عليـنا تجديـد لغـة الحـوار..
حبـيـب بن مبـارك الحبـسـي
عليـنا تجديـد لغـة الحـوار..
نحتاج التجرد في نبرة الكلام ونتخلص من نزعة الفوقية عند التعامل لأنه ثمة تناقض في الاسلوب مع الأطراف الأخرى ملتزمين بلغة الهدوء ومع بعضنا سيوف أقلام وافعال هذا حالنا وواقعنا المؤلم سواء كان أسر وأفراد ومجتمعات ودول ، علينا الرجوع إلى كتابنا وسنة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام نتحاور بلغة راقية ونحترم الرأي الآخر مهما كان مستوى الفكر.
في بيوتنا الأمر غريب وعجيب ، نفتقر فيها إلى الحوارات والدردشات كأننا ذات طابع رسمي تخلو فيه من الحوار العاطفي إلا ما ندر ، والأمر يختلف تماما مع وجود أفراد من خارج البيت تجد الآباء يمرحون في الكلام وينتقلون من صفة الحوار المقتضب إلى الحوار المستأنس والذي يجعل الكل تنشرح فيه نفسيته ويطيب الجميع بالمشاركة والأنس والسرور، وما أن تغادر الأطراف الزائرة إلا ويعاد الوضع لما كان عليه ، نحتاج إلى أن نملأ بيوتنا حوارات تملؤها المحبة والسرور ، لا ندري ما الذي اصابنا كأننا منقبضون في قلوبنا في بيوتنا كأفراد في الأسرة نهرب من شيء إلى شيء آخر ، الأمر يحتاج إلى تشخيص واقع الحال فالحوارات والجلوس مع الأسرة أصابه الشلل .. افتقدنا تلك السمة التي كانت سائدة في البيوت قديما.
صرنا نحن ونشتاق إلى ما كنا عليه من البساطة في العيش وإلى الأحاديث التي تطيب لها النفوس نريد أن يخرج أبنائنا متقنون إلى لغة الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر وأصبنا بالانشغال بالدردشات عبر شبكات التواصل الاجتماعي الذي غيب علينا لذه الاحاديث والحوارات الجميلة.
واقع الحال كأمة ليس يسر فهي تعيش في شتات وانقسام فيما بينها وما يراد لها من الآخرين ، فعلينا وأد العصبية ونبذ كل الخلافات والخزعبلات ، ومن نراه بفكره المنحرف ليجر هذه الأمة إلى الظلال واتباع سبيل الغي لا نجامله فليرشد بروح الحكمة والحوار المنطقي الذي امرنا به الله تعالى في كتابة وسنه لنا نبينا الكريم.
ما يحدث وحدث يكفينا من نبرة ولغة الخطاب ، نريد من علماء الدين الحديث عن إبراز العلاقة مع الخالق وليس مع المخلوق .. نريد أن تنطق كلمة الحق لا يجامل فيها أي فرد مهما علا شأنه فشأن الله أكبر ولا يعطي مسوغات تتعارض مع منهج الله تعالى ، لنتقرب من المخلوق ونبتعد عن الخالق .. لأن ما يصدر من العلماء له جمهور يتبع وإن حدثت ضلالة فسيجرون الأمة إلى منحدر وستظل بسببهم ، فلنقل كلمة الحق، ففتات الدنيا فان ، والنعيم في الجنة أزلي ، هل ادرنا قيمة ذلك.
علينا أن نتعلم من الاسقاطات والانتكاسات في حواراتنا ومنصاتنا وعلينا أن نقرأ بعد النظر في مصير أمتنا ما يصدر عند البعض منا فيه الهرج و الكلام السوقي ليطال عظماء هذه الأمه والتي لم يسلم تاريخها من التزوير لبعض الحقائق وتصارعنا نستحضر بعض القضايا والاحداث التي وقعت ، اطرافها رحلوا ونحن نتعصب هل كان الحق مع فلان او عند فلان، ما لنا علاقة في الموضوع السؤال المنطقي ماذا سيعود من معرفة ذلك الكل قدما للإسلام مالم تقدمه الأمه بعدهم فلا نبالغ ، وما حدث طبع بشري اجتهدا فيه ، فلا ننسى أن الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام مات وهو راض عنهم ، ما دخلنا نحن ولماذا بعضنا يتطاول لحد القذف والشتم للصحابة رضوان الله عليهم اجمعين يامن ابتدعتم أمسكوا ألسنتكم فوالله لو نعلم ماذا قال الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام عن الصحابة لكفانا وندمنا على كل كلمة تفوهنا بها ومن نحن حتى نُقَيّم صنائع الرجال ؟ والسؤال ماذا قدمنا نحن للإسلام ؟ اتقوا الله يا أمة الله فسوف يحاسب كل منا عن ماذا قال بحق هؤلاء الكرام علينا أن نستفيق ونحكم عقولنا فليس كل ما يقال عن فلان صحيح لابد علينا من أن نفهم الرجال ونقدر المقامات.
