غـزوة بـدر الكبـرى..
خالـد عمـر حشـوان
غـزوة بـدر الكبـرى..
غزوة بدر هي أول غزوة من غزوات الرسول عليه الصلاة والسلام ضد كفار قريش وحلفائهم من العرب، وسميت بذلك نسبة لمنطقة بدر موقع المعركة وبئر بدر المشهورة الواقعة جنوب غرب المدينة المنورة (بواقع 153 كيلو متر هذه الأيام)، ووقعت المعركة في اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك في العام الثاني من الهجرة (الموافق 13 مارس 624م).
قاد جيش المسلمين في هذه المعركة قائد هذه الأمة ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان قائد جيش قريش هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي (الملقب بأبو جهل) وهو من أشد المعاديين لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
سبب معركة بدر الكبرى :
حاول المسلمون اعتراض قافلة تعود لقريش قادمة من الشام إلى مكة بقيادة أبو سفيان بن حرب لاسترجاع أموالهم التي نهبتها قريش بعد أن تركها المهاجرين في مكة قبل وأثناء هجرتهم للمدينة المنورة، ونظرا لعلم أبا سفيان بهذا الخبر تمكن من الفرار بالقافلة وإرسال رسولا لقريش طالبا نجدتهم، فخرجت قريش بجيش لقتال المسلمين ونجدة القافلة.
نبذة عن جيش المسلمين وجيش قريش في المعركة :
* جيش المسلمين : كان عدد جيش المسلمين في هذه الغزوة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ولا يملكون سوى فرسان وسبعون جملا فقط.
* جيش كفار قريش : وكان تعداد جيش قريش يفوق الألف رجل ومعهم مئتا فرس (أي ما يقارب ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد).
استعداد المسلمين للمعركة :
نظم الرسول عليه الصلاة والسلام جند المسلمين وعقد اللواء الأبيض وسلمه لمصعب بن عمير وأعطى رايتين سوداوين لسعد بن معاذ وعلي بن أبي طالب وسار مسرعا إلى بدر ليسبق جيش قريش إلى الماء ويحولوا بينهم وبين الاستيلاء عليه ، واقترح الحَبّاب بن المنذر -رضي الله عنه- بمقولته الشهيرة “فانهض يا رسول الله بالناس حيث تأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من الآبار ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون” فأخذ الرسول برأيه.
كما اقترح سعد بن معاذ بناء عريش (سقف يستظل به) للنبي يكون مقراً للقيادة وأمانا من العدو ويشرف على ساحة القتال، ففعل الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك وكان معه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وبات المسلمون ليلة المعركة هناك وغشيهم النعاس إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام كان تحت شجرة يصلي ويبكي ويدعو الله حتى أصبح.
ومع صباح اليوم التالي بدأ الرسول ينظم المسلمين في صفوف فاستقبل الغرب وجعل الشمس خلفه حتى تؤذي أشعتها أبصار جيش العدو (وهو ذكاء من النبي) وأخذ في إصدار الأوامر والتوجيهات للمسلمين برمي الأعداء إذا اقتربوا، ونهى عن سل السيوف لحين تداخل الصفوف وتشجيع الصحابة بقوله “قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض” وتبشيره لهم بقتل صناديد قريش وتحديد أماكن قتلهم والنصر بإذن الله، وعندما وصل جيش قريش دب فيهم خلاف وتزعزعت صفوفهم الداخلية وأقترح عتبة بن ربيعة العودة وعدم القتال لما رآه من حرص المسلمين على القتال وشوقهم له، ولكن أبا جهل رفض العودة وأصر على القتال.
بداية معركة بدر :
خرج رجل من جيش قريش يدعى الأسود بن الأسد المخزومي للقتال فخرج له الصحابي حمزة بن عبد المطلب (عم الرسول) وقضى على الأسود بن الأسد، ثم خرج ثلاثة من قريش هم شيبة بن ربيعة وأخوه عتبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة وطلبوا المبارزة فأرسل لهم النبي عليه الصلاة والسلام عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقتلوهم جميعا وأصيب عبيدة بن الحارث ونقل للرسول وتوفى متأثرا بجراحه، فغضب الكفار لمقتل هؤلاء الثلاثة وهاجموا بجيشهم، وأمر الرسول بالهجوم بشعار “أحدٌ أحد” وقوله “سيهزم الجمع ويولّون الدبر” بعد أن قلّل الله تعالى المشركين في أعين المسلمين وكان ذلك سببا بعد فضل الله في ثباتهم والإقدام بغير خوف وقتالهم بكل شجاعة واستبسال.
في هذه الغزوة ابتكر الرسول عليه الصلاة والسلام أسلوبا جديدا وهو القتال بنظام الصفوف وهو ما أشار إليه القرآن في سورة الصف في قول الله : “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ” (الآية-4) وأستخدم أيضا أسلوب الدفاع وليس الهجوم لقوة قريش وكثرة عددهم، وكانت توجيهاته وسياسته القتالية للجيش سببا في زعزعة جيش قريش وإضعاف نفسياتهم وتحقيق النصر بتوفيق الله رغم تفوق جيش قريش بالعدة والعتاد.
ثم بدأ الفشل والاضطراب يظهر ويتفشى في جيش الأعداء مع نهاية المعركة وبدأت الجموع منهم تفر وتنسحب وأنطلق المسلمون يقتلون ويأسرون الكثير منهم حتى حقق الله النصر للمسلمين وقُتِلَ قائد جيش قريش عمرو بن هشام (أبو جهل) وقتل منهم سبعين رجلا وأسر منهم سبعون آخرون أكثرهم من قادة قريش وزعمائها، وقُتِلَ من المسلمين أربعة عشر رجلا ومكث الرسول في بدر ثلاثة أيام تم فيها دفن قتلى المسلمين في أرض المعركة.
نتائج معركة بدر الكبرى على الإسلام والمسلمين :
* الهيبة التي تكونت للإسلام والمسلمين بفضل الله وقويت شوكتهم بين القبائل في المدينة وما جاورها.
* أصبح للدولة الإسلامية الجديدة مصدرا للدخل من غنائم الجهاد.
* الانتعاش المادي والاقتصادي للمسلمين بسبب غنائم غزوة بدر بعد فقر شديد دام فترة من الزمن.
* كسر كبرياء زعماء قريش الذين كانوا من أشد القرشيين شجاعة وقوة وبأس وخسارتهم لمجموعة من أهم قادتهم.
* معركة بدر هي المعركة التي مهدت الطريق للمد الإسلامي واتساع الدولة الإسلامية وبداية الغزوات الإسلامية.
وختاماً فإن غزوة بدر تعتبر أول تجربة عسكرية قادها سيد البشر وقائد الأمة محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام من أجل التفريق بين الحق والباطل في شهر من أفضل الشهور على المسلمين هو شهر رمضان المبارك، بقلة قليلة كانت مؤمنة صابرة محتسبة ركزت على القوة الروحانية والإيمان الصادق بالله والتوكل عليه بالإضافة إلى الصبر والثبات مع طاعة نبيهم عليه الصلاة والسلام، فأذاقها الله لذة النصر والشهادة لمن قتلوا فيها وكانوا سببا في قيام الدولة الإسلامية الجديدة في ذلك الزمان.