سياسة روسيا الخارجية وارتباطها بصراع المحاور..
خميس بن عبيد القطيطي
سياسة روسيا الخارجية وارتباطها بصراع المحاور..
تصدرت وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية عناوين محددة على خلفية ارتفاع وتيرة الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية أو ما سُمي بالأزمة الأوكرانية، فجاءت تلك العناوين متوازية مع الأحداث المتصاعدة هناك ودخول عدة أطراف دولية على مسرح الأزمة، وتفاعل المتابعون للأحداث مع عناوين كبيرة مثل الحرب العالمية الثالثة، وبروز نظام عالمي جديد، كما برزت عناوين فرعية أخرى مثل الأمن لا يمكن تجزئته وغيرها من العناوين اللافتة على مسرح الأحداث الجارية على الحدود الأوكرانية، ومناورات الجيش الروسي بالتوازي مع تحذيرات دولية من اجتياح أوكرانيا .
الأزمة في أوكرانيا لها أبعاد متعددة، منها ما هو مرتبط بقضية الأمن الروسي الذي عبَّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن الأمن لا يمكن تجزئته إسقاطا على رغبة أوكرانيا الانضمام إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وهو ما تعده روسيا خطًّا أحمر ويُمثِّل تهديدا لأمنها القومي.
ورغم الحديث عن وجود مرونة أوكرانية في موضوع الانضمام للناتو، كما عبَّر عنه السفير الأوكراني في بريطانيا، إلا أن المتحدث باسم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد: “إن تطلعات أوكرانيا إلى الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي منصوص عليها في دستورها وستظل الأولوية المطلقة للبلاد”.
وأضاف سيرجي نيكيفوروف في مقابلة مع وكالة رويترز للأنباء “هذا المسار لا ينعكس فقط في الدستور، بل يحظى أيضا بموافقة السلطات والمجتمع الكاملة”.
هذا التوجُّه الأوكراني يصطدم بموقف روسي أكثر تشددا على خلفية الأحداث منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي في العام ١٩٩١م وتناثر عقد الاتحاد السوفيتي السابق مع بروز النزعات الانفصالية، وانضمام العديد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق إلى حلف الناتو في تسعينيات القرن الماضي، وانضمام بعضها في عام ٢٠٠٤، واستمرار تمدد الحلف شرقا بانضمام الجبل الأسود عام ٢٠١٧م، وأخيرا انضمام جمهورية مقدونيا عام ٢٠٢٠م، ما يُمثِّل حصارا عسكريا يستهدف روسيا. إلا أن التهديد الأخطر في تمدد حلف الناتو هو وصوله إلى جمهورية أوكرانيا في خاصرة روسيا، وهو ما تعده روسيا تهديدا مباشرا وخطيرا للأمن القومي الروسي. ويشار إلى أن المسؤولين الروس كانوا يتحدثون عن ضمانات أميركية أوروبية سابقة حول تمدد الحلف نحو دول المعسكر الشرقي لكنها لم تتحقق، لا سيما مع تطور الأمر بوجود منظومة صواريخ للناتو في دول شرق أوروبا، يضاف إلى ذلك قيام عدد من دول الحلف (السوفيتية) بإمداد السلاح لأوكرانيا مؤخرا، إضافة إلى احتمالية الدخول في صراع محاور دولية مفتوحة في حال تطورت الأحداث هناك.
حتى هذه اللحظة فإن الأزمة في أوكرانيا لم تتضح نهايتها في ظل وجود تحديدات روسية لا يمكن تجزئتها تتعلق بمسألة الأمن القومي الروسي، وحالة من عدم الثقة سادت العلاقة بين روسيا ودول الناتو على خلفية توسع الحلف شرقا وبناء منظومات صاروخية في نطاق نفوذ روسيا، بالإضافة إلى رغبة روسيا إثبات وجودها في مناطق نفوذها، وهو ما بدأ منذ بداية العهد الروسي الجديد بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين عام ٢٠٠٠م حينما حدث التدخل الروسي في الشيشان مرورا باجتياح جورجيا عام ٢٠٠٨م لدعم انفصال أوسيتا، تبعها الهجوم على جزيرة القرم وضمها لروسيا عام ٢٠١٤م، وأخيرا برز التمدد العسكري الروسي خارج مناطق نفوذها في الشرق الأوسط بمساندة الدولة السورية ثم تعزيز وجودها العسكري هناك، كل تلك الأحداث تثبت قوة الحضور العسكري والسياسي الروسي في مناطق نفوذها وبروز شخصية روسيا على المسرح الدولي.
الحقبة الروسية الجديدة التي بدأت مع الرئيس فلاديمير بوتين تنبئ بمتغيرات جيوسياسية استراتيجية يمكن أن تعيد صياغة نظام دولي جديد بتحالف شرقي روسي ـ صيني وحلفائهما في مواجهة الحلف الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها وذلك في مرحلة فاصلة من تاريخ صراع الأمم لن يتوقف على حدود أوكرانيا بل له ما بعده .