الابتزاز بين الفعل الاجتماعي وأركان الجريمة .. الجزء (5)..
الدكتور/ سعيد بن عبدالله المعشري
مستـشار قانـونـي
الابتزاز بين الفعل الاجتماعي وأركان الجريمة .. الجزء (5)..
إن التصدي لما خلفته الثورة الرقمية من تحديات على الواقع الاجتماعي على الرغم من مساهمتها بتطور أنماط العلاقات والمعاملات بين اقطاب المجتمعات الانسانية، ولما خلفته من أثار، كان من الأهمية البحث عن الحلول والوسائل الممكنة لحماية الفرد والمجتمع منها، وخاصة في ظل تحول وتبدل المفاهيم القانونية (التي احدثتها هذه الثورة) بإعادة توصيف الجرائم – لتطور وسائل وأدوات ارتكابها – لذلك سميت بالجرائم الالكترونية.
بحكم تعدي ارتكاب هذا النوع من الجرائم النطاق المحلي ليكون عابراً للحدود، استدعى الأمر المجتمع الدولي إلى تعزيز العمل والتعاون المشترك بين الدول لمعالجة هذه الجرائم والحد من أثارها على النطاق الدولي والمحلي من خلال تحقيق التجريم المزدوج لها بين الدول للحد من الملاوذ الآمنة لارتكابها في بعض الدول التي تكون تشريعاتها الداخلية لا تجرم ولا تقاضي مرتكبيها.
فما كان ذلك إلا من خلال إبرام اتفاقية (بإشراف الأمم المتحدة) لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها بمدينة باليرمو الإيطالية في ديسمبر 2005م، وهي تُعنى بمكافحة كافة الممارسات والجرائم المنظمة التي تكون عابرة للحدود، وتعتبر الوسائل والأدوات الالكترونية أحد الوسائل في ارتكابها، فقد صادقت السلطنة على الانضمام الى هذه الاتفاقية بموجب المرسوم السلطاني رقم (37 / 2005).
وقد عٌقد مؤتمر لأطراف هذه الاتفاقية في فيينا بتاريخ 27 و 28 أكتوبر 2015م الذي خلص إلى العديد من التوصيات الذي يتلخص بعضا منها على إعداد مواد تدريبية بشأن جمع وتبادل الأدلة الإثباتيـة الإلكترونيـة بموجب الاتفاقية، وتعزيز كفـاءة آليـات التعـاون في مجـال إنفـاذ القـانون، واسـتحداث نظـم فعَّالـة لتبـادل المعلومـات، وإنشـاء قنـوات اتصـال بـين السـلطات المختصة بدول الأعضاء.
وأما على مستوى الإقليم العربي، تم ابرام الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات بين الدول العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية بالقاهرة بتاريخ 21 ديسمبر 2010م، والتي صادقت السلطنة بالانضمام اليها بموجب المرسوم السلطاني رقم (5/ 2015م)، فإن مجال تطبيق هذه الاتفاقية يكون على جرائم تقنية المعلومات بهدف منعها والتحقيق فيها وملاحقة مرتكبيها.
وألزمت الاتفاقية كل دولة طرف بها تجريم الأفعال المنصوص عليها، وذلك وفقا لتشريعاتها وأنظمتها الداخلية كالدخول غير المشروع والاعتراض غير المشروع على أنظمة تقنية المعلومات والاعتداء على سلامة البيانات بها واساءة استخدام وسائل تقنية المعلومات والتزوير والاحتيال والاباحية والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة عن طريقها، وارتكاب جرائم الإرهاب والمنظمة بواسطتها وغيرها من الجرائم المحددة بموجب الاتفاقية.
ولئن كان المسعى الدولي والإقليمي هو للحد من اثار هذا النوع من الجرائم في كافة المجتمعات، الا أن للحلول والمعالجات القانونية على المستوى المحلي للدول تكون ذات أهمية بالغة لحماية افرادها ومجتمعها من أثارها مراعاة لخصوصيتها وانظمتها الداخلية، فما كان للسلطنة من أجل إيجاد الحماية اللازمة من اثار الممارسات غير المشروعة عبر وسائل تقنية المعلومات وتنفيذا لالتزاماتها الدولية، أصدرت قانوناً لمكافحة جرائم تقنية المعلومات بموجب المرسوم السلطاني رقم (12 / 2011م)، ووفقا للمادة (2) منه يكون سريان القانون على هذه الجرائم ولو ارتكبت كليا أو جزئيا خارج السلطنة متى أضرت بأحد مصالحها، أو إذا تحققت النتيجة الاجرامية في إقليمها أو كأن يراد لها أن تتحقق فيه ولو لم تتحقق، وقد جرم القانون بشكل عام الأفعال الآتية :
1- التعدّي على سلامة وسرّية وتوافر البيانات والمعلومات الالكترونية والنظم المعلوماتية.
2- إساءة استخدام وسائل تقنية المعلومات.
3- التزوير والاحتيال المعلوماتي.
4- جرائم المحتوى (التي يقصد بها استخدام الشبكة المعلوماتية ووسائل تقنية المعلومات في انتاج أو عرض …الخ مواد إباحية ما لم يكن ذلك لأغراض علمية أو فنية مصرح بها، أو استخدامها في تحريض أو اغواء ذكر أو انثى لارتكاب الفجور أو الدعارة وكذلك منها التصوير من شأنه الاعتداء على الحياة الخاصة باستخدام وسائل تقنية المعلومات كالهاتف النقال ونشرها ولو كانت صحيحة، وكذلك المقامرة باستخدام تلك الوسائل، أو استخدامها للتهديد والابتزاز أو المساس بالقيم الدينية أو النظام العام، او استخدامها لتمويل الإرهاب أو للاتجار بالبشر أو بالذخائر والأسلحة والمتفجرات أو الاتجار أو الترويج للمخدرات).
5- التعدّي على البطاقات المالية.
فمن الواضح أن القانون قد نص في المادة (18) على تجريم استخدام وسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع ولو كان هذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعاً، فمن الواضح أن القانون يجرم فعل التهديد أو الابتزاز في ذاته دون النظر إلى نتيجة الفعل المراد تحقيقه سواء كان مشروعا أو غير مشروع، متى تم ذلك عبر وسائل تقنية المعلومات.
إلى جانب الحلول القانونية التي أوجدت على المستوى الدولي أو المحلي، فهناك العديد من الحلول التقنية والاجتماعية، للتصدي لظاهرة الابتزاز التقليدية أو الالكترونية والوقاية منها التي سنرجي الحديث عنها في الجزء التالي من هذا المقال.