أكثر ما يحرق القلب غصة وانقباض عندما نرى التطاحن بين علماء هذه الأمة كلا يريد يثبت أنه الأقوى على خصمه وليس أن يفهم ويقدر الطرف الآخر .. نحن مشغولون في عقدة التفوق وليس بحجة الفهم بالعرض على كتاب الله الكريم وعند كل واحد منا سيف الاقناع فيما يقول ، هنا مشكلتنا إذا تحاور العلماء بهذه العقلية ؟ فكيف إذا تحاور عامة المسلمون فيما بينهم ، فهم كمتبعين ومقلدين وليسوا بمتحاورين عقلانيين.
ذات مرة كنت في سفري لإحدى الدول الاسيوية غير الناطقة باللغة العربية وحان وقت صلاة الظهر دخلنا الجامع مع الرفاق وعندما تم مشاهدتنا لتأدية الصلاة بعد الانتهاء استوقفنا مجموعة من القائمين على الجامع كيف صلينا هكذا ؟ ومع ضعف لغة التخاطب بين الطرفين احسسنا أنه لا توجد قواسم مشتركة في الحوار فصار فيها لغة التعصب من قبلهم ، ثم أمرنا بالخروج ، عندها قلت أن هذه الأمة يغلب عليها الفكر المتعصب فكيف ستنهض وكيف تعيش لغد الجسد الواحد ستنهشها الكلاب ما يحدث حدث فلم نقم صلب الآيات الكريمة هنا في موضعها الصحيح ولم نوظف فهمنا للأحاديث النبوية الشريفة في مقامها.
هنا استوقفني هذا المشهد الذي ظل عالقا في ذهني منذ سنوات إذا كنا نحن الآن كمسلمين في وقت السلم لم نشعر بإنسانية وأخوة بعضنا البعض بسبب سوء فهمنا وعدم تقبلنا لطرف الآخر منا ، فكيف نستطيع أن نقف مع بعضنا وقت الحاجة .. هذه النزعة يجب أن تطمس وعلينا أن نستفيد منها ونعد الاعداد الجيد لجيل جديد مقدرا لإخوانه المسلمين محبا لهم في السلم وناشطا معهم في الحرب فقواسم هذه الأمة كثيرة وما يختلف فيه لا يعد مدعاة للفرقة والتناحر وتضيق الخناق وضيق لغة الحوار والتي بسببها كبرت خلافاتنا وتعمقت.
أتذكر حدثا آخر جرى بيني وبين أخي حوارا عقيما تمنيت ألا أخوض فيه فعندها شعرت بضياع وقتنا وندمت عليه ففيها علت نبرة العصبية البغيضة وكرهنا بعضنا البعض لا ادري متى نتحلى بخلق الإسلام ولغة الحوار الهادئ والحوار الهادف والحوار الموصل للرسالة السمحة.
يا أمة الاسلام كفى من تخصيص الاعلام بقنواته وتطبيقاته في التطبيل والترويج للبدع ومحاربة بعضنا البعض يكفي ما نشاهده من ظلاله ولا يمت للإسلام بأية علاقة لا من بعيد ولا قريب ،انشروا قيم وسماحة الإسلام ورفعته وقيمه انشروا لغة الحوار الهادفة المحترمة التي تقدر كل أطياف الإنسانية ولكن بعيدة عن الصراخ والتطاول.
حتى وصل بنا الحال إلى الهمز واللمز في الخطب والمحاضرات ، لا نريد أن يطل علينا خطيب ينتهك حرمات إخواننا المسلمين بسبب أننا اختلفنا معه في الفكر والمصلحة إلى حرب شعواء ، وأن نبعد الخلافات وما يعكر صفو حياتنا .. وإن اختلفنا تبقى قلوبنا بيضاء وايدينا سمحة سخية لبعضنا ولا نهيج الرأي العام ولا نسوق ضد بعضنا البعض .. علينا أن نطهر قلوبنا مما أصابها من الوهن والعطب .. يكفي مرارة أننا ننهش بعضنا البعض بأيدينا ولم نتحمل بعضنا فيما اختلفنا فيه فسخرنا طاقاتنا وثرواتنا في صراع بعضنا البعض.
نحتاج إلى الخطاب والحوار المتزن الذي لا يخرج عن ما قاله الله تعالى وقاله الرسول الكريم …علينا توظيف كل شيء ابتغاء وجه الله فهذا يبقى أما الزبد فيذهب جفاء ، أيها العلماء إننا نشفق عليكم لأننا نستودعكم امانات الحق والرشاد فكونوا على قدر الأمانة والمسؤولية فأي اسقاط منكم يعد ثلمة في الإسلام عن طريقكم ،ولن تختفي وسيدرك التابعون بعد ذلك ما تسببتم به.
المعول في هذه الأمة إلى الضمائر الحية والحرة والشريفة والمتَّقِيَة الله حق تقاته إلى تبني صحوة تجدد لغة الخطاب والحوار الديني عندما نلتقي وعندما نختلف وعندما نتفق وعندما نشاهد بعضنا الآخر فيما يقدمه من برامج لنطرح مواضيع تخدم الإسلام وتنير الآفاق لهذه الأمة.