هل نحن بحاجة إلى ثورة زراعية ؟؟..
طـلال بن حمـد الربيـعـي
هل نحن بحاجة إلى ثورة زراعية ؟؟..
يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الحيوية في جميع الدول ومن ركائز التنمية الاقتصادية ، فهو المصدر الرئيسي للغذاء (الأمن الغذائي) والذي يعكس الأمن الإجتماعي والأمن الإقتصادي وهو مصدر دخل لنسبة كبيرة من الأيدي العاملة وله تداخلات مع معظم القطاعات الحيوية الاخرى مثل القطاع الصناعي والسياحي والتجاري وغيرها من القطاعات
وقد شهدت خطط التنمية في هذا القطاع خلال النصف الثاني من القرن الماضي إخفاقات عديدة في كثير من الدول العربية ودول الخليج بشكل خاص التي دأبت منذ اكتشاف النفط في الانفاق وبشكل مبالغ فيه احيانا على السلع الاستهلاكية والكماليات ، بالإضافة إلى شراء واستيراد المنتجات الزراعية والغذائية ؛ حيث يشكّل الأمن الغذائي في منطقة الخليج العربي أزمة حقيقية ؛ بسبب الاعتماد بنسبة 90% على استيراد حاجياتها الغذائية من الخارج، خصوصاً مع استمرار النمو السكاني وشح المياه. كالقمح ومنتجات الألبان واللحوم… الخ، إن مفهوم التنمية الاقتصادية والزراعية بشكل خاص في هذه الدول يبدو ضبابيا ؛ حيث لا توجد مشاريع وطنية واضحة المعالم في الوقت الذي تشتد فيه تحديات العولمة وتقلبات اقتصاد السوق وتحرير التجارة واستخدام الغذاء كوسيلة للضغط السياسي والاقتصادي من قبل الدول الصناعية المنتجة والمصدرة للسلع الغذائية الضرورية والأساسية.
ومن هنا كان لابد من استدعاء السؤال الحي تاريخيا الذي طرحه لينين : ما العمل ؟؟، وكيف نستطيع تحقيق تنمية زراعية حقيقية مستدامة ؟؟، بداية للإجابة على هذا التساؤل يجب ان ندرك، أن السبب في قصور التنمية الزراعية وعجزها الواضح عن تحقيق الأمن الغذائي هو تعرضها إلى العديد من الأزمات والمعوقات التي صاحبت خطط التنمية الاقتصادية في هذه الدول منذ السبعينات وحتى وقتنا الحاضر والتي أدت إلى إصابة الهياكل الاقتصادية باختلالات إنتاجية ناجمة عن تخلف وتدني مستوى الأنظمة الاقتصادية واعتمادها على الاقتصاد الريعي وعدم إتباع سياسة زراعية واضحة بالإضافة إلى تأثير العوامل الخارجية وما تسببه من تحديات الأمر الذي جعل استمرار عملية التنمية ونجاحها مرهونا بتجاوز هذه المعوقات والتحديات وإعادة بناء وخلق ظروف جديدة للإنتاج ونموه وكذلك إتباع سياسات زراعية خاصة بالتنمية الاقتصادية تكون أكثر قابلية للتطبيق وتحقيق الأهداف المنشودة منها.
ففي البلدان الصناعية المتقدمة نرى الدعم الحكومي للقطاع الزراعي يزداد سنويا ويشمل هذا الدعم الجانب المالي والفني والعلمي والتكنولوجي ، ففي أوروبا على سبيل المثال يشمل برنامج التمويل الأوروبي لعام 2013 ميزانية بمستوى 60 مليار يورو لقطاع الزراعة، ما يعادل 40 في المائة من الميزانية العامة للاتحاد الأوروبي. وهذا مبلغ كبير لقطاع لا يشغل أكثر من 5 في المائة من اليد العاملة في الاتحاد الأوروبي. وتم إقرار أموال الدعم المباشرة في الاتحاد الأوروبي نهاية التسعينات كإجراء لتأمين مستوى أسعار الإنتاج والدخل الشهري للمزارعين.
ولكن هل الدعم الحكومي وحده يعد كافيا لأحداث تنمية زراعية حقيقية ومستدامة في دول الخليج ؟؟.
ينبغي للزراعة، لكي تكون مستدامة، أن تلّبي احتياجات الأجيال حاضرًا ومستقبلًا، مع ضمان الربحية وصحة البيئة والإنصاف الاجتماعي والاقتصادي. وتسهم استدامة الأغذية والزراعة في الركائز الأربع للأمن الغذائي؛ وهي توافر الأغذية، والحصول عليها واستخدامها واستقراراها، وفي أبعاد الاستدامة الثلاثة أي البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وهنا تكمن أهمية التخطيط الاستراتيجي المتكامل والذي يشمل البحوث الزراعية والدعم التكنولوجي والتسويقي إضافة إلى الدعم المالي، فاذا علمنا ان نسبة انفاق دول كاليابان وألمانيا على الابحاث الزراعية والابتكار العلمي في هذا المجال تبلغ 3% من الناتج المحلي الإجمالي بل تجاوزته في بعض الأحيان.
فبدون التطور التكنولوجي المصاحب للتنمية الزراعية سنظل نعاني من تكرار نفس المشكلات السابقة، إن تطوير الأبحاث سيساعدنا على تجاوز صعوبات كثيرة كشح المياه والتقلبات المناخية وستمكننا كذلك من معرفة طبيعة النباتات والآفات الزراعية وطرق الزراعة المناسبة لكل منطقة حسب ظروفها المناخية.
على أن يتبع ذلك سن القوانين المنظمة ، وحوكمة السوق الزراعية بحيث تضمن تفعيل وتطوير المنظومة الزراعية المحلية ، من خلال تخصيص حصة للمنتجات المحلية ، وتنظيم عملية الاستيراد لبعض المنتجات الزراعية في فترات الوفرة في الانتاج المحلي من شأنه أن يمثل حافزاً ودعماً مهما واستدامة للإنتاج الزراعي .