(مسجد باني روحه) بأدم العمانية !!..
أحـمـد صـالـح حـلـبـي
باحـث وكاتـب سـعـودي
(مسجد باني روحه) بأدم العمانية !!..
كلما قلبت صفحات التاريخ العماني أجد نفسي متوقفا أمام أسماء لمواقع خالدة بالأذهان ، وأحداث سطرت أروع البطولات ، وشخصيات برزت بأعمالها وتضحياتها ، وفي كل صفحة أقرأها أجد معلومة جديدة ، ومن بين المعلومات التي توقفت أمامها ، ولاية ( أدم ) وهي إحدى ولايات محافظة الداخلية ، ومن ابرز الشخصيات التي نشأت بها الامام أحمد بن سعيد جد الأسرة المالكة ومؤسس دولة البوسعيد ، والعلامة درويش بن جمعة المحروقي مؤلف كتاب (الدلائل في اللوازم والمسائل) ، والشيخ العلامة القاضي المجتهد محمد بن سيف بن سعيد الشيباني كان أحد أعضاء هيئة الحل و العقد في زمانه و كان واليا و قاضيا على إبراء و من آثره العلمية منثورة الشيباني ، والشيخ علي بن سعيد بن سالم المحروقي وكان أحد علماء الأسبقون في عصره.
أما مسماها فتعددت الأسماء والروايات ، فهناك من قال أن الاسم ارتبط بالتربة وسميت باسم (أدم) نسبة لــ (أديم الأرض) وهو شكل سطح الأرض ، غير ان البعض قال أن لها معنى آخر وهو (الأرض الخصبة الواقعة وسط الصحراء) ، وتسمى لدى العامة بـــ (الساكبية) لخصوبتها على مدار العام من ناحية ، وتدفق الضيوف عليها من ناحية أخرى.
وفي كتابه (معجم البلدان) أورد ياقوت الحموي ذكر (أدم) بقوله : “أدم بفتح أوله وثانيه من نواحي عمان الشمالية” ، وإن كانت (أدم) تمثل نقطة انطلاق إلى محافظة ظفار خلال الفترة الحالية ، فهي “مركز لالتقاء القوافل التجارية الآتية من الشام وبالعكس في زمن الجاهلية ، وتذكر المصادر أن حارة بني شيبان كانت مركزاً لهؤلاء التجار ويعزز ذلك العثور على آثار أثناء إعادة ترميم أحد المساجد بالقرب من المنطقة مثل السيوف والجحال والخروس يعود تاريخها إلى زمن اليعاربة”.
وبعيدا عن مسماها وموقعها وقبل الحديث عن حاراتها أتوقف أمام مسجدها المعروف بــ (مسجد باني روحه) الذي تقول الروايات : إن “أهالي المنطقة اختلفوا فيما بينهم أثناء إنشاء هذا المسجد وتعميره وباتوا عند هذا الخلاف وما أن حل الصباح حتى فوجئ الجميع بأن هذا المسجد قد تم بناؤه دون وجود آثار لمواد البناء على سقفه وإن كانت تلك الرواية الأسطورية قديمة إلا أن الاسم الحالي للمسجد يجعلها ماثلة في الأذهان باستمرار حيث يسمى – مسجد باني روحه – أي المسجد الذي بنى نفسه”.
وهناك قصة أخرى تقول : إن “المنطقة التي بني فيها المسجد كانت منطقة يتوقف عندها البدو الرّحل باعتبارها محطة يأخذون فيها الراحة بسبب وجود أشجار الغاف يستظلون تحتها، وبئر ماء الذي ما زال قائمًا إلى الآن تسقى منه المزارع، كما أنهم يتوقفون أحيانا عدة شهور في هذه المنطقة، لبيع الجلب المتمثل في الأغنام والماشية والتي تجلب من مناطق البادية البعيدة عن الولاية والتي تمثل حاليًّا منطقتي الوسطى والشرقية، فاختلفت قبيلتان في بناء المسجد فما أن أشرق الصباح إلا ووجد الجميع أن المسجد قد اكتمل بناؤه دون أن تظهر فيه آثار للبناء”.
أما القصة الثالثة تقول : إن “هناك رجلين كان الأول صاحب الأرض وفي نيته أن يبني عليها مسجدا والرجل الثاني كان يريد أن يشتري الأرض حتى يبني عليها المسجد، فوجد المسجد قائما، مما دعا الناس أن يسمونه مسجد (باني روحه) بمعنى أنه – بنى نفسه –” ، وإن كانت هذه الروايات من ضروب الخيال ، فإنها لازالت مترددة حتى الآن.
ويعد المسجد من المعالم التاريخية بمنطقة حليبة بولاية أدم بمحافظة الداخلية ، وفي بنائه اعتمد على مادة الطين وتميز بروعة ودقة تصميمه ، ومحرابه صغير لا يتجاوز المترين في طوله وعرضه قرابة المتر والنصف.
والمعالم التاريخية في (أدم) كثيرة ومتعدد ة ، ومنها (مسجد الجامع) ، الذي شُيّد في عهد الأزد عام 717هـ ، و (مسجد المهلبية بنت أبي صفرة) ، وهي “هند بنت المهلب بن أبي صفرة العتكية الأزدية، من أشهر نساء القرن الهجري الأول وأوائل القرن الثاني للهجرة، وهي من النساء التي برز اسمها في التاريخ الأموي، حيث عرفت هند بفصاحتها وبلاغتها ورجاحة عقلها” ، و “تزوجها القائد الأول في الدولة الأموية «الحجاج بن يوسف الثقفي»، وكانت رابع زوجاته”.
وهناك (مسجد الرحبة) ، و (مسجد الغريقة) ، و (مسجد الهواشم) ، و (مسجد الشابنة) و (مسجد الروغة) ، كما أن الولاية تتميز بوجود عدد من الحارات القديمة والمبنية بالطين بتصاميم هندسية بديعه جعلتها تقف صامدة أمام القوى الطبيعية، ومن أهم هذه الحارات (حارة بني شيبان) و (حارة الجامع) و (حارة الهواشم) و (حارة مبيرز) و (حارة المجابرة).