والمحكمة التجارية في نظر الدعاوى التجارية والعمالية حتى صدور قانون السلطة القضائية رقم 90/99م الذي قضى بإلغاء هذه المحاكم بعد ستة أشهر من تاريخ نشر المرسوم بالجريدة الرسمية، وبذلك أصبح النظام القضائي يتكون من ثلاث درجات من التقاضي هي: المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف والمحكمة العليا، حيث تتشكل كل محكمة من دوائر متخصصة في نظر الدعاوى المدنية والتجارية والعمالية والجزائية والشرعية.

فأن مع صدور قانون السلطة القضائية الذي أوجد تنظيماً حديثا للقضاء يتواكب مع الأنظمة القضائية الحديثة هو ذاته المعمول به في أغلب دول العالم، وقد سبقه كخطوة في تحديث المنظومة القضائية صدور قانون المحاماة بموجب المرسوم السلطاني رقم (96/108م) لينظم المهنة بمفهومها الحديث، ووفقاً للمادة (1) من القانون التي بينت أن مهنة المحاماة حرة تشارك في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون وذلك بكفالة حق الدفاع عن المتقاضين، وعلى أن المحامون يمارسون مهنتهم مستقلين لا يخضعون إلا لضمائرهم وأحكام القانون، فأن هذا النص أتى لتحقيق المبدأ الذي نصت عليه المادة (88) من النظام الأساسي للدولة، وهو المتبع في أغلب دول العالم المتقدمة وغيرها في أن يكون لمهنة المحاماة الاستقلالية لضمان تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون. وبهذا فأن للحديث بقية في الجزء التالي من هذا المقال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى